توصلت دراسة حديثة إلى أن عشرات الآلاف من الزلازل التي هزت جزيرة سانتوريني في اليونان ومحيطها، مطلع العام الجاري، لم تكن مجرد نشاط تكتوني عابر، بل نتيجة تحرك كتل هائلة من الصهارة في أعماق القشرة الأرضية.

والصهارة هي مادة طبيعية منصهرة أو شبه منصهرة توجد تحت سطح الأرض، ويطلق عليها الحمم المنصهرة، أو الحمم البركانية. 

وأعادت الدراسة التي نشرتها دورية Nature، بناء تطور الأزمة الزلزالية بدقة غير مسبوقة باستخدام بيانات محطات رصد برية وأخرى تحت البحر، مدعومة بطريقة جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي.

تقع سانتوريني في قلب القوس البركاني الهيليني بالبحر المتوسط الشرقي، وهي منطقة معروفة بنشاطها الزلزالي والبركاني المتكرر منذ آلاف السنين، وتشكلت الجزيرة الشهيرة قبل نحو 3600 عام إثر ثوران ضخم، بينما شهدت المنطقة زلازل قوية وتسونامي في الخمسينيات.

ويقع قرب الجزيرة بركان كولومبو البحري النشط، في منطقة تتقاطع فيها صدوع جيولوجية معقدة ناتجة عن دفع الصفيحة الإفريقية نحو الشمال الشرقي مقابل الصفيحة الهيلينية.

والصفيحة الهيلينية هي إحدى أكثر الصفائح التكتونية نشاطاً في البحر المتوسط، وهي نتاج حركة معقدة بين الصفيحة الإفريقية التي تنزلق باتجاه الشمال الشرقي والصفيحة الأوراسية.

تقع الصفيحة في جنوب اليونان وتمتد عبر بحر إيجه، وتشمل مناطق بركانية وزلزالية نشطة مثل سانتوريني وكريت. 

ومع استمرار دفع الصفيحة الإفريقية، تنغرز أجزاء منها تحت الصفيحة الهيلينية في عملية يطلق عليها “الاندساس” ما يؤدي إلى ذوبان الصخور في الأعماق وتغذية القوس البركاني الهيليني وتولد هذه الحركة التكتونية زلازل قوية وانفجارات بركانية بين الحين والآخر، ما يجعل المنطقة واحدة من أخطر البؤر الجيولوجية في أوروبا والبحر المتوسط.

بدأت الأزمة في أواخر يناير 2025 عندما بدأت الأرض تهتز بوتيرة متصاعدة، وسجل أكثر من 28 ألف زلزال خلال أسابيع قليلة، وصل أقواها إلى أكثر من 5 درجات على مقياس ريختر.

وظل سبب النشاط غامضاً بين كونه تكتونياً أو بركانياً، ما أثار قلق السكان المحليين ودفع آلاف الأشخاص إلى مغادرة الجزيرة ما دعا السلطات للتشديد على أن هذه الهزات مرتبطة بحركة الصفائح التكتونية وليست ناجمة عن نشاط بركاني، وأن الوضع داخل سانتوريني لا زال منخفض الخطورة.

إلا أن تحليل البيانات أظهر أن الأحداث تعود في الأصل إلى تحرك نحو 300 مليون متر مكعب من الصهارة، التي ارتفعت من عمق القشرة لتستقر على بعد 4 كيلومترات فقط تحت قاع البحر.

وأوضحت الدراسة أن سلسلة الأحداث بدأت فعلياً في يوليو 2024 مع تراكم الصهارة في خزان ضحل أسفل سانتوريني، ما أدى إلى ارتفاع طفيف في سطح الجزيرة، لكن مع مطلع 2025، تحركت الصهارة فجأة من عمق 18 كيلومتراً نحو السطح عبر عدة نبضات متتالية، مسببة تصدع الصخور وولادة آلاف الهزات. 

صعود الصهارة

وخلال هذه المرحلة تحولت بؤر الزلازل تدريجياً نحو الشمال الشرقي مبتعدة عن سانتوريني لمسافة تزيد على 10 كيلومترات، وصولًا إلى منطقة كولومبو.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، ماريوس إيسكن، إن النشاط الزلزالي كان نموذجياً لصعود الصهارة عبر القشرة “إذ تفتح الصهارة مساراتها عبر تكسير الصخور، وهو ما يولد هذه السلاسل الهائلة من الزلازل”.

وأضاف: “هذه السلسلة الزلزالية ليست مجرد ظاهرة سطحية، بل نافذة طبيعية تتيح تتبع المسار الذي سلكته الصهارة بدقة، وفهم الديناميات الداخلية للأرض في واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية نشاطًا في البحر المتوسط”.

ومع تراجع النشاط، سجلت الأجهزة هبوطاً في سطح سانتوريني بمقدار بضع سنتيمترات، ما فسره العلماء على أنه دليل على وجود اتصال هيدروليكي غير معروف من قبل بين بركاني سانتوريني وكولومبو.

واستخدمت الدراسة تقنيات غير مسبوقة من ضمنها خوارزمية ذكاء اصطناعي لتحليل ملايين الإشارات الزلزالية تلقائياً، إلى جانب شبكة من أجهزة استشعار قاعية؛ ولم تسجل هذه الأجهزة فقط الهزات العميقة، بل رصدت أيضاً هبوط قاع البحر بنحو 30 سنتيمترا أثناء تغلغل الصهارة أسفل كولومبو.

ويواصل الباحثون رصد سانتوريني بدقة عبر قياسات الغازات ودرجات الحرارة، بينما تعمل 8 منصات استشعار بحرية حول كولومبو.

وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، هايدرن كوب، إن الفريق شارك نتائجه باستمرار مع السلطات اليونانية لتأمين أسرع وأدق تقييم ممكن في حال وقوع زلازل جديدة.

شاركها.