خطيب بدلة
السنة السورية التي مضت، ليست ككل السنوات. سوريا تحررت من الاستبداد، من حقبة قامت، واستمرت خمسة عقود من الزمن، بالقمع، والقتل، والنهب، والكذب، والخطابات، والعدوان على وجود المواطنين السوريين، وحرياتهم، وكراماتهم.
أجل، وبغض النظر عن الظروف، والملابسات، والتغيرات، واختلال التوازنات الدولية، التي أدت إلى زوال تلك الحقبة المريرة، إلا أنها زالت، بالفعل، ليجد السوريون، أمامهم، في متناول أيديهم، ولأول مرة، فرصة تاريخية لإقامة دولة، مختلفة في طبيعتها، وتركيبتها، وتوجهاتها، عن دولة الأسد.. ولكن، السؤال الكبير، المُلح، الآن، هو: هل هذا التغيير الإيجابي الكبير ممكن؟ هل سارع السوريون، منذ لحظة 8 من كانون الأول 2024، لإقامة الدولة المغايرة؟
لم يحصل هذا، مع الأسف، ولم يذهب السوريون، مع الأسف مرة ثانية، في هذا الاتجاه، ربما لأن حرب السنوات الـ14، أنهكتهم، واستنزفت حياتهم، وأسالت دماء أبنائهم، وهدمت قسمًا كبيرًا من مبانيهم، وخربت بنى مدنهم التحتية، فجلسوا ينتظرون، ويتفرجون على ما تفعله القوى العظمى المتدخلة في شؤون بلادهم، فالقرار، مع الأسف مرة ثالثة، ليس قرارهم، والأخطر من هذا كله، أن كلمتهم لم تكن مسموعة خلال حقبة الأسد، وليست مسموعة الآن، وأصحاب الذاكرة القوية، يعرفون أن اجتماعات أستانة، وسوتشي، كان يحضرها، ويتفاوض، خلالها، الروس مع الإيرانيين والأتراك، ومجلس الأمن أصدر القرار 2254، سنة 2015، الذي نص على أن الحل يجب أن يكون سوريًا، يصنعه السوريون، ولكن القرار بقي معلقًا في الفراغ، فالنظام مضى في حلوله الأمنية، رافضًا أي نوع من الإصلاح، أو التشاركية، والمعارضون تابعوا طريقهم على هدي شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، ولم يكن هناك توضيح لذلك الشعار، أو إجابة عن سلسلة من الأسئلة الضرورية، من قبيل: لماذا تريدون أن تسقطوا النظام؟ وما نوع النظام الذي تريدون إقامته مكانه؟
وبقي الصراع، بين الحالتين المتصلبتين سجالًا، طيلة هاتيك السنين، حتى يوم 7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث انطلقت حرب شديدة الضخامة، اشتركت فيها إسرائيل مع أمريكا، وبقية الدول التي تدعمهما، على الوجود الإيراني في المنطقة، وبشكل غير معلن، على الوجود الروسي، فقد كانت أمريكا ودول أوروبا كلها تحارب الروس بالوكالة، في أوكرانيا. ومع اللمسات الأخيرة للخروج الإيراني المهزوم من المنطقة، جرى ترتيب الخروج الآمن لبشار الأسد، وطغمته، وتسليم البلاد لـ”هيئة تحرير الشام”، وكان هذا الأمر، في اعتقادي، مقصودًا، باعتبار أن هذه القوات، تتمتع بالعصبية “السنية”، بينما كان المشروع الإيراني يتسلح بالعصبية “الشيعية”.
الفرحة بانتهاء حقبة الأسد، لدى القسم الأكبر من السوريين، لم يكن يشبهها سوى فرحة معظم العراقيين، بانتهاء حقبة صدام حسين سنة 2003، ولكن، ومن شدة فرح السوريين، يومئذ، لم يتوقفوا عند الطبيعة الطائفية للسلطة الجديدة، وما يمكن أن تجره، هذه الطائفية، عليهم من ويلات، وصدقوا، واقتنعوا، بأنها ستتغير، وتواكب العصر الحديث، وتقيم علاقات ودية مع المحيط القريب، والمحيط البعيد.. ولكن، النزعة الطائفية منعت، وما زالت تمنع حدوث هذه التغيرات، وأنا، محسوبكم، أرى، وأحذر من أنها، إذا لم تنحسر، ستحقق التقدم، ولكن إلى الخلف!
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي
