يتصاعد الجدل في العديد من الدول الغربية بسبب رفض هيئات رياضية وثقافية استبعاد إسرائيل من المنافسات والفعاليات العالمية، وسط الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، إذ قتلت إسرائيل أكثر من 65 ألف فلسطيني، ودمّرت معظم القطاع، وتسببت رسمياً في تفشي المجاعة، عبر حصار خانق ومنع المساعدات الإنسانية.
وكانت معظم المنظمات والهيئات الدولية، سارعت إلى إبعاد روسيا بعد غزو أوكرانيا، ولكنها رفضت اللجوء إلى الإجراء نفسه مع إسرائيل.
وخلال الأشهر والأيام الأخيرة تصاعدت الأصوات الداعية إلى استبعاد إسرائيل من الأحداث الرياضية والثقافية، وسط تلويح عدد من الدول بفرض عقوبات على تل أبيب بسبب حرب غزة.
وبرز اسم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الأسبوع الجاري، بدعوته إلى منع إسرائيل من المشاركة في الفعاليات الرياضية الدولية “حتى توقف عملياتها الوحشية في غزة”. وجاءت دعوة سانشيز بعدما شهد سباق الدراجات الشهير في مدريد احتجاجات ضد مشاركة فريق إسرائيلي في المنافسة.
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها المشاركة الإسرائيلية لانتقادات، إذ يواجه الرياضيون الإسرائيليون صفارات الاستهجان، على غرار مباراة كرة القدم الأخيرة بين المنتخبين الإيطالي والإسرائيلي في المجر، ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، أو مباراة كرة السلة في بولندا.
باستثناء الاتحاد الدولي لرياضة المواي تاي، لم يظهر المجال الرياضي الدولي رغبة تُذكر لمنع الرياضيين الإسرائيليين من المشاركة في الفعاليات المختلفة.
وتساءل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز: “لماذا لم تُطرد إسرائيل من المنافسات الرياضية كما حدث مع روسيا؟”.
وقال كريستوف دوبي، المدير التنفيذي للألعاب الأولمبية في اللجنة الأولمبية الدولية، لوكالة “أسوشيتد برس”، إن “الوضع مختلف”، رداً على سؤال حول المقارنة بين إسرائيل وروسيا. فيما اعتبرت اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، أن “الأسباب القانونية التي دفعت إلى اتخاذ إجراءات ضد روسيا، لم تتوفر في حالة إسرائيل”، دون تقديم تفاصيل إضافية.
وزعمت اللجنة الأولمبية، في تصريحات لـ”أسوشيتد برس”، أن “إسرائيل لم تنتهك الميثاق الأولمبي كما فعلت روسيا حين ضمّت أراض من شرق أوكرانيا”، كما أشارت إلى أن “الأندية والاتحادات الأوروبية لكرة القدم لم ترفض مواجهة الفرق الإسرائيلية”.
مراجعة الشكاوى
ورغم ذلك، رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم التعليق على سياساته تجاه إسرائيل، أو على تأخر عمل لجنتين تم تكليفهما بمراجعة الشكاوى الرسمية المقدمة من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الذي يسعى منذ سنوات إلى استبعاد إسرائيل بسبب ممارساتها تجاه الفلسطينيين.
وتعود أبرز سابقة استبعاد في الرياضة الدولية إلى حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، عندما مُنعت البلاد من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في الفترة من عام 1960 حتى أولمبياد برشلونة 1992، أي بعد عامين من إطلاق سراح نيلسون مانديلا.
أما روسيا، فقد تم استبعادها سريعاً من معظم الاتحادات الرياضية عقب غزو أوكرانيا في فبراير 2022، وأجبر رياضيوها على المشاركة تحت علم محايد في أولمبياد باريس.
يعتبر الموقف الإسباني تجاه إسرائيل، ذا دلالات كبيرة، لا سيما أن مدريد تُعد قوة كروية كبرى، وستشارك في استضافة كأس العالم 2030، فضلاً عن استضافتها مباراة من دوري كرة القدم الأميركية الشهر المقبل، والمرحلة الافتتاحية من سباق Tour de France العام المقبل.
وقال أنطوان دوفال من معهد Asser الهولندي للأبحاث: “هذا النوع من الغضب تجاه أفعال إسرائيل في غزة لم نشهده من قبل… يبدو أن الأمور بدأت تتغير الآن”.
ولا يزال تأثير الخطوة الإسبانية غير واضح، إذ لم يُعلن أي زعيم عالمي حتى الآن تأييده لدعوة سانشيز باستبعاد إسرائيل من المحافل الرياضية الدولية.
وفي بريطانيا، دعا نائب برلماني في برمنجهام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA، إلى “الإلغاء الفوري” لمباراة بين نادي أستون فيلا الإنجليزي، ونادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي، مقررة في 6 نوفمبر المقبل، حرصاً على “السلامة العامة والسلم المجتمعي”. لكن الاتحاد لم يظهر أي مؤشرات على الاستجابة لهذا الطلب حتى الآن.
وأعربت بعض الاتحادات الرياضية، عن انزعاجها من مواجهة فرق إسرائيلية، لكنها أوضحت ألا خيار أمامها في ظل غياب قرار دولي يحظر مشاركة إسرائيل في المنافسات الرياضية.
وقال جون فيهان، الرئيس التنفيذي لاتحاد كرة السلة الإيرلندي، الشهر الماضي: “مواجهة إسرائيل في هذه الظروف ليست سيناريو نتمناه”، وذلك بعد سحب قرعة تؤهل منتخب بلاده لمواجهة إسرائيل في تصفيات بطولة أوروبا للسيدات في نوفمبر المقبل.
مخاوف من عقوبات
وأوضح فيهان، أن اتحاد السلة الإيرلندي قد يتعرّض لعقوبات في حال قرر الانسحاب من المباريات، ما قد يؤثر سلباً على مستقبل اللعبة في البلاد.
وفي كرة القدم، تستعد كل من إيطاليا والنرويج لاستضافة منتخب إسرائيل الشهر المقبل ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم. وقد أعرب اتحادا البلدين عن استيائهما من الوضع.
وقال رئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، جابرييل جرافينا، إنه “يدرك تماماً حساسية الرأي العام الإيطالي” بشأن المباراة المقررة في 14 أكتوبر المقبل بمدينة أوديني، لكنه أوضح أن رفض خوض المباراة سيُحتسب خسارة بنتيجة 3-0 وفقاً لقوانين FIFA.
وأضاف: “عدم اللعب يعني ببساطة أننا نرفض الذهاب إلى كأس العالم، ويجب أن نعي ذلك”، مشيراً إلى أن مقاطعة المباراة ستساعد إسرائيل على التأهل إلى النهائيات التي ستُقام في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
أما النرويج، التي ستلعب ضد إسرائيل في 11 أكتوبر المقبل، فقد أعلنت نيتها التبرع بأرباح تذاكر المباراة لصالح منظمة “أطباء بلا حدود”، لدعم أعمالها الإنسانية في غزة.
احتجاجات جماهيرية متكررة
وتصاعدت موجة الاحتجاج وسط الجماهير الأوروبية ضد الفرق الإسرائيلية في عدة مناسبات. ففي بولندا، وخلال مباراة للمنتخب الإسرائيلي الشهر الماضي ضمن بطولة أوروبا لكرة السلة، اندلعت احتجاجات خارج الملعب في مدينة كاتوفيتسه، فيما دوّت صيحات استهجان أثناء عزف النشيد الإسرائيلي داخل القاعة.
وباتت الاحتجاجات داخل الملاعب مشهداً متكرراً في كرة القدم الأوروبية، حتى خلال الفعاليات الكبرى، مثل نهائي دوري أبطال أوروبا في مايو الماضي، حيث رفعت جماهير فر يق باريس سان جيرمان، لافتة كُتب عليها بالفرنسية: “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”.
وخلال مباراة “كأس السوبر الأوروبي” بين باريس سان جيرمان وتوتنهام الإنجليزي في أغسطس الماضي، والذي أُقيم في أوديني، رُفعت لافتات على أرض الملعب كتب عليها: “توقفوا عن قتل الأطفال، توقفوا عن قتل المدنيين”.
وفي رياضة التنس، استضافت كندا منتخب إسرائيل الأسبوع الماضي ضمن منافسات “كأس ديفيس”، لكن المباريات أُقيمت دون جمهور في مدينة هاليفاكس بمقاطعة نوفا سكوشا، بسبب “تزايد المخاوف الأمنية”.
وجاء القرار بعد توقيع مئات الرياضيين والأكاديميين الكنديين على عريضة تطالب اتحاد التنس الكندي بإلغاء المباريات، احتجاجاً على حرب إسرائيل على غزة ومنمارستها في الضفة الغربية المحتلة.
وكانت إندونيسيا قد خسرت حق استضافة كأس العالم تحت 20 عاماً في عام 2023، بعد رفضها السماح بمشاركة منتخب إسرائيل.
ولا تقتصر الدعوات لمقاطعة إسرائيل في الجانب الرياضي، إذ يشهد قطاع السينما في الولايات المتحدة بدوره تحركاً مماثلاً. ووقّع عدد من المخرجين والممثلين وشخصيات بارزة في الصناعة، في وقت سابق من الشهر الجاري، على تعهد بمقاطعة المؤسسات السينمائية الإسرائيلية، بما يشمل المهرجانات، والمحطات التلفزيونية، وشركات الإنتاج.
كما أعلنت الإذاعة الرسمية الإسبانية، انضمامها إلى 3 دول أوروبية أخرى في التهديد بالانسحاب من “مسابقة الأغنية الأوروبية” (Eurovision) العام المقبل إذا تم السماح لإسرائيل بالمشاركة، في خطوة رمزية بالنظر إلى الشعبية الواسعة التي تحظى بها المسابقة.