– رغد عثمان

عام 2013، سيطرت “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السابق، على حي الخليج في داريا، وعملت على تهجير أهله قسرًا، وسرقة منازلهم وتهديمها انتقامًا منهم بسبب مواقفهم المؤيدة للثورة، وخوفًا من الهجوم على مطار “المزة” العسكري، حسب قول أهالِ من الحي قابلتهم.

يسعى سكان الحي لاستعادة حقوقهم وملكياتهم أو الحصول على تعويضات، خصوصًا مع تصريحات للبلدية كشفت عن النية بتثبيت الملكيات للأهالي، مع غموض في آليات التعويض.

يُعرف حي الخليج في مدينة داريا بمنازله الواسعة، وبساتينه وأشجاره، التي تمتد من حدود مطار “المزة” العسكري وصولًا إلى مدخل داريا، وتصل حتى تخوم منطقة المزة، وبلغ عدد منازله ما يقارب 1000 منزل، وكان يقطنه قرابة 40,000 ألف نسمة.

سكان “الخليج” ما بعد التهجير

قال جمال حبيب، وهو موظف حكومي سابق، ل، “إن البيوت في تلك المنطقة كانت أشبه بالجنة من الداخل”، مشيرًا إلى أن منزله كان بمساحة 170 مترًا مربعًا ويتألف من طابقين، لكن النظام السابق قام بتهديم المنزل فوق أثاثه، ما اضطره لاستئجار منزل في منطقة أخرى وتحمل أعباء معيشية إضافية.

جمال وصف خطوة تثبيت الملكية التي أعلن عنها مجلس داريا سابقًا في بيان على صفحته في “فيسبوك”، بأنها إيجابية وتبعث الأمل في إعادة الحقوق إلى أصحابها.

وبخصوص آلية تثبيت ملكية أرض منزله المهدم، أوضح جمال أنه يمتلك وكالة بقرار حكم، وقبل سقوط النظام قام بتثبيت ملكية منزله بعد العثور على الأوراق في المحكمة، وعيّن محاميًا لمتابعة الإجراءات، ومؤخرًا، تواصلت معه البلدية وطلبت منه مراجعتها وتقديم أوراق الملكية، كالوكالة وصورة عن الهوية.

“أريد منزلًا عوضًا عن منزلي الذي تهدم، وأن يأخذ كل شخص حقه بإنصاف، هذا كل ما أطلبه اليوم لا أكثر”، قال محمد قدور، وهو من سكان حي الخليج في داريا منذ عام 1996.

هُجر الخمسيني محمد من منزله بعد هدمه عام 2013، ما اضطره للانتقال واستئجار منزل في منطقة الكسوة، وتحمل أعباء الإيجارات لسنوات، وذكر أن مساحة منزله سابقًا كانت 150 مترًا مربعًا.

قال محمد، إن أوراق ملكية منزله غير متوفرة، نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة في المنطقة، وإنه لم يتمكن من تقديم أي إثبات رسمي، لكنه توجه إلى بلدية داريا وسجل اسمه هناك، وبحسب ما ذكره، ل، فقد سمع من أشخاص لديهم وضع مشابه لحالته، حول معالجة موضوع إثبات الملكية للأشخاص الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية لاحقًا، عن طريق شهادة عدد من الجيران الذين كانوا يعرفونهم في الحي نفسه.

“عندما هُجرنا من منزلنا، تركنا كل أوراقنا الثبوتية، من دفتر العائلة إلى دفتر الجيش، لم نأخذ أي شيء معنا”، قال عيد حبيب، أحد أبناء الحي، وأضاف أن ما يملكه الآن هو فقط صورعن الوكالة، أما النسخة الأصلية من الأوراق فبقيت في منزله الذي تم تفجيره منذ عدة سنوات والذي تبلغ مساحة 185 مترًا.

وأضاف أن هذه المشكلة تواجه العديد من المواطنين من سكان حي الخليج في تثبيت الملكية، لأن سجل الوكالات تم حرقه في داريا، ومع ذلك، تسلمت البلدية صورة الوكالة وأبلغته أنها ستقوم بمعالجة الأمر، وعند سؤالنا عن كيفية تعويضه عن أرضه، قال عيد ل، “أخبرتنا البلدية أنها لا تعرف شيئًا عن آلية التعويض، وأن الخطوة الحالية تُعد فقط بمثابة استبيان ملكيات لا أكثر”.

ونوه عيد إلى أن هناك بعض الأشخاص الذين يعملون لمصلحة تجار، ويحاولون شراء حصص من أراضي المنطقة بسعر 12,000,000 ليرة سورية للقصبة الواحدة (تعادل 24 مترًا مربعًا)، إلا أن أعداد البائعين قليلة، لأن الأهالي باتوا مدركين تمامًا لأهمية الموقع الاستراتيجي للمنطقة، وموقعها القريب من العاصمة دمشق.

وجهة نظر قانونية

قال المحامي عدنان خولاني، ل، إن عددًا كبيرًا من مالكي الأراضي في حي الخليج بداريا الشرقية، وتحديدًا في العقار رقم “3033” الذي تبلغ مساحته 94,222 مترًا مربعًا، يواجهون صعوبات قانونية في إثبات ملكياتهم، نتيجة فقدان الوثائق الرسمية والوكالات العدلية التي نُظّمت لدى الكاتب العدل في داريا.

وبيّن خولاني أن هذه الوثائق تعرّضت للاحتراق خلال فترة سابقة، في ظروف يُرجّح أنها كانت مقصودة من قبل النظام السابق، بهدف طمس الحقوق العقارية في المنطقة، ووفقًا لخولاني، فإن الأهالي كانوا قد تقدموا في عهد الحكومة السابقة بعدة طلبات رسمية لتشكيل لجان مختصة للنظر في أوضاع الملكية، إلا أن تلك الطلبات لم تُقابل بأي إجراء فعلي.

وأضاف أن هناك تعقيدات حاليًا تعترض هذا الملف، من بينها تعدد عمليات البيع مع مرور السنوات، ووفاة عدد من المالكين الأصليين، ما يصعّب حصر الحقوق وتسلسل الملكية.

وعن كيفية تعويض المتضررين من أهالي المنطقة، أوضح المحامي خولاني أنها تتضمن دراسة آليات تثبيت الملكيات الحالية باعتبارها الخطوة الأهم، واعتماد بدائل تعويضية تقرها البلدية في حال كان هناك مشروع تنظيمي أو تدخل من قبل الجهات المعنية بالشأن الإغاثي والإنساني.

وقفة احتجاجية لتعويض عادل

في 24 من كانون الثاني الماضي، نظم المتضررون من أهالي حي الخليج وقفة احتجاجية للمطالبة بإعادة الأراضي لأصحابها، وتبيان مصير المنطقة المجهول، ووقّعوا عريضة تم رفعها إلى محافظ ريف دمشق، وبلغ عدد الموقعين عليها نحو 1000 شخص.

مطالب الأهالي، بحسب ما ذكره بعضهم ل، تتلخص في إعادة الأراضي لأصحابها ليتسنى لهم إعمارها، أو تعويضهم بشكل عادل، مع ضرورة الإسراع في موضوع التنظيم وإعادة الإعمار، خاصة أن أغلب سكان المنطقة من الفقراء، وقد أنهكهم موضوع الإيجارات، إذ وصل إيجار البيت إلى 2,000,000 ليرة سورية إن وُجد أصلًا.

وعن استجابة المحافظة لتلك المطالب، قال عيد حبيب، إن طلب إعادة الأراضي لأصحابها ليقوموا بإعمارها قوبل بالرفض، بحجة أن المنطقة ستدخل في المخطط التنظيمي، وأضاف أن محافظ ريف دمشق زار المنطقة بعد الوقفة الاحتجاجية واطّلع على واقعها، وأن الموضوع تتم متابعته حاليًا من قبل الإدارة المدنية بداريا.

توضيح رسمي

أشار رئيس مجلس بلدية داريا، المهندس محمد جعنينة، إلى أن محافظة ريف دمشق أعلنت، في 9 من نيسان الماضي، عن فتح باب التقدّم بطلبات لتثبيت الملكيات في مدينة داريا.

وأضاف أن الإعلان يشمل الأراضي المستملكة أو المدرجة كمناطق خدمات أو ذات صفة خاصة ضمن مخططات داريا، ويُشترط إرفاق الطلبات بالوثائق اللازمة لدراستها، مع التأكيد على منح الحقوق لأصحابها المستحقين وفق القوانين والأنظمة المعتمدة.

وأوضح جعنينة، ل، أنه بخصوص معالجة أوضاع الأشخاص الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية خلال سنوات الحرب، شُكّلت لجنة خاصة في داريا من قبل الإدارة المدنية وبلدية المدينة، تضم محامين وقضاة ومهندسين وعلماء دين ووجهاء من المنطقة، تعمل على دراسة الطلبات المقدّمة من أصحاب الأراضي في حي الخليج، والتحقق من الملكيات ميدانيًا وفق الوضع القائم قبل عام 2011.

تُعتبر أراضي حي الخليج ملكيات خاصة، كانت تضم منازل مأهولة بالسكان قبل الحرب، بحسب رئيس مجلس داريا، مضيفًا أن الحقوق لا تزال محفوظة لأصحابها الأصليين، ويجري في هذه المرحلة تثبيت الملكيات سواء أكانت مستندة إلى وثائق رسمية مثل الوكالات والعقود، أو حتى في حال عدم وجود أوراق، حيث يتم تسجيل أسماء المالكين مؤقتًا إلى حين انتهاء فترة استقبال الطلبات.

وعقب هذه المرحلة، تُشكّل لجنة مشتركة من الإدارة المحلية والبلدية وممثلين عن المجتمع المحلي، تتولى دراسة الملفات المقدّمة ومعالجتها سواء أكانت موثّقة أم لا، ومدة دراسة الملفات وتثبيت الحقوق لا تقل عن سنة، وفق جعنينة.

وتأتي هذه الخطوة في إطار رؤية تنظيمية مشابهة للمرسوم “66”، المُطبّق في مشروعي “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” بدمشق، بحسب ما ذكره المهندس جعنينة، إذ تُحوّل هذه الملكيات إلى أسهم تمنح أصحابها حقوقًا في البناء أو الحصول على شقق ضمن المشاريع، إلا أن الأولوية حاليًا في داريا تتركّز على تثبيت الملكيات، على أن تُطرح مراحل التخطيط والتنفيذ لاحقًا.

وأضاف أنه حتى الآن، بلغ عدد الطلبات المقدّمة لتثبيت الملكيات في حي الخليج نحو 500 طلب.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.