درعا.. أطفال من جرحى الحرب متروكون بلا رعاية
درعا – حليم محمد
على عكاز أصبح بديلًا عن قدمها المبتورة إثر إصابتها جراء قصف النظام السوري عام 2016، تمشي الطفلة ملاك بين زملائها في مدرستها بريف درعا جنوبي سوريا.
قصف النظام على منزل الطفلة في بلدة اليادودة غربي درعا، خلّف لها إصابة تركت آثارها النفسية على ملاك، وترافق الأمر بصعوبة في التأقلم مع وضعها الصحي، رغم مرور نحو ثماني سنوات على الإصابة.
حال شقيق ملاك لم يكن أفضل، إذ فقد عينيه، وتعرض وجهه ورأسه لتشوهات، أما أخوهما الرضيع فقد توفي في القصف.
لم يتلقَّ الطفلان منذ عودتهما مع الأهل من الأردن إلى درعا العلاج اللازم، سواء من الناحية الجسدية والنفسية، بحسب ما قاله والدهما ل، وهو وضع معظم مصابي الحرب الأطفال.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إلقاء أكثر من 11 ألف برميل متفجر على محافظة درعا في الفترة ما بين 2012 و2018 (من بداية سيطرة “الجيش الحر” إلى اتفاق التسوية).
وبحسب التقرير الصادر في أيلول الماضي، أدت البراميل المتفجرة الملقاة على محافظة درعا إلى مقتل 1177 مدنيًا بينهم أطفال ونساء بنسبة 40%، إذ بلغ عدد الضحايا من الأطفال 272 طفلًا، والنساء 193 سيدة بالغة.
رحلة العلاج الأولى
على وقع صوت انفجار قذيفة أطلقتها دبابة تابعة لقوات النظام على منزله، هرع والد الطفلة ملاك إلى غرفة أطفاله، وأسعفهم إلى أحد المستشفيات في المنطقة، إلا أن القدرات الطبية الضعيفة في المنطقة حالت دون علاجهم، لذلك توجه بهم الأب إلى الأردن.
خلال علاج الطفلين في الأردن، عرضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على والدهما سعد الهجرة إلى كندا ومتابعة علاجهما، إلا أنه رفض فكرة الهجرة وعاد مع أطفاله إلى سوريا بعد مضي ستة أشهر على الحادثة.
قرار العودة لم يكن في مصلحة الطفلين، اللذين أصبحا يعيشان في قلق وخوف دائم من صوت الطيران أو القذائف أو الاشتباكات.
وسيطر النظام على كامل درعا في تموز وآب 2018، باتفاق “تسوية” برعاية روسية، وهو ما أوقف المعارك العسكرية، إلا أن المحافظة تعيش حالة فوضى أمنية، جراء عمليات ومحاولات الاغتيال المتكررة التي تستهدف مختلف الأطراف.
ويتعرض الطفلان لمضايقات من قبل زملائهم في المدرسة وسط غياب الدعم النفسي أو الصحي من قبل المنظمات.
أثر نفسي
المعالج النفسي عبد الله الأعرج قال ل، إن من التأثيرات الشائعة على الأطفال الذين تعرضوا لإصابات حربية، أو مروا بحدث مهدد لحياتهم، أنهم ينظرون إلى العالم من حولهم على أنه خطر.
وتظهر على هؤلاء الأطفال أعراض ما بعد الصدمة، على شكل “مستوى عالٍ من القلق والاستثارة الجسمية، وردود فعل جسمية تشبه الجفلة” عند حصول أي تهديد من حولهم، كتسارع نبضات القلب والتعرق وضيق التنفس والتوتر العضلي، وفق المعالج النفسي.
وحول تأثير الإصابة الحربية على الأطفال، قال المعالج النفسي، إن الأثر النفسي نسبي بدرجات متفاوتة، وليس بالضرورة أن يؤدي إلى تأثير سلبي، إنما قد يتكيف المصاب مع واقعه.
مواجهة التنمر
لإخفاء آثار جروحه، يطيل شقيق ملاك شعره كي يغطي حرقًا في رقبته، تفاديًا لتعليقات مزعجة من قبل زملائه في المدرسة، بالمقابل تتعرض ملاك للدفع من قبل زملائها.
وذكر سعد والد الطفلين، أن ابنيه طلبا منه عدم الذهاب إلى المدرسة، بسبب تنمر زملائهما في المدرسة عليهما، رغم تفوق ملاك الدراسي.
المعالج عبد الله الأعرج قال إن ظاهرة التنمر مشكلة يقع حلها على عاتق المجتمع، بداية من الأبوين اللذين يربيان أبنائهما على تقبل الآخرين واحترامهم، ويعاقبان أي سلوك تنمري تجاه الآخرين، ويكونان نموذجًا يحتذي به أبناؤهم.
وفي سوريا ودول مثيلة تلعب فيها المؤسسة الدينية دورًا أخلاقيًا، بشكل نسبي، يأتي تاليًا دور المؤسسات الدينية، التي تكرس الأخلاق وتزرع لدى الأبناء حب الآخرين واحترامهم، وتحث على منع السخرية والتنمر.
وتقع المهمة الرئيسة، بحسب الأعرج، على عاتق النظام التعليمي والمدرسي الذي يهيئ بيئة آمنة خالية من التنمر، إذ يجب أن يراقب الكادر التعليمي سلوكيات طلابه، ويمنع أي أذى، ويكافئ السلوكيات التي يبديها طلابه تجاه بعضهم.
وحول الحلول التي تخفف على المصابين الأثر النفسي قال الأعرج، إن التأهيل النفسي والجسدي من خلال معالجة الإصابة وأثرها من أهم وسائل تقبل المصاب للواقع، ويكون ذلك من خلال تأمين أطراف صناعية على سبيل المثال أو جلسات دعم نفسي أو تعزيز قدرات المصاب.
منظمات لا تكترث
بعد سيطرة النظام السوري على محافظة درعا في تموز 2018، راجعت العائلة “الهلال الأحمر السوري” في دمشق ودرعا، وقدمت تقارير صحية بحالة الطفلين، لكن “الهلال” لم يقدم أي شيء يُذكر في علاجهما سوى جمع البيانات وملء الاستمارات، وفق والدهما سعد.
ملاك بحاجة إلى طرف صناعي يتبدل كل عام تقريبًا ليتماشى مع نموها، في حين يحتاج أخوها إلى عمليات ترميم جلدية.
معالج فيزيائي مقيم في درعا، طلب عدم الكشف عن اسمه، عالج حالات لأطفال ناتجة عن أذية جسدية نتيجة العمليات الحربية، أوضح أن بعض الأذيات الناتجة عن العمليات الحربية، أدت إلى شلل حركي ما خلف عجزًا في تأدية بعض الوظائف الجسدية مثل “تحددات المرفق”، أو أذيات في الأعصاب بعضها أدى إلى شلل نصفي.
وأضاف المعالج ل، أن السرعة في الإسعافات وإعطاء الحقن في عضلة مربعة الرؤوس الفخذية على مكان خاطئ في العضلة، يسبب على المدى البعيد تليفًا في هذه العضلة، و”تحددات حركية” في مفصل الركبة، وضعفًا في عضلات الساق، وصعوبة بالمشي، وغياب حركة القرفصاء، وهذه الحالات تحتاج إلى عمليات وإلى علاج فيزيائي مكثف ويستغرق مدة زمنية طويلة.
الألغام تزيد جرحى الحرب
الانتشار العشوائي للألغام في محافظة درعا وانفجارها، تسبب في سقوط عشرات الضحايا، معظمهم من الأطفال، ولم تعمل وحدات الهندسة على إزالتها إنما تركتها خطرًا يهدد حياة المدنيين لا سيما في الأراضي الزراعية.
في 3 من تشرين الأول الحالي، انفجر لغم أرضي بسيارة زراعية في ريف درعا الشرقي، ما أدى إلى مقتل طفلين ينحدران من محافظة دير الزور ويعملان في المياومة الزراعية بدرعا.
وفي حزيران من عام 2022، قتل 11 شخصًا وأصيب 35 بينهم أطفال ونساء، جراء انفجار لغم أرضي في سيارة كانت تنقلهم إلى أحد البساتين الزراعية في ريف درعا الشمالي.
المعالج الفيزيائي أوضح ل، أن إصابات الألغام وخاصة الفردية غالبًا ما تصيب الأقدام ما يؤدي إلى بترها، والعبث بمخلّفات الحرب قد يؤدي إلى فقدان العين أو يسبب أذية حركية أو عصبية أو تشظيًا في جسم المصاب.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في تقرير صدر عنها في نيسان الماضي، مقتل 3471 مدنيًا بينهم 919 طفلًا منذ بدء الثورة السورية عام 20 الثورة السورية11، جراء انفجار الألغام.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي