أنهى وفد “الإدارة الذاتية” الأحد، الجولة الـ4 من المفاوضات مع ممثلين عن الحكومة السورية، والتي جرت للمرة الأولى في العاصمة دمشق منذ انطلاق مسار المفاوضات بين الطرفين عقب توقيع اتفاق 10 مارس بين الرئيس السوري أحمد الشرع، والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، لدمج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية.
وذكر مصدر مطلع لـ”الشرق”، أن وفدي الطرفين تجنبا الخوض في القضايا الخلافية، مع التركيز على قضية التعليم كقضية اجتماعية وخدمية، يمكن أن يؤسس التوافق عليها لإجراءات بناء ثقة تعزز المفاوضات في الجولات القادمة.
وجاءت هذه الجولة بعد اجتماعين سابقين في الحسكة، واجتماع ثالث في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، كما يُعد الاجتماع الأول من نوعه على مستوى اللجان المشكلة لمناقشة آليات تطبيق الاتفاق، والأول منذ المؤتمر القومي الكردي الأول الذي عقد في القامشلي في 26 أبريل الماضي، وحدد الفيدرالية أو اللامركزية كمطلب رئيسي للأكراد، وهو ما اعتبرته الرئاسة السورية حينها بأنه “تكريس للانفصال”.
تجنّب القضايا الخلافية
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أشار إلى أنه على رأس القضايا الخلافية بين الجانبين ما يتعلق بشكل الحكم في سوريا، في ظل مطالبة “الإدارة الذاتية” بتطبيق اللامركزية السياسية أو الإدارية، وهو ما ترفضه تماماً إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع.
كما يظهر ملفا السجناء ومخيمات عناصر وعوائل تنظيم “داعش” كواحدة من القضايا العالقة أيضاً بين الطرفين، إذ تسعى دمشق لتسلّم هذه السجون والمخيمات، وهو ما ترفضه “قسد”، حتى الآن، مؤكدة على إمكانية المشاركة في إدارة الملفين بعد التوافق على الشراكة في ملف مكافحة تنظيم “داعش”.
ولفت المصدر إلى نقطة خلافية جوهرية أخرى تتعلق بأن “قسد” تنظر إلى اتفاق 10 مارس على أنه يتيح لها المشاركة في المؤسسات الإدارية والخدمية على مستوى الحكومة والوزارات في البلاد، وهو ما لم يلق تجاوباً من دمشق، التي سبق لها استبعاد “قسد” من مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في نهاية فبراير الماضي، وكذلك استبعادها من التمثيل في الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها في نهاية مارس برئاسة الشرع.
وضم وفد “الإدارة الذاتية” فوزة يوسف عضوة الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يقود “الإدارة الذاتية”، وحامد المهباش رئيس حزب سوريا المستقبل، وسنحاريب برصوم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد السرياني، وأحمد يوسف الرئيس المشترك للهيئة المالية في “الإدارة الذاتية”، وسوزدار حاجي عضوة القيادة العامة لوحدات حماية المرأة في “قسد”، ومريم إبراهيم الرئيسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعية في “الإدارة الذاتية”، وياسر سليمان نائب الرئاسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا.
أما وفد الحكومة السورية، فضم كلاً من معاون وزير الداخلية العميد زياد العايش، ونائب مدير مكتب أميركا في وزارة الخارجية محمد قناطري، ومدير الأمن الداخلي لمحافظة حلب عبد الغني محمد، ومسؤول ملف عفرين في الأمن الداخلي السوري مسعود بطال.
“مفاوضات إيجابية”
في تصريحات لـ”الشرق”، أكد الناطق باسم وفد “الإدارة الذاتية” ياسر سليمان أن “هذه الجولة من المفاوضات كانت إيجابية، وتم خلالها الاتفاق على عقد جولات أخرى في الأيام القادمة، بعد فترة عطلة عيد الأضحى، من دون تحديد يوم محدد حتى الآن”، لافتاً إلى أنه تم الاتفاق على عقد “اجتماعات جديدة في القريب العاجل لاستكمال ومتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه”.
وأوضح سليمان أنه تم التطرق خلال الاجتماع إلى “موضوع الإسراع في تشكيل لجان فرعية من أجل تمكينها من عقد جلساتها لبحث تطبيق بنود وآليات الاتفاق الموقع بين الشرع وعبدي، وبحث آليات عودة المهجرين إلى مناطقهم، والعمل على إزالة المعوقات التي تعيق العودة، مع إعادة تفعيل ملف حيي الأشرفية والشيخ مقصود، والسعي إلى معالجته بما يخدم الاستقرار والسلم الأهلي”.
وأضاف أن “الطرفين أكدا التزامهما بالحوار البناء والتعاون المستمر، بما يصب في خدمة وحدة سوريا وسيادتها، وتحقيق تطلعات الشعب السوري في الأمن والاستقرار”.
وكان وفد من الرئاسة السورية وممثلي مجلس حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، وقعا في أبريل الماضي اتفاقاً ينص على إبقاء المؤسسات الأمنية والعسكرية في الحيين إلى حين الوصول إلى حل مستدام، مع المحافظة على المؤسسات الخدمية والإدارية والتعليمية والبلديات والمجالس القائمة، وانسحاب القوات العسكرية التابعة لـ”قسد” بأسلحتها من منطقة شرق الفرات، وحظر المظاهر المسلحة، وحصر السلاح بيد قوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية، التي ستكون مسؤولة عن حماية سكان الحيين، ومنع أي اعتداءات، والعمل على تبادل الأسرى بين الطرفين.
وبالفعل تم انسحاب مجموعتين من مقاتلي “وحدات حماية الشعب” (الأسايش) الكردية باتجاه منطقة الطبقة في محافظة الحسكة، مع تبادل دفعة من المعتقلين لدى الطرفين، وتأسيس حواجز مشتركة بين الأمن العام السوري و”الأسايش”.
لكن تعثر تطبيق المرحلة الثانية لتبادل الأسرى بين الطرفين بعد اتهام “الإدارة الذاتية” في حيي الشيخ مقصود والأشرفية للحكومة السورية برفض إخراج مقاتلات “وحدات حماية المرأة” اللاتي تم أسرهن من قبل “فصائل الجيش الوطني” المدعوم من تركيا خلال معارك سد تشرين التي اندلعت بعد سقوط نظام الأسد.
“توافق على ملفات مهمة”
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن العميد زياد العايش، عضو اللجنة المختصة بإتمام المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية، أن الاجتماع عُقد “في أجواء إيجابية اتسمت بروح المسؤولية والحرص المتبادل على المصلحة الوطنية”، مبيناً أنه تم “التوافق على عدد من الملفات المهمة أبرزها تشكيل لجان فرعية تخصصية لمتابعة تنفيذ اتفاق 10 مارس، والسعي لحل المشاكل العالقة في ملف الامتحانات والمراكز الامتحانية، بما يضمن حقوق الطلاب وسلامة العملية التربوية، بالإضافة إلى بحث آليات تسهيل عودة المهجرين إلى مناطقهم، والعمل على إزالة المعوقات التي تعيق هذه العودة”.
أزمة الامتحانات
في حديثه لـ”الشرق”، كشف الناطق باسم وفد “الإدارة الذاتية” ياسر سليمان، أن الاجتماع شهد “التوافق على البحث في العوائق التي تحول دون تمكين طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي من أداء امتحاناتهم في مناطق شمال وشرق سوريا في مناطقهم، والعمل على إزالة هذه العوائق على وجه السرعة”.
ويُعاني أكثر من 25 ألف طالب بشهادات التعليم الأساسي والثانوي من عدم وجود مراكز حكومية لأداء امتحاناتهم في المحافظة، بسبب إغلاق كافة المدارس الحكومية المقدر عددها بنحو 200 مدرسة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي.
وهناك خلافات بين وزارة التربية السورية و”هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية” على طريقة إدارة هذه المدارس والمناهج التي من المفترض أن يتم تدريسها، في ظل وجود مناهج مغايرة منذ أكثر من 10 سنوات.
وكان وزير التربية السوري محمد تركو عقد قبل نحو شهرين اجتماعاً مع ممثلين عن “هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية”، ووعد بإيجاد حلول تمكن كافة الطلاب في سوريا من أداء امتحاناتهم في محافظاتهم من دون الاضطرار للسفر إلى محافظات أخرى، إلا أن “هيئة التربية في الإدارة الذاتية” قالت إن “قرار الوزير متوقف على موافقة هيئة الشؤون السياسية في البلاد، والتي لم تبت حتى الآن في مصير الطلاب”، مؤكدة “أنها قد تضطر لتنظيم الامتحانات في مناطقها، من دون إشراف من الوزارة”.
خلافات متراكمة
وزار وفد من الحكومة السورية الأسبوع الماضي مخيم الهول في محافظة الحسكة، والتقى بحضور ممثلين عن التحالف الدولي مع وفد من “الإدارة الذاتية” لبحث آليات عودة السوريين القاطنين في مخيم الهول إلى مناطقهم، وسط معلومات عن التوافق على آلية مشتركة لإعادتهم.
وكان وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، أكد السبت أن “الحكومة السورية التزمت بالاتفاق مع قسد، وننتظر الإيفاء من الجانب الآخر”.
بدوره، قال القيادي في الإدارة الذاتية بدران جيا كرد إن هناك “قضايا وملفات كثيرة على طاولة المفاوضات مع دمشق، أبرزها المشاركة الفعلية لمكونات شمال وشرق سوريا في المرحلة الانتقالية، وكذلك تعديل الإعلان الدستوري المؤقت، واللامركزية كمطلب أساسي”.
واعتبر في تصريحات سابقة لـ”الشرق”، أن “تحقيق هذه النقاط سيكون بمثابة خطوة في اتجاه بناء الثقة، والنية الحسنة وضمانة للعملية التفاوضية”.
وفي وقت سابق، كشف موقع “المونيتور” الأميركي نقلاً عن مصدرين مطلعين أن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، أجرى محادثة هاتفية من دمشق مع القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، وطمأنه بشأن استمرار الدعم الأميركي في قتال تنظيم “داعش”، وحثه على مواصلة المحادثات لتخفيف التصعيد بين “قسد” وتركيا.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لـ”قسد” وقعا اتفاقاً في 10 مارس الماضي، يتألف من 8 بنود، أهمها ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة، بغض النظر عن الخلفيات الدينية والعرقية، والتأكيد على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية وتضمن الدولة حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية، مع وقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية.
كما شمل الاتفاق دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، وضمان عودة المهجرين، ودعم الدولة السورية في مكافحة “فلول الأسد”، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية، مع ضمان تطبيقه بما لا يتجاوز نهاية العام الجاري.