أحدث الخلاف الحاد الذي نشب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإيلون ماسك هزة عنيفة في ديناميكيات السلطة بواشنطن، إذ في حين يهدم الملياردير جسوره مع البيت الأبيض وعالم MAGA (اجعل أميركا عظيمة مجدداً)، يستفيد العديد من منافسيه السياسيين والتجاريين من خلافه العلني.
وبينما قد يستمتع أعداء ماسك بإقالته، قد يستفيد بعض أكبر منافسي ترمب أيضاً، إذ استعرضت صحيفة “ذا هيل” أبرز الرابحين من الحرب العلنية بين أغنى رجل في العالم والرئيس الأميركي.
جيف بيزوس
يمنح انفصال ماسك عن ترمب مؤسس شركة “أمازون” جيف بيزوس فرصة كبيرة لتحسين علاقته المضطربة مع الرئيس ودفع عجلة نمو شركته الفضائية “بلو أوريجين”.
وحتى قبل تحالف ماسك مع ترمب، كان الملياردير وبيزوس في خلاف لسنوات، حيث تنافس المليارديران على الهيمنة على سباق الفضاء في القطاع الخاص.
وكانت شركة “سبيس إكس”، المملوكة لماسك، قد رسخت مكانتها كشركة رائدة في هذا المجال قبل انضمامها إلى ترمب، متجاوزةً “بلو أوريجين” بكثير في إجمالي عمليات الإطلاق، مع تقديم خدماتها لمحطة الفضاء الدولية.
لكن علاقات ماسك المتنامية مع ترمب هددت بتعميق علاقة “سبيس إكس” بالحكومة، وسحب مليارات الدولارات من العقود الفيدرالية من “بلو أوريجين”.
ومع خروج ماسك من دائرة ترمب المقربة، أصبح لدى بيزوس الآن فرصة سانحة للبناء على أشهر من العمل لكسب ود الرئيس.
وقبل انتخابات عام 2024، رفض بيزوس تأييد صحيفة “واشنطن بوست” لنائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس، وهي خطوة سخر منها النقاد باعتبارها ذات مصلحة ذاتية.
وفي مقال رأي لصحيفة “واشنطن بوست”، قال بيزوس إن قراره “اتخذ بناءً على مبادئ تحريرية فحسب”، لكنه أقر بأن إمبراطوريته التجارية أصبحت “معقدة”.
وكانت “أمازون” أيضاً واحدة من العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى التي تبرعت بمليون دولار لحفل تنصيب ترمب، ووقعت صفقة وثائقية مع ميلانيا ترمب بقيمة 40 مليون دولار.
شركة بوينج
يُعدّ خروج ماسك انتصاراً آخر لشركة “بوينج” بعد أشهر من التقدم المُحرز بعد سلسلة من الفضائح وثغرات السلامة.
وفي الوقت الذي واجهت فيه “بوينج” تحقيقات فيدرالية في بروتوكولات السلامة الخاصة بالطائرات التجارية، عانت أيضاً من انتكاسة مُحرجة في جهودها المتعلقة بالمركبات الفضائية خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
حيث أمضى رائدا الفضاء بوتش ويلمور وسوني ويليامز أشهراً عالقين في محطة الفضاء الدولية، بعد انطلاقهما من الأرض على متن مركبة “ستارلاينر” التابعة إلى “بوينج” في يونيو 2024، إذ تحوّلت المهمة التي كان من المفترض أن تستغرق أسبوعاً إلى محنة استمرت 9 أشهر، حيث تسببت العديد من مشاكل صيانة “ستارلاينر” في تأخير عودتهما إلى الأرض.
ورفض بايدن آنذاك عرض ماسك بإعادة ويلمور وويليامز إلى الوطن مع مركبة “سبيس إكس دراجون”، وذلك في خضمّ خلافها مع الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا، إذ عقدت إدارة بايدن قمة للسيارات الكهربائية، لكنها تجاهلت ماسك، ما دفع الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا” إلى اتخاذ مسار مؤيد نحو ترمب.
وهدّد ماسك، الخميس، بإيقاف مركبة “دراجون” في ظلّ تهديدات ترمب بإلغاء العقود الفيدرالية لشركة “سبيس إكس”، والتي كانت ستُضعف برنامج الفضاء الأميركي، وبينما تراجع ماسك عن هذا التهديد، فإنّ خلافه مع ترمب يمنح “بوينج” فرصةً للمضيّ قُدماً في أعقاب حادثة “ستارلاينر”.
سام ألتمان وOpenAI
وقبل هذا الأسبوع، ربما كان أبرز خلاف بين ماسك وأحد حلفائه هو مع الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان.
وخاض ماسك، أحد مؤسسي شركة الذكاء الاصطناعي غير الربحية التي تقف وراء تطبيق ChatGPT، معركة قضائية ضد ألتمان على الإنترنت بسبب قيادته للشركة.
وانتقد ألتمان باستمرار خططه الرامية إلى تحويل OpenAI إلى شركة ربحية، وهي خطط أُلغيت منذ ذلك الحين، ورفع دعوى قضائية ضد الشركة بتهمة “الإخلال بالتزاماتها”.
كما أطلق ماسك شركة xAI، وهي واحدة من عدة شركات منافسة لـ OpenAI، ودمج روبوت الدردشة Grok في منصة X، منصة التواصل الاجتماعي التي يملكها أيضاً.
ومع ذلك، تجاهل ترمب ازدراء ماسك لألتمان وجعل OpenAI لاعباً رئيسياً في مشروع Stargate، الهادف إلى بناء مراكز بيانات وطاقة للذكاء الاصطناعي.
وأُجبر ماسك على قبول شراكة ترمب مع ألتمان، وتجاهل الرئيس اعتراض مستشاره على OpenAI عند الترويج لمزايا الصفقة. وقال ترمب في يناير، عندما سُئل عما إذا كان انتقاد ماسك يُزعجه: “لا، ليس كذلك.. إنه يكره أحد الأشخاص في الصفقة”.
ومع خروج منافس ألتمان اللدود من البيت الأبيض، أصبح الطريق ممهداً لدور أكبر في جهود ترمب لتعزيز الذكاء الاصطناعي.
تحالف ترمب المناهض للهجرة
وفي حين شارك ماسك ترمب دعمه لتشديد أمن الحدود، إلا أنه أمضى فترة عمله مع الرئيس على خلاف مع بعض أقرب مستشاريه وكبار قادة حركة “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً” MAGA.
وحتى قبل تولي ترمب منصبه، اندلعت حرب حول تأشيرات H-1B بين ماسك وعدد من حلفاء ترمب الذين يعارضون بشدة استقطاب المهاجرين ويدعمون القيود الصارمة على الهجرة.
واصطدم ماسك مع ستيف بانون، الخبير الاستراتيجي السابق لترمب، والناشطة اليمينية لورا لومر بشأن برنامج H-1B.
وكتب ماسك، الذي ورد أنه حصل سابقاً على تأشيرة H-1B، في أحد منشوراته عبر منصته “إكس”، مدافعاً عن التأشيرات: “سأخوض حرباً بشأن هذه القضية التي لا يمكن أن تفهموها”.
وفي حين قال ماسك إن تأشيرات H-1B “ضرورية للتنافسية الأميركية”، اتهم بانون ولومر المليادرير ماسك بدعم “عملية احتيال” من شأنها تقويض برنامج ترمب “أميركا أولاً”.
كما اصطدم ماسك مع ستيفن ميلر، أحد كبار مستشاري ترمب في السياسة بالبيت الأبيض، ومهندس معظم أجندة الرئيس لتقييد الهجرة.
في الأيام الأخيرة، كان ميلر في طليعة المدافعين عن مشروع قانون ترمب لخفض الضرائب والإنفاق، السبب الذي أدى إلى اندلاع الخلاف بين ماسك وترمب.
وقال ميلر، الخميس، عبر حسابه في منصة “إكس”: “مشروع قانون المصالحة يخفض الضرائب، ويغلق الحدود، ويُصلح نظام الرعاية الاجتماعية. إنه ليس مشروع قانون إنفاق. إنه أجندة الحملة المُقننة”، في هجوم واضح على ماسك، إن لم يكن بالاسم.
وذهب بانون إلى أبعد من ذلك، حيث حثّ ترمب على الاستيلاء على شركة “سبيس إكس” وترحيل ماسك، وهو من مواليد جنوب إفريقيا، مشيراً إلى مزاعم بـ”انقضاء وضعه القانوني في البلاد”.
الحزب الديمقراطي
وشهد الديمقراطيون بدايةً بائسة لعام 2025، لكن الخلاف بين ماسك وترمب يُعدّ بلا شك خبراً ساراً في الوقت الحالي.
ومنحت المعركة الإلكترونية الفوضوية بين ترمب وماسك، الديمقراطيين بعض الراحة، بعد أشهر من المحاولات الفاشلة لعرقلة أجندة الرئيس، وتبادل الاتهامات بشأن انتخابات 2024، والانقسامات حول مستقبلهم، وغياب قيادة واضحة، ما أدى إلى تراجع شعبيتهم بشكل غير مسبوق.
وسعى ترمب، الحريص على تهدئة الأمور، الجمعة، إلى تهدئة الخلاف مع ماسك، لكن أحد مساعديه في البيت الأبيض خلال ولايته الأولى قال إن “عزلة ماسك قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات في الحزب الجمهوري، ما قد يمنح الديمقراطيين متنفساً، بعد فترة صعبة استمرت 6 أشهر”.
وأضاف المساعد السابق في البيت الأبيض: “نعتقد أننا شهدنا جموداً تشريعياً حقيقياً، لكن مع إحياء قوة كتلة الحرية وزخمها، لا أعتقد أننا شهدنا شيئاً بعد.. ففي وقتٍ يحتاج فيه الجمهوريون إلى التوحد أكثر من أي وقت مضى، قد يتسارع إيقاع أخطر فصيل رأيته، وقد تجد قيادة الكونجرس قريباً أن سيطرتها أقل من أي وقت مضى”.
وكان الديمقراطيون يعتمدون بالفعل على أن يكون ماسك عبئاً انتخابياً في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، على الرغم من حذرهم من استغلال أمواله في السباق، وإذا نفذ ماسك تهديداته بمعاقبة الجمهوريين الذين صوتوا لصالح مشروع قانون ترمب، فإن هذا الانقسام في الساحة قد يعزز موقف الديمقراطيين أكثر.