أظهرت دراسة تحليلية شاملة أن المحتوى الذي يتم إنتاجه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي تجاوز للمرة الأولى المحتوى الذي يكتبه البشر على الإنترنت، من حيث الكمية المنشورة، مشيرة إلى أن هذه النسبة استقرت منذ مايو 2024 دون نمو يُذكر.

وبحسب الدراسة التي أجْرتها شركة Graphite المتخصصة في تحسين محركات البحث، فإنه بحلول نوفمبر 2024، تجاوز عدد المقالات المكتوبة بالذكاء الاصطناعي عدد المقالات التي كتبها البشر والمنشورة على الإنترنت.

منذ إطلاق ChatGPT في نوفمبر 2022، اتجه عدد متزايد من الشركات والمؤسسات إلى استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة مثل ChatGPT، وClaude، وGemini، لإنتاج محتوى رقمي عبر قنوات متعددة مثل محركات البحث، ومنصات التواصل الاجتماعي، والإعلانات الرقمية، وذلك كبديل منخفض التكلفة عن توظيف كتاب محتوى من البشر.

وأكدت الدراسة أن جودة المحتوى الذي تنتجه هذه النماذج باتت تنافس المحتوى البشري، وفي كثير من الحالات تتفوق عليه، وفقاً لنتائج دراسة أجراها معهد MIT.

 كما بيّنت نتائج دراسة أخرى لـOriginality AI أن الجمهور غالباً لا يتمكن من تمييز ما إذا كان المحتوى من إنتاج بشري أم ذكاء اصطناعي.

نمو متسارع

وأشارت بيانات الدراسة إلى أن نسبة المحتوى المنشأ بالذكاء الاصطناعي ارتفعت بسرعة منذ نهاية عام 2022، لتصل إلى نحو 39% من إجمالي المقالات المنشورة على الإنترنت بحلول نوفمبر 2023، وبعد مرور 12 شهراً فقط، في نوفمبر 2024، تجاوز عدد المقالات الآلية نظيرتها البشرية لأول مرة.

غير أن هذه الزيادة السريعة لم تستمر، إذ تظهر بيانات الأشهر اللاحقة استقراراً في النسبة، مع تسجيل تذبذب طفيف، لتستقر عند نحو 52% من إجمالي المحتوى المنشور حتى مايو 2025.

ورجّح الباحثون أن يكون سبب التباطؤ هو انخفاض أداء هذا النوع من المحتوى في محركات البحث، ما أدى إلى تراجع الحافز لاستخدامه من قِبَل الناشرين.

ورغم الانتشار الواسع للمحتوى المكتوب بالذكاء الاصطناعي، أظهرت دراسة منفصلة أن أغلب هذه المقالات لا تظهر في نتائج محرك البحث “جوجل” أو في إجابات نماذج للذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، ويُرجّح أنها لا تحظى بمشاهدات كبيرة من المستخدمين، إذ تبيَّن أن 86% من المقالات الظاهرة في نتائج جوجل كتبها بشر، مقابل 14% فقط من إنتاج آلي.

كما أن الدراسة لم تُقيّم ما إذا كان المستخدمون يتفاعلون مع المقالات الآلية بنفس قدر تفاعلهم مع المقالات البشرية، فإن الباحثين رجحوا أن يكون الإقبال عليها أقل بكثير.

منهجية دقيقة 

اعتمدت الدراسة على بيانات Common Crawl، وهي قاعدة بيانات ضخمة تحوي أرشيفاً واسعاً من صفحات الإنترنت المتاحة للعامة، وتُستخدم على نطاق واسع في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

وللحصول على عينة تمثيلية، اختار الباحثون 65 ألف رابط URL عشوائي، بشرط أن تكون الصفحات باللغة الإنجليزية، ويبلغ حجمها أكثر من 100 كلمة، وأن تكون منشورة بين يناير 2020 ومايو 2025، وأن تُصنّف كمقالة أو قائمة (Listicle) وفقاً لتصنيف Graphite للمحتوى.

ولكشف المحتوى المنشأ بالذكاء الاصطناعي بدقة، استخدم الباحثون خوارزمية SurferSEO، التي تقوم بتقسيم كل مقال إلى كتل من 500 كلمة، وتحليل كل منها على حدة. وإذا تبين أن أكثر من 50% من محتوى المقال كُتب بواسطة الذكاء الاصطناعي، يُصنّف المقال كـ”آلي”.

مقالات رمادية

ولتحديد معدل الخطأ الإيجابي (أي تصنيف مقالات بشرية على أنها آلية)، تم تحليل 15 ألفاً و894 مقالاً نُشرت بين يناير 2020 ونوفمبر من العام ذاته، قبل انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، وأظهرت النتائج أن 4.2% فقط من المقالات البشرية صُنفت خطأً كمقالات آلية.

أما لتقييم معدل الخطأ السلبي (أي فشل الخوارزمية في رصد المقالات المنتجة آلياً)، فقد تم توليد 6009 مقالات باستخدام نموذج GPT-4o في مواضيع متعددة، ونجحت خوارزمية Surfer في تصنيف 99.4% منها بشكل صحيح كمقالات آلية، ما يعني أن نسبة الخطأ لم تتجاوز 0.6%.

ونبّهت الدراسة إلى أن هناك نوعاً ثالثاً من المحتوى يصعب تصنيفه، يتمثل في المقالات التي يبدأ كتابها بصياغة مسودات باستخدام الذكاء الاصطناعي، ثم يقومون بتحريرها أو تعديلها لاحقاً.

كما لم تشمل الدراسة هذا النوع من المحتوى الهجين، ما يعني أن النسبة الحقيقية للمقالات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي قد تكون أعلى مما تم الكشف عنه.

ونوّه الباحثون إلى أن خوارزمية SurferSEO قد لا تكون فعّالة بالدقة نفسها عند تحليل محتوى منتَج بواسطة نماذج مختلفة عن GPT-4o، ما يفتح المجال لتفاوت في نتائج الكشف. كما أن التطور المستمر في قدرات الذكاء الاصطناعي قد يجعل من الصعب مستقبلاً التمييز بين المحتوى البشري والآلي.

وفي تعليق لموقع “أكسيوس”، قال ستيفانو سواتو، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة UCLA ونائب رئيس Amazon Web Services، إن العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة لم تعد تقوم على التنافس، بل تحوّلت إلى نوع من التعايش.

وأضاف سواتو أن “في هذه المرحلة، لم يعد الأمر انقساماً بين طرفين، بل شراكة تكاملية”.

شاركها.