كشفت دراسة حديثة أن الأطفال الذين يتعرضون فترات طويلة لاستخدام الشاشات في مرحلة الرضاعة يواجهون تباطؤاً في اتخاذ القرارات لاحقاً، إضافة إلى زيادة احتمال ظهور أعراض القلق في سنوات المراهقة.
وأظهرت الدراسة التي أجراها باحثون من سنغافورة، تابعوا مجموعة من 168 طفلاً على مدى أكثر من عقد، أن الأطفال الذين تعرضوا للشاشات قبل بلوغ عامين أظهروا نضجاً متسارعاً في شبكات الدماغ المسؤولة عن المعالجة البصرية والتحكم المعرفي، وفق موقع The Register.
ورجّح الباحثون أن هذا النضج المتسارع في شبكات الدماغ يرتبط ببطء اتخاذ القرار في مرحلة الطفولة، ثم بزيادة مستويات القلق في المراهقة.
صحة الطفل والتعرض للشاشات
وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة The Lancet، هوانج باي: “في مسار النمو الطبيعي، تصبح شبكات الدماغ أكثر تخصصاً تدريجياً مع مرور الوقت، غير أن الأطفال الذين تعرّضوا للشاشات بشكل مكثف، شهدوا تخصصاً أسرع في الشبكات المسؤولة عن الرؤية والإدراك، قبل اكتمال تطور الروابط الكفؤة اللازمة للتفكير المعقد”.
وأضافت هوانج أن النتيجة هي انخفاض مرونة الدماغ والقدرة النفسية على التكيّف، ما يجعل الأطفال أقل قابلية للتأقلم في مراحل لاحقة من الحياة، وهو ما انعكس في ارتفاع درجات القلق لدى أطفال العينة الذين أمضوا وقتاً أطول أمام الشاشات قبل سن الثانية.
وتهدف الدرسة إلى سد فجوة بحثية تتعلق بفهم العلاقة بين التعرض المبكر للشاشات، وتطور الدماغ، والنتائج السلوكية.
واستُمدت العينة من دراسة أوسع بعنوان “النشأة في سنغافورة نحو نتائج صحية” (GUSTO)، التي تتابع أكثر من 1400 زوج من الأمهات والأطفال منذ عام 2009.
وجرى قياس التعرض للشاشات في مرحلة الرضاعة من خلال تقارير ذاتية قدمها الآباء، فيما أُجريت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة الأطفال في أعمار 4.5 و6 و7.5 سنوات لرصد التغيرات الفسيولوجية عبر العينة.
كما خضع الأطفال لاختبارات معرفية في سن 8.5 سنوات لقياس سلوك اتخاذ القرار، وقاموا بتعبئة استبيانات لتقييم القلق في سن 13 عاماً.
وأظهرت النتائج كذلك أن وقت الشاشة في مرحلة الرضاعة ارتبط بشكل ملحوظ بتسارع نضج شبكة التحكم البصري–المعرفي في الدماغ. كما أن الأطفال الذين أظهروا هذا النضج المتسارع استغرقوا وقتاً أطول لاتخاذ القرار في مهام معرفية خلال الطفولة، ثم سجلوا مستويات أعلى من أعراض القلق في سن المراهقة.
تحذير للصحة العامة
ووصف الباحثون نتائج دراستهم بأنها بالغة الأهمية للصحة العامة، ووفقاً للورقة البحثية، بلغ متوسط وقت الشاشة اليومي لدى الرضع في العينة “أكثر من ساعة إلى ساعتين يومياً”.
وأشار الباحثون إلى أن منظمة الصحة العالمية توصي بعدم جلوس الأطفال بعمر عام واحد أمام الشاشات، وألا تتجاوز ساعة واحدة يومياً للأطفال بعمر سنتين، مع التأكيد على أن “الأقل هو الأفضل”.
وأوضح الباحثون أن “مستويات استخدام الشاشات في مرحلة الرضاعة التي رُصدت في عينة البحث مقلقة، سواء من حيث حجمها أو لانحرافها الواضح عن توصيات المنظمة الأممية”.
وأضاف الباحثون أن بيانات وقت الشاشة، التي جُمعت بين عامي 2010 و2014، يُرجّح أنها أقل من المستويات الحالية، مشيرين إلى زيادات عالمية لاحقة، لا سيما خلال جائحة فيروس كورونا، ما يجعل التداعيات التنموية لهذه النتائج أكثر إلحاحاً.
وكان الفريق البحثي نفسه قد نشر العام الماضي دراسة أخرى باستخدام بيانات GUSTO تناولت العلاقة بين وقت الشاشة في مرحلة الرضاعة والتطور الاجتماعي–العاطفي، وخلصت إلى أن القدرة على تنظيم العواطف كانت أضعف لدى الأطفال الذين يتعرضون للشاشات بشكل مكثف.
القراءة هي الحل
فماذا يفعل الوالدان الجدد أمام تصاعد وقت الشاشات لدى البالغين والأطفال والرضع، وتعدد الأبحاث التي تشير إلى ضررها على الدماغ؟ الحل: ضع الهاتف الذكي جانباً، وخبّئ الآيباد، واختر كتاباً جيداً بالطريقة القديمة.
وأشارت النتائج إلى أن الأطفال الذين كان آباؤهم يقرؤون لهم بانتظام في سن الثالثة أظهروا ارتباطاً أضعف بين وقت الشاشة والتغيرات في نمو الدماغ، ما يدل على أن التفاعل النشط والإثراء المعرفي الناتج عن القراءة وطرح الأسئلة يسهمان في تحسين تنظيم العواطف والمهارات اللغوية، ويدعمان نمو الدماغ بوتيرة صحية ومتوازنة عبر مجالات معرفية متعددة.
من جانبها، قالت المؤلفة الرئيسية المشاركة في الدراسة، تان آي بينج: “يمنحنا هذا البحث تفسيراً بيولوجياً لسبب أهمية الحد من وقت الشاشة خلال العامين الأولين. لكنه يسلط الضوء أيضاً على أهمية مشاركة الوالدين، ويُظهر أن أنشطة الوالد والطفل، مثل القراءة معاً، يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً”.
توفّر هذه الأبحاث تفسيراً بيولوجياً لأهمية الحد من وقت الشاشة خلال أول عامين من العمر، كما تبرز الدور الحاسم لانخراط الوالدين، وتبيّن أن أنشطة بسيطة مثل القراءة المشتركة يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً”.
بعبارة أخرى، فإن تقليص وقت الشاشات وتعزيز القراءة والتفاعل الأسري يظل خياراً أكثر فاعلية لنمو دماغي صحي، في مقابل الاعتماد على الأجهزة الرقمية كبديل عن الرعاية المباشرة.
