أظهرت دراسة حديثة وجود أكثر من 200 نوع مختلف من البروتينات المشوهة في أدمغة فئران مسنة يُعتقد أنها مرتبطة بالخرف؛ والتدهور الإدراكي المصاحب لتقدم العمر.

ويمثل التدهور المعرفي في مجالات الذاكرة المختلفة سمة شائعة للشيخوخة، حتى في غياب الأمراض التنكسية العصبية، ومع ذلك فإن هذا التدهور ليس حتميًا؛ فبعض الأفراد يحتفظون بقدرات معرفية تضاهي قدرات الشباب حتى في مراحل متقدمة من حياتهم.

ويرى العلماء أن تحديد السمات الجزيئية التي يحتفظ بها الأفراد المرنون معرفيًا، أو تلك التي تتغير لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي، يمكن أن يوفر فرصًا للوقاية أو العلاج من التدهور المعرفي المرتبط بالعمر.

ولعقود طويلة، كانت أبحاث مرض ألزهايمر تتركز على نوعين رئيسيين من البروتينات؛ هما “أميلويد بيتا” و”تاو” وهما بروتينان يشكلان ترسبات لزجة يمكن أن تقتل الخلايا العصبية وتؤثر على وظائف الدماغ.

لكن الدراسة الجديدة التي أجراها باحثون في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، تقلب هذه الفرضية رأسًا على عقب، إذ تشير إلى أن هذه البروتينات ليست وحدها في ساحة المعركة.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، ستيفن فريد، الأستاذ المساعد في الكيمياء وعلم البروتينات في جامعة جونز هوبكنز، إن الأميلويدات هي تكتلات من بروتينات مشوهة الشكل كبيرة وواضحة وسهلة الرؤية تحت المجهر، لذا من الطبيعي أن تستحوذ على اهتمام العلماء.

وأضاف: “لكننا نرى الآن مئات البروتينات التي تتشوه دون أن تتجمع في صورة أميلويدات، ومع ذلك يبدو أنها تؤثر بشكل واضح على أداء الدماغ”.

شملت الدراسة تحليل أدمغة 17 فأرًا تبلغ من العمر عامين، جميعها نشأت في نفس الظروف. أظهرت 7 منها أداءً ضعيفًا في اختبارات الذاكرة وحل المشكلات واعتُبرت أنها تعاني من ضعف إدراكي، بينما أظهرت 10 أداءً مماثلًا لفئران صغيرة في عمر 6 أشهر.

وركّز الفريق البحثي على الحُصين وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن الذاكرة والتعلّم المكاني، وقيّم أكثر من 2500 نوع من البروتينات؛ ولأول مرة، تمكّن العلماء من التمييز بين البروتينات التي حافظت على شكلها الطبيعي وتلك التي تعرضت للتشوه أو سوء الطي.

وتوصلت الدراسة إلى نتائج لافتة، إذ جرى تحديد أكثر من 200 نوع من البروتينات المشوهة في أدمغة الفئران المصابة بضعف إدراكي، بينما بقيت البروتينات سليمة في الفئران ذات القدرات العقلية الطبيعية، ما يعزز فرضية ارتباطها بتدهور الذاكرة المرتبط بالعمر. 

وتقول الدراسة إن البروتينات غير القابلة لإعادة الطي، أي تلك التي تفقد قدرتها على العودة إلى شكلها الطبيعي بعد تعرضها للضرر، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتدهور المعرفي.

البروتينات غير القابلة لإعادة الطي هي جزيئات بروتينية تفشل في اتخاذ البنية ثلاثية الأبعاد الصحيحة التي تمكّنها من أداء وظائفها البيولوجية بشكل طبيعي، وغالبًا ما تتراكم داخل الخلايا أو الأنسجة مسببة اضطرابات خلوية خطيرة، إذ ترتبط هذه البروتينات بعدد من الأمراض التنكسية والعصبية مثل ألزهايمر، وباركنسون، وهنتنجتون.

تغييرات هيكلية

ويؤدي فقدان البروتينات قدرتها على الطي السليم إلى تكوين تجمعات غير قابلة للذوبان تُعرف بالتكتلات البروتينية التي تعيق العمليات الخلوية الحيوية وتُحدث خللًا في التوازن البروتيني داخل الخلية.

ويكمن الخطر في أن هذه البروتينات بمجرد أن تفقد طيّها لا تستطيع استعادته، حتى بعد عزلها عن بيئتها الخلوية الأصلية، ما يميزها عن البروتينات القابلة لإعادة الطي التي يمكن أن تستعيد بنيتها الأصلية إذا توفرت لها الظروف المناسبة.

ويضع الفشل في “العودة إلى الأصل” العلماء أمام تحدٍ هائل في مجالات البيولوجيا الجزيئية والدوائية، خصوصًا أن هذه البروتينات قد تكون نتاج طفرات جينية دقيقة، أو ظروف بيئية مجهدة، أو ببساطة نتيجة التقدم في السن، ما يجعلها مؤشرًا حيويًا على شيخوخة الخلايا واختلال أنظمة مراقبة الجودة البروتينية التي تعتمدها الخلية للحفاظ على استقرارها البنيوي والوظيفي.

ما هو البروتين؟

  •  البروتين هو جزيء ضخم يتكوّن من سلسلة من الأحماض الأمينية.
  • يُعدّ واحدًا من أهم اللبنات الأساسية في خلايا الجسم.
  • يدخل في بناء العضلات، والإنزيمات، والهرمونات، والأجسام المضادة.
  • لكل بروتين ترتيب خاص من الأحماض الأمينية يحدد وظيفته

ووجدت الدراسة أن هذه البروتينات أكثر عرضة بنسبة 2.7 مرة لإظهار تغيرات هيكلية مرتبطة بالإدراك؛ وبين البروتينات ذات التغيرات الهيكلية المرتبطة بالإدراك، كان 14 من أصل 15 بروتينًا من النوع غير القابل لإعادة الطي.

وقال الباحثون إن التغيرات التكوينية غير التساهمية في بنية البروتينات ربما تكون سمة عامة ومسببة في التدهور المعرفي، ويدعم هذا التفسير غياب أدلة كافية تُشير إلى أن التعديلات ما بعد الترجمة؛ مثل الفسفرة والأكسدة، هي المسؤولة عن غالبية هذه التغيرات الهيكلية المكتشفة.

وتشير النتائج إلى أن الخلل في طي البروتينات ربما يكون مضرًا حتى دون تكوّن التكتلات الأميلويدية التي طالما حُملت مسؤولية ألزهايمر، ما يفتح بابًا جديدًا لفهم أوسع وأكثر تعقيدًا للمرض.

ما هي عملية “الطي”؟

  • العملية التي يتحوّل فيها شريط الأحماض الأمينية إلى شكل ثلاثي الأبعاد محدد.
  • الشكل النهائي للبروتين هو ما يحدد وظيفته داخل الخلية.
  • تتم الطيّات تلقائيًا داخل الخلية، بمساعدة بعض البروتينات المساعدة.
  • إذا فشل البروتين في الطي الصحيح، قد يفقد وظيفته أو يُسبب أمراضًا مثل ألزهايمر أو الشلل الرعاش.

وأضاف ستيفن فريد: “لطالما اعتقدنا أن الخطر يكمن فقط في البروتينات التي تتجمع وتشكل تكتلات، لكننا نكتشف الآن أن هناك أنواعًا عديدة من البروتينات يمكن أن تتشوه دون أن تتجمع، ومع ذلك تتسبب في مشكلات حقيقية”.

في الظروف العادية، تمتلك الخلايا آلية مراقبة تُعرف بـ”نظام الجودة البروتيني” تتولى الكشف عن البروتينات المشوهة وتدميرها، لكن الدراسة تُظهر أن بعض هذه البروتينات قادرة على الهروب من هذا النظام الدفاعي، ما يثير تساؤلات كبيرة بشأن كيفية حدوث ذلك.

ويُخطط الفريق البحثي الآن في استخدام مجاهر عالية الدقة لرؤية هذه البروتينات المشوهة عن قرب، على أمل فهم التشوهات البنيوية الدقيقة التي تمر بها.

وتمثل هذه الدراسة خطوة مهمة نحو تطوير علاج يستهدف أنواعًا أوسع من البروتينات المشوهة، وليس فقط “أميلويد بيتا”، أو “تاو”، وهو ما قد يؤدي إلى تدخلات أكثر فاعلية للحد من التدهور العقلي لدى كبار السن.

وأقر الباحثون بأن الدراسة رصدية ولا تثبت العلاقة السببية بشكل مباشر، كما أنها لا تُحدد الآلية الدقيقة لتشكل هذه التكوينات البروتينية المتغيرة أو استمرارها. ومع ذلك، فإن الارتباط القوي بين البروتينات ذات التغيرات الهيكلية المرتبطة بالإدراك والبروتينات غير القابلة لإعادة الطي يُقدم دليلًا غير مباشر على أن هذه السمات تنشأ من سبب أساسي مشترك، وهو أن البروتين معقد في طيه أو عرضة لسوء الطي.

شاركها.