اخر الاخبار

خلافات عميقة.. كيف قسمت انتخابات الرئاسة العائلات الأميركية؟

انتهت انتخابات الرئاسة الأميركية العام 2020 على مشهد انقسام سياسي غير مسبوق، تضمن محاولة أنصار المرشح الخاسر، دونالد ترمب، اقتحام مقر الكونجرس الأميركي، وعرقلة عملية تسليم السلطة لجو بايدن، في حين تأتي انتخابات 2024، وقد توغل الاستقطاب السياسي في بيوت الأميركيين، مسبباً انشقاقات عائلية، حتى داخل أسر المرشحين.

ويعد تيم والز، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، أحدث مثال على الانقسامات السياسية في عائلات المرشحين. ففي سبتمبر الماضي، خرج شقيقه جيف والز على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحدث في مقابلة مع News Nation عن الخلاف بينهما، مشيراً إلى أنه “يعارض بنسبة 100% الأيديولوجية السياسية لتيم”.

وفي منشور على فيسبوك، قال جيف والز عن شقيقه: “القصص التي يمكنني أن أرويها ليست من النوع الذي تريده أن يتخذ قرارات بشأن مستقبلك”. 

وأضاف أنه “فكر ملياً” في الصعود على المسرح وتأييد الرئيس السابق ترمب، الذي تبرع له بمبلغ 20 دولاراً في عام 2016.

وفي هذا الصدد، قال الباحث السياسي جيه كولمان لـ”الشرق”، إنه رغم أن تأثير الخلافات العائلية على الصورة العامة للمرشح تعتبر محدودة، فإنه في خضم انتخابات عالية المخاطر، يمكن أن تخلق مثل هذه الخلافات عبئاً إضافياً على المرشح.

ويتفق أستاذ العلوم السياسية في كلية “سارة لورانس” صمويل جيه أبرامز، مع كولمان في أن النزاعات العائلية من المحتمل ألا يكون لها أي تأثير على الإطلاق. 

وقال أبرامز في تصريحات لـ “الشرق”، إن “عالم وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال المستمر قد غيّر الانتخابات والحملات وجميع جوانب الحياة تقريباً في الوقت الحاضر، مضيفاً أن هناك الكثير من المعلومات والضجيج والمحادثات التي تصل إلى شاشات وعقول الناخبين، لدرجة أن هذه الخلافات العائلية من المحتمل ألا يكون لها أي تأثير على الإطلاق على الصورة العامة للمرشح، وعلى فرصه الانتخابية”.

ويختلف أستاذ العلوم السياسية في جامعة “ويبستر” ويليام هال، مع سابقيه قائلاً لـ”الشرق”، إن النزاعات العلنية والخلافات الحادة بين أفراد العائلات البارزة حول المرشحين السياسيين الذين يسعون إلى تولي مناصب عامة “يمكن أن يكون لها تأثير، وقد تؤثر أيضاً، إلى حد ما، على نتيجة الانتخابات”. 

ترمب وكينيدي

والانقسام بين الأخوين والز ليس الوحيد من نوعه داخل عائلات المرشحين لانتخابات 2024. في المعسكر الآخر، تلقى ترمب هجوماً من ابن شقيقه فريد ترمب الثالث، الذي وصفه بأنه “مجنون” أثناء مقابلة مع شبكة ABC News، أجريت يوليو الماضي. 

وقال فريد إن ترمب “استخدم عبارات عنصرية قبل عقود من الزمان، وإنه ترك بصمته على تاريخ العائلة”، مشيراً إلى أنه “لن يدعم عمه في السباق الرئاسي، وسيصوت لكامالا هاريس”.

ورفع ترمب، نفسه، دعوى قضائية ضد ابنة أخته ماري ترمب، بعد أن سرّبت إقراراته الضريبية السرية لصحافيين من أجل تحقيق في صحيفة “نيويورك تايمز” عن شؤون ترمب المالية.

وعُرِفت ماري بانتقادها الشديد واللاذع لترمب، ففي عام 2020 وصفت ماري عمها في كتاب ألفته بعنوان “الكثير، ولا يكفي أبداً: كيف خلقت عائلتي أخطر رجل في العالم؟” بأنه شخصية “نرجسية ومريض بالكذب”.

وكان ترمب، أيضاً، ضلعاً بارزاً في الانقسامات التي حدثت داخل عائلة كينيدي، مع تعليق المرشح المستقل روبرت إف كينيدي جونيور حملته الانتخابية وتأييده لترمب.

ولم يسبق لعائلة كينيدي الديمقراطية، أن واجهت مثل هذا الموقف، فعلى مر السنين، ورغم كل الأزمات والفضائح والحملات الانتخابية، ظلت القاعدة التقليدية للعائلة هي التكاتف والدعم المتبادل مهما كانت التحديات. 

ومع ذلك، عندما حصل روبرت إف كينيدي جونيور، في بداية السباق أمام الرئيس الأميركي جو بايدن، على حوالي 15% من الأصوات ضد بايدن، أثار ذلك قلق العائلة التي أرادت الابتعاد عن حملته. 

وفي أكتوبر 2023، أدان  4 من أشقائه حملته المستقلة باعتبارها “خطر على البلاد”، مشيرين في بيان إلى أنه “لا يشارك نفس القيم أو الرؤية أو الحكم مع والده”.

وبينما تجمع حوالي 50 من أفراد العائلة في البيت الأبيض للاحتفال بعيد “القديس باتريك” خلال مارس الماضي، في مشهد اعتُبر إشارة لدعم بايدن وهاريس علناً، تفاقم الأمر بعد قرار روبرت تعليق حملته في أغسطس وتأييد ترمب. 

وأثار ذلك موجة من الانتقادات من العائلة، التي وصفت خطوته بأنها “خيانة”، وفي بيان وقعه 5 من أشقائه، جاء فيه: “نحن نؤمن بهاريس ووالز. إن قرار شقيقنا بوبي بتأييد ترمب اليوم يشكل خيانة للقيم التي يعتز بها والدنا وعائلتنا. إنها نهاية حزينة لقصة حزينة”.

وعلى عكس الانقسامات والخلافات العائلية للسياسيين التي لا يهتم بها الناخبين، أو قد لا تُحدث تأثيراً على عقول الناخبين، فإن عائلة كينيدي لها وضع استثنائي، حيث أسرت قلوب وعقول العديد من الأميركيين. 

وأرجع أبرامز ذلك إلى دور العائلة “الملكي” ومكانتها العامة الكبيرة، بدءاً من الرئيس جون إف. كينيدي في ستينيات القرن الماضي، والذي اغتيل أثناء مهام الرئاسة عام 1963، حتى روبرت إف كينيدي جونيور الذي اغتيل عام 1968 بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة.

وجادل آبرامز أن الانتقادات لم يكن لها تأثير كبير في تغيير قناعات أي شخص حتى الآن، موضحاً أن الاستقطاب العاطفي عميق وقوي لدرجة أن هذه القضايا لا تلتصق ولا تسبب مشكلات حقيقية لأي من تذاكر الانتخابات الرئاسية المشتركة، أي أن مواقف الناخبين تجاه القضايا والخلافات العائلية لا تؤدي إلى تغييرات كبيرة في مستوى الدعم لمرشح أو آخر.

“سنلتقي في بيت أمي وأبي”

وحتى في السباقات الأصغر، انقسمت عائلات المرشحين فيما بينهم وخرجت للعلن، مثلما حدث عام 2018 حين نشر 12 من أقارب وأبناء عمومة، المدعي العام الماضي لولاية نيفادا الجمهوري آدم لاكسالت، مقالاً ينتقدونه، حيث أعربوا عن عدم استعدادهم لدعمه في سعيه للحصول على منصب حاكم نيفادا.

وأدى ذلك إلى اتساع رقعة الخلاف وتبادل الاتهامات بين العائلة في وسائل الإعلام، ففي أعقاب نشر المقال، هرع 22 من أفراد عائلته، بما في ذلك والدته، للدفاع عنه، واصفين الـ12 شخص الآخرين بأنهم “ديمقراطيون حزبيون، وكثير منهم غير مسجلين حتى للتصويت في نيفادا”.

وكتب 22 من أقارب لاكسالت في مقال رأي منفصل في صحيفة “رينو جازيت جورنال”: “على عكس أولئك الذين اختاروا مهاجمة آدم، فنحن نعرفه. نحن فخورون بأن نطلق عليه لقب الأخ والابن وابن الأخ وابن العم والصديق. سنكون أكثر فخراً عندما نطلق عليه لقب الحاكم”، لكن لاكسالت خسر الانتخابات. 

ولفت هال إلى أنه في الوقت الحالي، حيث وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل البيئة الاجتماعية والسياسية، فإن التغطية الإعلامية المستمرة التي تركز على العائلات البارزة وآرائها العامة، بما في ذلك الخلافات حول القضايا السياسية والاجتماعية المهمة، تكتسب اهتماماً كبيراً من الجمهور.

ورجح أنه بسبب هذا التركيز الإعلامي المكثف، يمكن أن تؤثر مثل هذه الخلافات العلنية على صورة المرشحين والقرارات الانتخابية لدى الناخبين، قائلاً: “عندما تظهر النزاعات العائلية أو التباينات في وجهات النظر ضمن العائلات المعروفة، فإنها تساهم في تشكيل الرأي العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة أو مرشحين معينين يسعون للمناصب العامة، وقد تؤثر على نتيجة الانتخابات”.

لكن يبدو أن الأمر لا يسير على تلك الطريقة في كل مرة، وعلى عكس لاكسالت، الذي خسر انتخابات 2018، فاز النائب الجمهوري بول جوسار عضو مجلس النواب من ولاية أريزونا في 2018، رغم تفاقم الخلاف بينه وبين أسرته إلى حد أن 6 من إخوته الـ 9 مولوا إعلاناً تلفزيونياً ضدّه، داعيين الناخبين في الدائرة الرابعة بولاية أريزونا لعدم التصويت له، مؤيدين خصمه الديمقراطي.

ورد جوسار على ذلك الفعل من خلال شبكة CNN، واصفاً أشقائه بأنهم “ديمقراطيون ليبراليون يكرهون الرئيس ترمب”. 

وأضاف جوسار: “لا يمكنك اختيار عائلتك. فجميعنا لدينا خالات وأقارب مجانين، وعائلتي ليست استثناءً. وآمل أن يجدوا السلام في قلوبهم، ويتخلصوا من كل الكراهية. وإلى 6 من أعضاء الحزب الديمقراطي الغاضبين، أقول سنلتقي في بيت أمي وأبي”.

ريجان لم ينج

الانقسامات العائلية حول السياسة قديمة، حتى الرئيس الأسبق رونالد ريجان، الذي كان شخصية محورية في الحركة الجمهورية، وأثر بشكل كبير على توجه الحزب، لم يسلم من الانتقادات العائلية.

وانتقد أبناء ريجان والدهم الرئيس علناً وبعض من سياساته المحافظة، لكن ذلك الأمر، وفقاً لإبرامز، لم يفعل الكثير لتغيير آراء الناس حول الرئيس ريجان. 

ولفت إبرامز إلى أنه في العصور السابقة، أبقت العائلات الاختلافات خاصة ومرتبة، قائلاً: “لا يمكنني التفكير في أي حالة كان لها أي تأثير على نتائج الانتخابات”.

ولم تكن انتقادات أفراد العائلات المباشرة للمرشحين في تلك الفترات موضوعاً شائعاً أو علنياً كما هو الحال في بعض الأحيان خلال التاريخ الحديث. كانت الخلافات غالباً سياسية واجتماعية أكثر منها عائلية علنية، لكن ذلك لا يعني أنها لم تكن موجودة تحت السطح. 

وذكر هال أن من بين الأمثلة البارزة على تأثير النزاعات والخلافات الكبيرة بين أفراد الأسر على نتائج الانتخابات وتأثيرها الكبير، كانت خلال حقبتي الحرب الأهلية الأميركية والكساد العظيم. 

في فترة الحرب الأهلية، تحديداً بين عاميْ 1860 و1864، كانت العائلات في الشمال والجنوب تعاني من انقسامات حادة حول المرشحين للرئاسة والمواقف السياسية التي يجب دعمها، حيث أثرت هذه الخلافات بشكل كبير على توجهات الناخبين، وساهمت في تقسيم الرأي العام.

وبالمثل، خلال فترة الكساد العظيم من 1932 إلى 1936، انتشرت النزاعات بين أفراد الأسر حول المرشحين الأفضل لمعالجة الأزمة الاقتصادية والسياسات التي ستخدم مصلحة البلاد. 

وكان لهذه الخلافات تأثيراً واضحاً على الانتخابات الرئاسية، إذ لعبت دوراً كبيراً في تشكيل توجهات الناخبين، خاصةً مع انقسام الآراء داخل العائلات البارزة. وكان الرئيس الأسبق هربرت هوفر، رغم أن عائلته دعمت حملته بشكل عام، فإن هناك سجلات تفيد بأن بعض أفراد عائلته كانوا متأثرين بالأزمة الاقتصادية التي سادت في ذلك الوقت.

وأضاف هال أنه في كلتا الحالتين، يبدو أن هذه النزاعات العائلية، سواء كانت داخلية أو بين الأسر، ساهمت بشكل ملموس في التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، ولعبت أدواراً بارزة في تشكيل مسارها.

من عائلات المرشحين إلى أسر الناخبين

والسياسة التي مزقت عائلات السياسيين، امتدت إلى داخل الأسر الأميركية البسيطة. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الاستقطاب الحزبي، وخاصة في الولايات المتحدة، يؤثر بشكل متزايد على الاختيارات الشخصية للأفراد، كما تظهر أن المواقف السياسية أصبحت جزءاً رئيسياً من هوية الأميركيين. 

ووجدت دراسة، نشرتها مجلة “نيوزويك” في مارس 2023، وشملت أكثر من 6 آلاف  شخص حول العالم أن 81% من المستجيبين في الولايات المتحدة يفضلون عدم الدخول في علاقات جادة مع أشخاص من توجه سياسي مختلف، وهي نسبة أعلى من المتوسط العالمي البالغ 76%.

وأرجع هال الانقسامات بين أفراد العائلة، بسبب السياسة إلى حالة الاستقطاب السياسي الكبير في المجتمع الأميركي، إذ يدعم هذا التفسير بحث أجراه صندوق “كارنيجي للسلام الدولي” في يناير 2022، الذي وجد أن الولايات المتحدة كانت من بين الدول التي تعاني من “مستويات مزمنة ضارة من الاستقطاب”، والتي كانت تحدث منذ عام 2015.

وقال هال إن الاستقطاب الذي يشهده المجتمع الأميركي يرتبط إلى حد كبير بالاختلافات الجيلية والثقافية التي تؤثر على التصورات والآراء السياسية، ومع تزايد حدة الانقسامات داخل الأسر وبين أفراد المجتمع، يعتمد مدى تأثيرها بشكل كبير على الفترة الزمنية التي نشأ فيها الأفراد والخلفيات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تعرضوا لها.

 وأضاف أنه وفي سياق بيئة سياسية واجتماعية شديدة الاستقطاب مثل تلك المرتبطة بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، من المتوقع أن تكون هذه الفروق عوامل مؤثرة للغاية في تشكيل نتائج الانتخابات.

من جانبه، اعتبر إبرامز أن ما نراه اليوم في بعض هذه الأسر السياسية يعكس المشهد الأوسع في الولايات المتحدة، حيث لا يمكن اعتبار العائلات مجرد هياكل أيديولوجية، موضحاً أن الأسر قادرة على عكس مزيج من الآراء والمعتقدات السياسية، وحقيقة أنها تعكس ذلك “تشير إلى شيء إيجابي للغاية، فالناس لا ينسجمون بالضرورة مع الأجيال الأكبر سناً من الأقارب أو الإخوة وأفراد الأسرة الآخرين”. 

ومع ذلك، ذكر أبرامز أن حجم الانقسامات بين أفراد العائلات الأميركية بسبب السياسة محدود جداً، فيما أشار إلى أن أبحاثه تُظهر أن هذه الانقسامات مبالغ فيها في كثير من الأحيان. 

وفي حين أكد أبرامز أن هناك، بالتأكيد، حالات ناضلت فيها الأسر للتوفيق بين الاختلافات السياسية، أو أصبحت معزولة إيديولوجياً، فإنه استدل بالمسح الوطني للحياة الأسرية في الولايات المتحدة الذي يظهر أن عدداً قليلاً نسبياً من الأميركيين توقفوا عن التحدث إلى أفراد الأسرة بسبب القضايا السياسية. 

وأضاف: “أفاد العديد من الأميركيين بأنهم يرحبون بالأشخاص الذين يختلفون معهم سياسياً كضيوف في منازلهم. ويقول أكثر من واحد من كل 10 بنسبة 11%، إنهم قطعوا علاقاتهم مع أحد أفراد الأسرة بسبب أفكارهم السياسية، في حين صرح 88% أنهم لم يتوقفوا عن التحدث إلى الأسرة بسبب السياسة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *