– محمد ديب بظت

ودع المنتخب السوري بطولة كأس العرب بعد خسارته أمام المنتخب المغربي بهدف دون مقابل، خلال المباراة التي جمعتهما في 11 من كانون الأول الحالي ضمن الدور ربع النهائي، ورغم الخروج، حملت مشاركة “نسور قاسيون” في البطولة كثيرًا من المؤشرات الإيجابية، خلافًا للتوقعات السابقة قبل انطلاق المنافسة.

بدأت رحلة المنتخب السوري من الدور التمهيدي، عندما واجه منتخب جنوب السودان وتغلب عليه بهدفين دون مقابل، ليضمن مقعده في دور المجموعات.

ووضعت القرعة سوريا في المجموعة الأولى التي اعتبرت الأقوى قياسًا بأسماء المنتخبات المشاركة، إذ ضمت إلى جانبها كلًا من تونس وقطر المضيفة وفلسطين.

ورغم ثقل المنافسين، نجح المنتخب السوري في إنهاء الدور الأول بالمركز الثاني، متقاسمًا النقاط مع المنتخب الفلسطيني، قبل أن يحسم فارق الأهداف موقعه في الوصافة.

واستهل المنتخب مبارياته بفوز على المنتخب التونسي بهدف دون مقابل، قبل أن يفرض التعادل الإيجابي (1-1) على المنتخب القطري، واختتم دور المجموعات بتعادل سلبي أمام فلسطين.

انسجام وتطور

الحضور غير المتوقع مقارنة بحجم الخصوم، اعتبر مؤشرًا على تطور الأداء الجماعي وارتفاع نسق الانسجام داخل الفريق، خصوصًا في الجانب الدفاعي الذي ظهر كإحدى أبرز نقاط القوة في البطولة.

وحاز الجانب التكتيكي إشادة واسعة من المتابعين، بفعل قدرة المنتخب على ضبط إيقاع المباريات والالتزام التنظيمي داخل الملعب، إلى جانب الصلابة الدفاعية التي حدّت من خطورة الخصوم طوال البطولة.

لكن في المقابل، ظهرت مجموعة من الملاحظات السلبية، أبرزها ضعف النجاعة الهجومية وبطء التحول من الدفاع إلى الهجوم، إضافة إلى الميل المبالغ فيه للارتداد إلى المناطق الدفاعية خلال فترات طويلة من المباريات.

ورغم الخروج من ربع النهائي، برز حضور المدرب الإسباني خوسيه لانا، بوصفه أحد أهم عناصر نجاح المنتخب خلال البطولة، إذ اعتبر تعاطيه مع المباريات وتوزيعه للأدوار داخل أرض الملعب عاملًا رئيسًا في قدرة الفريق على مجاراة منتخبات أعلى منه فنيًا.

كما شهدت البطولة بروز عدد من اللاعبين الذين لفتوا الأنظار بأدائهم، وفي مقدمتهم الحارس إلياس هدايا الذي قدّم مباريات كبيرة، والمدافع أحمد فقا، ولاعب الوسط محمد صلخدي، إضافة إلى تألق المهاجم عمر خريبين الذي كان الأكثر تأثيرًا في الثلث الهجومي.

ورغم الخسارة أمام المغرب، نقل المنتخب السوري انطباعًا بأنه قادر على طرح نفسه كمنافس جدي أمام منتخبات أعلى منه تصنيفًا وحضورًا فنيًا، وأن مشروع إعادة بناء المنتخب يسير بخطوات ثابتة في ظل الجهاز الفني الحالي، بانتظار تدعيم الخط الهجومي وتطوير آليات الضغط والارتداد.

هجوم غير فعال

المدرب السوري طارق جبّان، أكد خلال حديث إلى، أن تقييم مشاركة المنتخب في كأس العرب يجب أن يبدأ من الجانب التكتيكي، إذ نجح الفريق، برأيه، في تقديم أداء دفاعي منظم أمام منتخبات قوية مثل قطر وتونس وحتى المغرب.

وقال جبّان، إن المنتخب تمكن من اللعب ككتلة واحدة، مع التزام واضح بالتمركز الدفاعي، رغم بعض الأخطاء الطبيعية التي قد تظهر مع أي منتخب، معتبرًا أن المدرب خوسيه لانا اعتمد أسلوب “المنطقة” والتحولات السريعة عبر بعض اللاعبين السريعين، وهو أسلوب وُفّق الفريق بتطبيقه خلال المباريات.

الجهاز الفني تعامل مع البطولة بموجب أهداف تدريجية، إذ كان الهدف الأول الوصول إلى دور المجموعات، وهذا تحقق، ثم استطاع المنتخب أن يتأهل إلى الدور الثاني بعد أداء متوازن أمام تونس وقطر وفلسطين، وكل مباراة كان لها خطة مختلفة تخدم الهدف المطلوب.

مع ذلك، أبدى جبّان تحفظه على الجانب الهجومي، ووصفه بأنه “غير ناجع وغير فعال”، مبينًا أن الاعتماد المستمر على الدفاع والارتداد يحمل مجازفة كبيرة، خصوصًا في مواجهة الركلات الثابتة والضغط المتواصل.

المنتخب لم يستطع اللعب في مناطق الخصم لفترات طويلة، واعتمد بشكل كبير على التحولات والكرات الثابتة والمجهود الفردي، مؤكدًا الحاجة إلى نوعية لاعبين قادرة على خلق الفرص ووسط ملعب قوي يوازن بين الدفاع والهجوم لبناء منظومة هجومية متكاملة في المستقبل.

ورغم الانتقادات، اعتبر جبان المشاركة “ناجحة بكل المقاييس”، خاصة في ظل الظروف التي واجهها المنتخب، وأبرزها غياب الدوري السوري وافتقاد اللاعبين للإيقاع التنافسي قبل البطولة.

كما أن الجهاز الفني نجح في بناء توليفة جيدة تجمع بين اللاعبين المحليين والمحترفين مثل عمر خريبين ومحمود المواس ومحمد صلخدي وسيمون أمين وإلياس هدايا وأحمد فقا، ما جعل المنتخب، بحسب تعبيره، يستحق التقدير.

انطباع إيجابي

من جانبه، اعتبر المدرب نزار محروس أن مشاركة المنتخب السوري في كأس العرب كانت “ممتازة”، مؤكدًا أن الأداء العام كان جيدًا رغم وجود جوانب فنية بحاجة إلى تطوير.

وقال محروس ل، إن المنتخب قدّم حضورًا مقبولًا أمام منتخبات قوية ومتميزة، مضيفًا أن بعض التفاصيل الفنية حالت دون تقديم صورة مكتملة، إلا أن الانطباع العام يبقى إيجابيًا.

وحول النقاط السلبية، أشار محروس إلى معاناة المنتخب في المباريات الكبيرة من غياب الهداف القادر على الحسم، موضحًا أنه مع غياب عمر خريبين، بدا واضحًا أن المنتخب لم يتمكن من التسجيل أو خلق فرص هجومية مدروسة، بخلاف المباريات العادية التي قد يسجل فيها أي لاعب.

واعتبر أن ذلك دليل على أن المنتخب ما زال بحاجة إلى عمل وتطوير على مستوى بناء الهجمة وتنظيم العمل الهجومي.

وفي المقابل، يرى محروس أن الجانب الدفاعي كان من أبرز نقاط القوة خلال البطولة، حيث اعتمد المنتخب أسلوبًا واضحًا قائمًا على التكتل الدفاعي بخطين، يضم رباعي الوسط ورباعي الدفاع، ما أسهم في إغلاق المساحات وسد الثغرات أمام الخصوم.

وعن اللاعبين الذين لفتوا الأنظار، نوه محروس بأداء محمد صلخدي، واصفًا إياه باللاعب المهاري الذي يمتلك هامش تطور كبير، إلى جانب عمر خريبين بوصفه الهداف الأبرز في صفوف المنتخب.

وفي خط الوسط، اعتبر أن سيمون أمين تميز في إخراج الكرة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى افتقاد المنتخب للاعب ارتكاز صريح يؤمّن العمق الدفاعي أمام المدافعين، معتبرًا أن الهدف الذي تلقاه المنتخب أمام المغرب جاء نتيجة سوء تفاهم بين لاعبي الارتكاز.

كما أثنى محروس على أداء المدافع أحمد فقا، واعتبر أن الحارس إلياس هدايا شكّل “مكسبًا حقيقيًا” للمنتخب خلال البطولة، مؤكدًا أن جميع اللاعبين قدموا أداء جيدًا في المجمل.

غياب عدد من اللاعبين عن التشكيلة يعود إلى توقيت البطولة خارج أيام الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ما حدّ من اكتمال الصفوف، بحسب محروس.

فرصة للاختبار

اللاعب الدولي السابق عبد الملك عنيزان، اعتبر أن مشاركة المنتخب السوري في بطولة كأس العرب كانت جيدة، وأن النتائج التي حققها الفريق تعكس تطورًا مقارنة بالمشاركات السابقة، ولا سيما على مستوى المنظومة الدفاعية.

وقال عنيزان، إن البطولة شكلت فرصة لاختبار عدد من اللاعبين، مشيرًا إلى وجود تحسن ملحوظ في الأداء الدفاعي، إلى جانب بروز واضح في مركز حراسة المرمى، سواء من خلال الحارس الأساسي إلياس هدايا أو الحارس شاهر الشاكر الذي شارك في مواجهة منتخب تونس.

وأشاد عنيزان بدور عمر خريبين، معتبرًا إياه من أهم لاعبي المنتخب خلال البطولة، سواء من حيث الخبرة أو الحضور داخل الملعب، ووصفه بـ“القائد الحقيقي” القادر على توجيه زملائه في اللحظات الصعبة.

وفي الشق الهجومي، اتفق عنيزان مع الطروحات التي قدمها المدربان طارق جبّان ونزار محروس، معتبرًا أن المعاناة الهجومية كانت عامة وليست مرتبطة بلاعب بعينه.

وأوضح أن المنتخب واجه صعوبات في الخروج بالكرة ونقلها بشكل منظم بين الخطوط وصولًا إلى خط الهجوم.

أحد أسباب هذا الخلل يعود إلى الاعتماد الكبير على التكتل الدفاعي واللعب بأسلوب دفاعي بحت، إلى جانب الارتكاز على التحولات السريعة، ما فرض جهدًا بدنيًا عاليًا على اللاعبين، وأثر في قدرتهم على التحول السلس من الدفاع إلى الهجوم.

وأضاف أن غياب الحلول الجماعية في بعض الفترات دفع المنتخب للاعتماد على الاجتهادات الفردية، بالتوازي مع غياب عدد من اللاعبين المؤثرين، مثل عمر السومة وبابلو صباغ، اللذين يعدان من الأسماء البارزة في الخط الأمامي للمنتخب.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.