خصخصة التبغ السوري تثير تساؤلات حول الجدوى
– جنى العيسى
أجاز رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للقطاع الخاص الاستثمار في صناعة التبغ وشرائه بهدف تصنيعه وتسويقه مصنعًا.
ويهدف المرسوم الذي يحمل الرقم “16” لعام 2024 إلى فتح الباب أمام القطاع الخاص للدخول في استثمار التبغ بشكل محوكم ومدروس ومخطط، نظرًا إلى ما يمتلكه هذا القطاع من مرونة وخبرة تساعد في تجاوز بعض المعوقات التي تؤثر على استثمار هذه الصناعة من خلال القطاع العام الاقتصادي، وفق نص المرسوم.
مصدر للخزينة.. فلاحون راغبون بالمحصول
يزرع محصول التبغ في معظم المحافظات السورية، أبرزها أرياف حماة واللاذقية ودرعا والقنيطرة وحمص، وتأتي أهميته الاقتصادية من كونه يغني خزينة الدولة عبر الضرائب والأرباح، بالإضافة إلى زيادة الدخل القومي، وتأمين القطع الأجنبي، وتأمين حاجة السوق المحلية، إلى جانب توظيف اليد العاملة.
ووفق مقال نشرته “المؤسسة العامة للتبغ” في سوريا عام 2017، يعد التبغ من أهم المحاصيل الاقتصادية في البلاد، إذ يعتبر المحصول الزراعي الثالث في القطر.
وحين نشر المقال كان يعمل بزراعة التبغ نحو 60 ألف مزارع، كما يعيش على زراعته وصناعته وتجارته نحو 90 ألف نسمة.
وخلال السنوات القليلة الماضية، ظهر توجه واضح لدى حكومة النظام السوري من ناحية دعم زراعة التبغ والفلاحين، عبر تقديم سعر مغرٍ لشرائه من الفلاحين من جهة، ودعم الأسمدة والمحروقات والأدوية وغيرها، وذلك على حساب محاصيل زراعية أخرى لا توازيه في الأهمية كالقمح مثلًا.
وفي تقرير سابق أعدته، نهاية تموز 2021، قال عدد من المزارعين، إن زراعة التبغ باتت مرغوبة لديهم أكثر من باقي المحاصيل، رغم أن زراعته تتطلب مجهودًا أكبر، لكونها تمر بعديد من مراحل العمل، لكن تفرّده بـ”دعم الحكومة”، كتقديم المحروقات بأسعار “مدعومة”، بالإضافة إلى الأسمدة والأدوية والشتلات، جعل زراعته مرغوبة أكثر.
تهالك الاقتصاد يجبر النظام
في ظل المعطيات السابقة، تثار التساؤلات حول أهداف حكومة النظام من طرح قطاع التبغ للاستثمار أمام القطاع الخاص، خاصة في ظل عدم توضيح الحكومة أسباب المرسوم.
الأستاذ المشارك في قسم إدارة الأعمال بـ”كليات الشرق العربي” والدكتور في الاقتصاد، عماد الدين المصبح، قال ل، إن قطاع التبغ في سوريا كان يعاني بالأساس قبل عام 2011 من عدة مشكلات من ناحية منشآت القطاع الصناعي، وارتفاع التكاليف وانخفاض الإنتاجية، فضلًا عن مسألة تسعير شراء المحصول من الفلاحين.
وخلال الظروف الحالية، وما يعانيه الاقتصاد من تراجع في القطاع الصناعي على مختلف المستويات، ظهرت على ما يبدو مشكلة توريد التبغ الخام، وسط غياب قدرة النظام على صيانة الأجهزة والمعدات المتعلقة بهذا القطاع، وفق المصبح.
وأضاف المصبح أن كل ذلك أدى إلى عجز النظام عن توريد أو شراء محصول التبغ من الفلاحين، ما أجبره على فتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في المحصول.
وأشار المصبح إلى وجود مطالب قديمة منذ عام 2004 بالسماح للشركات الخاصة بالدخول والاستثمار في هذا القطاع، معتبرًا أن الضغوط الاقتصادية الهائلة التي يتعرض لها النظام فرضت الخصخصة حاليًا.
سحب البساط من مخلوف
المهندس الزراعي والمدير العام الأسبق لـ”اتحاد الغرف الزراعية السورية”، سامر كعكرلي، قال ل، إن قطاع التبغ يعاني من مشكلة قديمة تتعلق بالمسؤولية عليه، إذ تشرف وزارة الزراعة عليه من ناحية الزراعة والإنتاج، بينما تعد “المؤسسة العامة للتبغ” (الريجة) التابعة لوزارة الاقتصاد مسؤولة عن تسويق المحصول.
وأوضح كعكرلي أن الدولة حرصت كثيرًا في وقت سابق على إحكام سيطرتها على هذا المحصول، ومنعت دخول الاستثمار الخاص فيه بسبب عائداته المالية العالية جدًا.
وكانت تجارة التبغ وتسويقه، بحسب ما قاله كعكرلي، محصورة بشركتي “الأسواق الحرة” و”راماك” العائدة ملكيتهما لرامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، ما كان يمنع فتح الباب للقطاع الخاص، بسبب موافقة الدولة على احتكارها من قبله، وخشية من تضرره.
بينما تشير إتاحة استثمار القطاع الخاص حاليًا إلى سحب البساط من رامي مخلوف، وفق ما يراه المهندس الزراعي سامر كعكرلي.
ويعد قطاع التبغ من أبرز الصناعات المحتكرة في سوريا لمصلحة محمد مخلوف، خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لعدة أسباب أبرزها سياسة الدولة تجاه التصنيع من جهة، والعوائد المالية العالية التي يحققها من جهة ثانية.
صلة القربى لمحمد مخلوف، خال الرئيس رئيس النظام بشار الأسد، ووالد رامي مخلوف، وشغل منصب مدير “المؤسسة العامة للتبغ” أو ما يُعرف باسم “الريجة”، أتاحت له أن يبدأ من تلك المؤسسة ممارسة الفساد على نطاق واسع، بحسب فراس طلاس ابن وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، الذي وصف مخلوف بـ”بطريرك العائلة”.
وفي شباط 2022، ذكرت تسريبات مصرفية نُشرت تحت مسمى “Suisse Secrets” لأحد أكبر البنوك في سويسرا “Credit Suisse”، أن مخلوف استُخدم كواجهة لصهره، الرئيس السابق، حافظ الأسد، لسنوات، بينما استفاد من علاقاته السياسية في إمبراطورية تجارية تشمل التبغ والعقارات والمصارف والنفط.
وتظهر بيانات حساب محمد مخلوف في بنك “Credit Suisse”، أن ثروته المودعة في البنك تقدر بثمانية ملايين و278 ألفًا و851 فرنكًا سويسريًا (حوالي تسعة ملايين دولار)، وهي نسبة أقل بكثير من القيمة المتوقعة لثروته خارج هذا البنك.
تصف منظمة “مكافحة الجريمة وغسل الأموال” محمد مخلوف على موقعها الرسمي، باسم “السيد 10%” بسبب “فساده المزعوم”.
اقرأ أيضًا: فساد “السيد 10%” يلاحق عائلة مخلوف بعد وفاته
ولعبت عائلة مخلوف دورًا محوريًا في رسم خارطة سوريا الاقتصادية على مدى أكثر من خمسة عقود من سيطرة عائلة الأسد على مقاليد السلطة.
وكان لصلة القرابة الدور الأبرز في صعود العائلة إلى قمة هرم المال، إذ بدأت العائلة أنشطتها الاقتصادية على يد محمد مخلوف، ليتولى بعد ذلك أبناؤه وأحفاده مهمة ابتلاع القطاعات الاقتصادية شيئًا فشيئًا.
أثر إيجابي على المزارعين
حول أثر دخول القطاع الخاص في استثمار محصول التبغ، يرى المدير العام الأسبق لـ”اتحاد الغرف الزراعية السورية”، سامر كعكرلي، أن المزارعين قد يتأثرون إيجابًا بهذا المرسوم من الناحية المادية، مع الإشارة إلى عدم إلزامية القطاع الخاص بشراء محصول التبغ من الفلاحين، على عكس الدولة.
كما قد تتحسن صناعة التبغ لكون معامل القطاع الخاص ستكون أفضل من معامل القطاع العام من ناحية الإنتاج.
ولا تعتبر زراعة التبغ سهلة كغيرها من المحاصيل الزراعية الأخرى، إذ تحتاج العملية إلى عدة خطوات حتى الوصول إلى مرحلة الإنتاج من جهة، وإلى خبرة في زراعة هذا المحصول من جهة أخرى، بالإضافة إلى إشراف فنيين متخصصين.
وفي الموسم الماضي 2022-2023، بلغت المساحات المرخصة لزراعة التبغ في مناطق سيطرة النظام نحو 103 آلاف دونم، بينما وصل حجم الإنتاج الكلي المتوقع إلى 4561260 كيلوغرامًا.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي