– موفق الخوجة
يتغلغل الخطر المحدق بين المدنيين على شكل مستودعات أسلحة وذخائر تتبع لوزارة الدفاع السورية، وتنتشر في المناطق السكنية، بعيدًا عن الثكنات العسكرية.
هذه المستودعات تبدو ضعيفة التحصين، وتفتقر إلى أدنى مقومات السلامة، وفق ما أشارت إليه تبريرات الحكومة السورية، وما رآه خبير عسكري، قابلته، ما يجعلها عرضة للانفجار بأي وقت، مسببة خسائر بشرية جديدة، بعد أن أمل السوريون أن تتوقف عجلة القتل التي كانت مستمرة خلال الـ14 عامًا الماضية، بفعل القصف والبراميل المتفجرة.
وأحدثت هذه الانفجارات ضحايا، بين قتلى وجرحى، إلى جانب الذعر التي تنشره بين السكان، دون اتخاذ إجراءات واضحة لتحييد المدنيين، وإبعاد هذه القنابل والذخائر الموقوتة، التي يفوق خطرها مخلّفات الحرب المنتشرة في المساكن والأراضي الزراعية، التي كانت على خطوط الجبهات، بسبب الانفجارات الكبيرة وكمية الذخائر الضخمة المخزنة في هذه المستودعات، وفق ما أظهرته الانفجارات، خلال الأشهر القليلة الماضية.
تموز.. ذروة الانفجارات
توالت الانفجارات، منذ خمسة أشهر حتى الآن، وتعزو الحكومة الأسباب إلى عوامل طبيعية أو أخطاء بشرية.
وبلغت ذروة الانفجارات في تموز الماضي، إذ وقع الانفجار الأول في 2 من ذلك الشهر، بأحد مستودعات الأسلحة بالقرب من بلدتي كفريا والفوعة، بريف إدلب الغربي، دون أن يخلف ضحايا.
ونقلت قناة “الإخبارية” الرسمية، عن المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع، أن سبب الانفجارات المتتالية، هو ارتفاع درجات الحرارة، نافيًا وقوع قتلى أو جرحى في صفوف المدنيين، أو طواقم الإسعاف.
وفي 7 من تموز، أفاد مراسلو في إدلب، بوقوع انفجار قوي، تلته عدة انفجارات متتابعة، سمع دويها في الأرياف الشمالية والشرقية لمحافظة إدلب.
وانتشرت تسجيلات صوتية على مجموعات “واتساب” محلية تتضمن مناشدات من سكان مخيم “حفيدات عائشة” تطالب بإرسال سيارات إطفاء إلى المنطقة، بحسب ما رصده مراسلو حينها.
مديرية الداخلية في إدلب قالت حينها، إن انفجارًا وقع في مستودع ذخيرة يضم ألغامًا وصواريخ من مخلفات الحرب، شمال بلدة الفوعة بريف إدلب، على بُعد نحو كيلومتر واحد من المناطق السكنية.
وأدى الانفجار إلى تسجيل بعض الإصابات الخفيفة وحالات إغماء، نتيجة شدة الانفجار، دون وقوع إصابات بالغة، وفق الداخلية.
“الدفاع” وعدت بتعويضات
الانفجار الأضخم وقع في 24 من تموز، وخلف 11 قتيلًا وأصيب فيه أكثر من 140 آخرين، بانفجار أحد مستودعات الأسلحة في بلدة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي، في منطقة مكتظة بمخيمات المهجرين، ولم يكن الناس على علم بوجود منشأة عسكرية أو مستودعات ذخيرة.
وزارة الدفاع السورية أصدرت بيانًا، في 22 من أيلول، تعقيبًا على هذا الانفجار، وقالت فيه إنه حصل نتيجة سوء تخزين بمستودعات للأسلحة والذخائر.
وأضافت أنها بادرت مع محافظة إدلب للتواصل مع الأهالي وتعزيتهم ومواساتهم وصرف دية عن كل قتيل، وتقديم تعويضات مالية للمصابين وفقًا لدرجات الإصابة.
ووعدت بتعويض أصحاب الممتلكات المتضررة، استنادًا إلى تقارير الخبراء المعتمدين، إذ تجاوز إجمالي التعويضات مليون دولار أمريكي سيتم تسليمها على دفعات خلال أربعة أشهر من تاريخ صدور البيان، بحسب وزارة الدفاع.
استمرار الانفجارات
بعد الانفجار الكبير، الذي خلّف ضحايا في مدينة إدلب، استمرت موجة الانفجارات في مستودعات الأسلحة بأماكن وجود المدنيين، إذ حصل انفجاران آخران في 14 من آب الماضي، أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة أربعة آخرين.
الانفجاران وقعا في أراضٍ زراعية، خلف كورنيش إدلب الغربي بالقرب من مدينة الملاهي (الأرض السعيدة)، بالقرب من مزارع ومساكن للمدنيين، وفق ما أفادت به مراسلة حينها.
وبعد أن خفت وتيرة الانفجارات خلال ذروة الصيف، عادت إلى الواجهة بعد أن وقع انفجار في 26 من تشرين الثاني الحالي، وأسفر عن خمسة قتلى من العاملين في مستودع الذخيرة، يتبعون لوزارة الدفاع السورية.
المكتب الإعلامي في قيادة الأمن الداخلي بمحافظة إدلب، أوضح أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الانفجار وقع نتيجة عمل إحدى الورشات بالقرب من المكان.
وذكرت “الإخبارية” أن مواطنين أصيبوا خلال عملهم في جني محصول الزيتون بمكان الانفجار، وشهدت المنطقة انتشارًا “مكثفًا” لفرق الدفاع المدني والقوى الأمنية التي عملت على تأمين المكان.
وكان مراسل في إدلب أفاد أن الانفجار يرجح أنه لمستودع ذخيرة يضم صواريخ، إذ سبق الانفجار سماع دوي انفجار صاروخي في المدينة.
المراسل أكد وقوع جرحى بين المدنيين نتيجة الانفجار، إضافة إلى دمار واسع بمكان الانفجار وحوله، كونه ضمن أراضٍ زراعية.
أخطاء قاتلة
أثارت هذه الانفجارات تساؤلات عن سبب وقوعها وتتاليها، ما أثار شكوكًا بوقوف جهات خلفها، إلا أن الخبير العسكري العميد عبد الله الأسعد، رجّح أنها نابعة مما وصفه بـ”عدم فهم ودراية” ونتيجة أخطاء قاتلة، متعلقة بوجود أشخاص لا يعرفون ما تأثير العمل بجانب هذه المستودعات.
ولا يتوقع الأسعد وجود أي عمل “إرهابي” في هذه المنطقة له علاقة باستهداف هذه المستودعات، وفق تعبيره.
وأوضح أن الأخطاء البشرية والعوامل الطبيعية لها دور “كبير جدًا” إذا لم تكن محصنة جيدًا.
وأشار إلى أن المستودعات التابعة للقطعات العسكرية تكون دائمًا بمنأى عن وجود السكان المحليين والتأثيرات الجانبية من أعمال حدادة والتي يمكن أن يستخدم فيها أي نوع من أنواع الطاقة التي قد تولد حرائق.
ومن المعروف أن المستودعات التي تحتوي على أسلحة وذخائر، يمنع أن يعمل أحد بجانبها أو أن تتعرض للحرارة، وتخضع هذه المستودعات للعزل لعدم حصول أي انفجار داخل هذه المستودعات، وفق الأسعد.
بحاجة لتجهيزات هندسية
أكد الخبير العسكري عبد الأسعد، خلال حديثه إلى، أن تجهيز هذه المستودعات لا يكون بغرف عادية، ويجب أن تكون محصنة من الداخل ومن الخارج ومن الأسقف.
وشدد على أن مداخلها يجب ألا تكون جبهية وعرضة مباشرة لأي نوع من أنواع العوامل الطبيعية، بما فيها المطر والبرودة، حيث تؤثر على الحشوات الموجودة داخل الطلقات.
ويجب أن تكون هذه المستودعات ذات مخطط هندسي يشرف عليه مهندسون اختصاصيون بشكل دقيق، وفق الأسعد.
بالقرب من مدنيين
الأسعد لفت إلى أن هذه المستودعات موجودة ضمن أحياء سكنية، ويتم العمل بجانبها دون أخذ أي تدابير أو احترازات، وتكررت عدة حالات مشابهة نتيجة عدم وجود تدابير أمنية.
وأرسلت إلى وزارة الدفاع للسؤال عن الاحترازات التي ستتبعها الوزارة لتحييد المدنيين، إلا أنها لم تتلقّ ردًا حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
من جانبها، تحاول وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث في سوريا إبعاد المدنيين عن أماكن وجود مستودعات الأسلحة والذخائر، وفق تعليق الوزير، رائد الصالح، ل في وقت سابق.
وقال الصالح، إن الوزارة تعمل مع بقية الوزارات المعنية على التأكد من خلو أي وجود لمدنيين بمحيط أماكن الأسلحة، مشيرًا إلى عبء أمام هذه الخطوة بسبب وجود مدنيين يعملون بجمع الذخائر ومخلفات الحرب، ما يؤدي إلى صعوبة بحصر هذه الأماكن والمستودعات.
وأشار إلى أن الوزارة تعمل على توعية مجتمعية لمنع تخزين مواد متفجرة في المناطق المدنية والذي يمكن أن يؤثر على حياة المدنيين الموجودين.
وإلى جانب مستودعات الأسلحة، تحصل انفجارات أخرى لمخلفات الحرب، التي يحاول مدنيون تخزينها بهدف تحصيل الربح المادي.
ووقع انفجار في ترمانين بريف إدلب، في 25 من تموز الماضي، ناتج عن انفجار لذخائر كان شخص مدني يعمل على تفكيكها، أسفر عن ثلاث ضحايا بينهم طفل وامرأة، وثلاثة مصابين، بينهم طفل وامرأة، وجميعهم من عائلة واحدة، بحسب الدفاع المدني السوري.
وفي 15 من آذار الماضي، قتل أكثر من 16 شخصًا وأصيب 18 آخرون جراء انفجار في محل للخردوات، ناجم عن مخلفات حرب “وفق المعطيات الأولية وشهادات السكان”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
