كشفت دراسة حديثة عن بعد جديد أكثر عمقاً وخطورة للتنمر، يتمثل في أن مجرد مشاهدة وقائعه يمكن أن تثير في دماغ من يشاهدها استجابات شبيهة بتلك التي يمر بها الضحية نفسه.
ووصف الباحثون هذه الاستجابة بأنها “حالة إنذار ضارة”، ربما يكون لها أثر بالغ على الصحة النفسية والجسدية على حد سواء.
وركزت الدراسة التي نشرتها جمعية علم النفس البريطانية، على قياس ردود فعل الدماغ لدى مراهقين تتراوح أعمارهم بين 11 و14 عامًا، إلى جانب مجموعة من البالغين، أثناء مشاهدتهم مقاطع فيديو مصورة من منظور الشخص الأول، تضمنت مشاهد تنمر وأخرى لتفاعلات اجتماعية إيجابية.
وعلى الرغم من أن التنمر يدرج عادة ضمن القضايا الاجتماعية أو التربوية، إلا أن الدراسة الجديدة تنقل النقاش إلى مستوى علم الأعصاب، إذ أظهرت التجربة أن مقاطع التنمر حفزت لدى جميع المشاركين استجابات قوية في الشبكات الاجتماعية والعاطفية داخل الدماغ، إضافة إلى تنشيط أنظمة الاستجابة التلقائية للتهديد في الجسم، وهي استجابات مشابهة لتلك التي يُظهرها الدماغ في المواقف الخطرة أو الصادمة.
ولم تتوقف النتائج عند ذلك الحد؛ إذ استعان الفريق البحثي بمجموعة منفصلة من البالغين، وأجرى قياساً لحركة العين وحجم بؤبؤ العين لديهم أثناء مشاهدة المقاطع.
وأظهرت القياسات أن مشاهد التنمر تثير استجابات انتباهية وعاطفية أقوى بكثير مقارنة بالتفاعلات الإيجابية، ما يؤكد أن الدماغ يتعامل مع التنمر كتهديد مباشر حتى في غياب الخطر الشخصي.
دماغ أكثر حساسية للتنمر
توصلت الدراسة إلى وجود ارتباط مباشر بين شدة الاستجابة العصبية وحقيقة أن بعض المشاركين مرّوا بتجارب تنمر فعلية في حياتهم من قبل؛ ما يعني أن الدماغ يصبح أكثر حساسية واستعداداً لإطلاق “إنذار داخلي” عند مواجهة مواقف مشابهة، حتى لو كان الأمر مجرد رؤية مشهد مصور.
كانت منظمة الصحة العالمية أعلنت نتائج دراسة جديدة ضمن سلسلة “السلوك الصحي لدى الأطفال في سن المدرسة”، أظهرت أن واحداً من كل 6 أطفال في سن الدراسة تعرض للتنمر الإلكتروني.
وأشارت الدراسة التي شملت 44 دولة ومنطقة، إلى أن معدلات التنمر التقليدي داخل المدارس بقيت مستقرة نسبياً منذ عام 2018، في حين شهد التنمر الإلكتروني ارتفاعاً ملحوظاً بسبب الرقمنة المتسارعة في حياة الشباب.
وأوضحت الدراسة أن 15% من المراهقين تعرضوا للتنمر الإلكتروني، بينما اعترف نحو 12% منهم بممارسة هذا النوع من التنمر على أقرانهم، وارتفعت النسبة مقارنة بعام 2018، إذ ارتفع معدل تعرض الأولاد من 12% إلى 15%، والبنات من 13% إلى 16%. كما ارتفعت ممارسة التنمر الإلكتروني بين الأولاد من 11% إلى 14%، وبين البنات من 7% إلى 9%.
وعلى صعيد المدرسة، أظهرت النتائج أن 6% من المراهقين يمارسون التنمر على أقرانهم، بمعدل أعلى بين الأولاد (8%) مقارنة بالفتيات (5%)، أما نسبة من تعرضوا للتنمر داخل المدرسة فبلغت 11% دون فروق واضحة بين الجنسين، كما أن واحداً من كل 10 مراهقين أقرّ بمشاركته في عراك جسدي، بنسبة أكبر بكثير لدى الأولاد (14%) مقارنة بالفتيات (6%).
خطر التنمر على الصحة
قال المؤلف الرئيسي للدراسة، لاوري نومينما: “استطعنا أن نرسم مسارات الضيق في الدماغ التي تنشط فوراً عندما يتعرض شخص ما للتنمر، وأثبتنا أن هذه الحالة المستمرة من الإنذار تمثل خطراً على الصحة النفسية والجسدية بسبب زيادة النشاط العصبي التلقائي”.
وتسلط الدراسة الضوء على خطورة ظاهرة التنمر ليس فقط من زاوية الضحية المباشرة، بل أيضاً على المحيطين والمشاهدين، سواء في الحياة الواقعية أو عبر المنصات الرقمية.
وأكدت الدراسة أن التنمر لا يترك أثراً نفسيًا قصير المدى وحسب، بل ربما يؤدي إلى توتر مستمر يضر بالصحة العامة.
قدمت الدراسة دليلاً علمياً إضافياً على أن التنمر ليس مجرد سلوك اجتماعي سلبي، بل عامل خطر ربما يزيد احتمالات الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطرابات الجسد-النفس، كما أن أثره لا ينحصر في لحظة التعرض الفعلي، بل يمتد إلى أي تجربة لاحقة تثير الذكريات العصبية المخزنة في الدماغ.
وأثبتت أبحاث سابقة أن التنمر يرتبط بزيادة معدلات الاكتئاب، واضطرابات النوم، ومحاولات الانتحار بين المراهقين.
وأضافت الدراسة الجديدة بعداً آخر يتمثل في أن مشاهدة التنمر في حد ذاتها تمثل خطراً بيولوجياً وعصبياً، ما يجعلها ليست مجرد مسألة تربوية، بل قضية صحة عامة.
ويرى الباحثون أن نتائج الدراسة ينبغي أن تدفع المدارس وصانعي السياسات التعليمية إلى إعادة النظر في برامج مكافحة التنمر، لأن الأمر لم يعد يقتصر على حماية الضحايا المباشرين، بل يمتد إلى بيئة كاملة من الطلاب الذين يتأثرون عصبياً بمجرد المشاهدة.