دوافع التصعيد الإسرائيلي في سوريا

خالد الجرعتلي | هاني العبد الله
صارت التحركات الإسرائيلية في الأراضي السورية حدثًا يوميًا منذ سقوط النظام السوري في 8 من كانون الأول 2024، بمبررات مختلفة، إذ بدأت إسرائيل التوغل وتدمير ترسانة جيش النظام المخلوع العسكرية، بزعم خوفها من وقوعها في أيدي متطرفين، وفق ما كانت تقوله إسرائيل.
ومع مرور الوقت، كان ما يحدث في سوريا ضبابيًا بالنسبة لمراكز صنع القرار في إسرائيل، واقتصرت مبررات التدخل على تدمير أسلحة، ومصادرة أخرى كان يستخدمها النظام في المنطقة المنزوعة السلاح بالقرب من محافظة القنيطرة.
وفي شباط الماضي، بدأت مبررات إسرائيل للتدخل في سوريا تأخذ منحى عدائيًا أكثر، إذ قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في 25 من شباط، إن الحكومة السورية الجديدة “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة”، معربة عن استعدادها لحماية الأقليات الدينية في البلاد.
وتحولت تباعًا لتتركز حول قلق إسرائيل من النفوذ التركي المتنامي على الساحة السورية، وهو ما اعتبره مراقبون تصعيدًا قد يمتد لفترة طويلة.
وبينما تستمر وتيرة التحركات الإسرائيلية في التصاعد، يبدو أن السلطات السورية لا تحمل الكثير في جعبتها لإيقاف تحركات الجيش الإسرائيلي، في وقت تزداد فيه حدة الضربات بمختلف المحافظات.
زاد في الأمر تزايد مخاوف إسرائيل من الانتشار التركي المتوقع في قواعد عسكرية داخل سوريا، بموجب اتفاقيات مع السلطات الجديدة.
تناقش في هذا الملف مسوغات التحركات الإسرائيلية في سوريا، وتأثير قرب الحكومة السورية الجديدة من تركيا على هذا التصعيد، واعتباره مسوّغًا لتحركات إسرائيل في سوريا، والخيارات السورية أمام استقطاب بين الشمال والجنوب علقت المصلحة السورية فيه.
تنافس تركي- إسرائيلي
تخطط تركيا لإنشاء قواعد عسكرية متعددة، مستفيدة من البنية التحتية للمطارات السورية في منطقة تدمر، حيث يقع مطارا “تدمر” و”T4″، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية، ولم تؤكده الحكومة التركية.
مركز “ألما” الإسرائيلي للأبحاث نشر، في 25 من آذار الماضي، تقريرًا قال فيه إن معلومات متكررة وردت من سوريا بشأن حوادث جوية شملت احتكاكًا بين طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والتركي، لافتًا إلى أن هذه الحوادث، وإن لم يؤكدها أي من الجانبين، قد تعتبر “دليلًا إضافيًا على التهديد الذي تشكله تركيا على إسرائيل”.
وأضاف أنه على غرار الفترة التي كان فيها انتشار روسي كبير في سوريا، فإن الأتراك يمكن أن يتخذوا مجموعة متنوعة من التدابير الانتقامية إلى جانب إرسال طائراتهم ضد الطائرات الإسرائيلية، وقد تشمل هذه الإجراءات تزويد السوريين بمعلومات استخباراتية مسبقة عن النيات الإسرائيلية، ونشر تفاصيل الأنشطة الإسرائيلية، ونقل الأسلحة التقليدية المتقدمة إلى السوريين (مع التركيز على أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والطائرات دون طيار وأكثر من ذلك).
ويعتقد المركز أن إسرائيل ستعرف كيفية العمل عسكريًا في سوريا حسب الحاجة، حتى في ظل وجود القوات التركية، كما فعلت خلال الوجود الروسي، وقد يتطلب هذا من إسرائيل بذل جهود استخباراتية أكبر لتجنب الاحتكاك مع القوات التركية، ويتطلب تحسين إدارة المخاطر والاستعداد للردود التركية المحتملة.
ولم يستبعد أن تتفوق المصالح الأمنية المشتركة للطرفين على التوترات السياسية الكبيرة، وقد تنشأ آلية تنسيق عسكري، مماثلة لتلك التي أُنشئت مع القوات الروسية الموجودة في سوريا.
ووفق ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن مصدر أمني لم تسمِّه، في 31 من آذار الماضي، فإن إنشاء قاعدة جوية تركية في سوريا، من شأنه أن يقوض حرية عمل إسرائيل، معتبرًا أنه “تهديد محتمل”.
وبحسب الصحيفة، أجرت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية، عدة مناقشات تتعلق بمخاوف من تعمق التدخل التركي في سوريا.

آلاف يشيعون ضحايا القصف الإسرائيلي في مدينة نوى بدرعا – 3 من نيسان 2025 (محمد الضاهر/فيس بوك)
النفوذ التركي يستفز إسرائيل
لم تقتصر الجغرافيا السورية على كونها بريد رسائل إسرائيلي لتركيا، إذ لعبت أنقرة هذا الدور أيضًا، وفق ما يعتقده الصحفي السوري ماجد عبد النور، الذي قال إن تركيا تبعث رسائل مفادها أنها تسعى لبناء نفوذ قوي في سوريا، كجس نبض للموقف الإسرائيلي، لكن التصريحات التركية المتكررة كالحديث عن ترسيم الحدود مع سوريا مثلًا، وزيارات مسؤوليها إلى سوريا تستفز تل أبيب.
وقال عبد النور ل، إنه بالنسبة لإسرائيل، فإن تركيا مثل إيران، فهي لن تستبدل إسلامًا سياسيًا شيعيًا بإسلام سياسي سني، لذلك لن تسمح تل أبيب لأنقرة بالتمدد وتقوية نفوذها أكثر في سوريا، ما يعني أن إسرائيل ستستمر بالتصعيد في سوريا، طالما أن هناك نية تركية بزيادة نفوذها في المنطقة، وسيبقى السوريون هم من يدفع الثمن.
وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قال لوكالة “رويترز”، إن تركيا لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا، مضيفًا، “إذا أرادت دمشق التوصل إلى تفاهمات معينة مع إسرائيل فهذا شأنها”.
من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد عطاونة، مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أن النفوذ التركي في سوريا الذي يشكل هاجسًا لإسرائيل، هو النقطة الأكثر حرجًا في المشهد، خصوصًا أن لا رغبة إسرائيلية أو تركية في مواجهة مباشرة، كما أن إسرائيل تدرك أن تركيا دولة كبيرة وقوية، وهي أيضًا عضو في حلف “الناتو”، وبالتالي المواجهة معها ليست سهلة أبدًا.
وقال عطاونة ل، إن إسرائيل تحاول رسم حدود لمستوى الوجود التركي في سوريا من وجهة نظرها، وبالتالي تريد إيصال رسالة لأنقرة، مفادها أنها لن تسمح لها بالسيطرة على كامل التراب السوري أو أن يكون لها نفوذ في كامل سوريا.
ولفت المحلل السياسي إلى أن تركيا مصرة على خطواتها في سوريا، وبالتالي لن تفلح استراتيجية إسرائيل أمامها، مشيرًا إلى أن أنقرة تنظر إلى انتشارها في سوريا كجزء من أمنها القومي، وتصر أيضًا على فكرة استقرار سوريا موحدة تحت حكم مركزي، وهو مطلب استراتيجي مهم لتركيا نظرًا لأن أي تقسيم في سوريا سينعكس بالتأكيد على تركيا.
عطاونة قال أيضًا، إن الموقف الإقليمي والدولي يمكن أن يساند تركيا في فرض استقرار بسوريا، ولذلك قد تكون إسرائيل تلعب في الوقت الضائع أو في الوقت الأخير، ولن تتمكن من فرض إرادتها في سوريا.
صراع الحدود
أفضت العمليات العسكرية لـ”غرفة عمليات ردع العدوان” إلى إسقاط النظام السوري نهاية عام 2024، لكن نتائجها لم تقتصر على ذلك، إنما أدت إلى إنهاء نفوذ إيران في سوريا، وفتح الساحة السورية على عهد جديد وتحالفات جديدة.
ومنذ سقوط النظام عادت، سفارات عديدة لفتح أبوابها في دمشق، بعد نحو 13 عامًا على غيابها، كان أبرزها وأولاها تركيا وقطر.
وبعد هزيمة المشروع الإيراني داخل سوريا وانفتاح البلاد على عهد جديد، ظهر دعم واضح جدًا من المحور التركي الخليجي للحكومة المؤقتة، وكان هذا الدعم مترافقًا بشيء من النفوذ التركي في الشمال السوري، بناء على مخاوف تركية من قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية، وفق ما يراه الباحث السياسي جمال الشوفي.
الباحث ربط رغبة تركيا بمد نفوذها داخل سوريا بقلق الحدود، إذ اعتبر أن الشمال السوري يهدد تركيا بقيام دولة كردية، قد تمتد لداخل أراضيها في حال لم تتحرك ضدها، لافتًا إلى أن إسرائيل أيضًا تتحرك بناء على القلق نفسه.
وقال الشوفي ل، إن هناك استقطابًا بين الشمال والجنوب تقوده تركيا وإسرائيل.
ولفت إلى أن القلق التركي واضح المعالم حتى اليوم، خصوصًا أن الوضع الأمني في سوريا لم يستقر بعد، لكن في الجنوب تسعى إسرائيل للاستثمار في ضعف الدولة السورية الناشئة بالوقت الحالي، وأعلنت بناء على رغبتها هذه عن فض اتفاقية “فض الاشتباك” الموقعة عام 1974، وتوغلت داخل بعض قرى القنيطرة، في محاولة منها لترسيم الحدود مرة أخرى بمعاهدة دولية جديدة.
واعتبر الشوفي أن إسرائيل تسعى للاستثمار بموضوع الأقليات الدينية، لافتًا إلى أن هذا هو الاستثمار السيئ الذي يقوض محاولة الاستقرار.
الباحث أضاف ل أنه بالمقابل، هناك موضوعات أخرى تتعلق بتركيا وترسيم حدودها، لكن النقطة المهمة هي ضرورة تمسك سوريا بالعمق العربي الذي يعتبر الأوضح والأفضل للبقاء بعيدًا عن خطر الاستثمار الإسرائيلي بالداخل السوري، خصوصًا أن إسرائيل لا تريد سوى ترسيم حدودها بمعاهدة دولية جديدة، مستبعدًا أن تكون إسرائيل تبحث عن توغل بري، بل تحاول الهيمنة التقنية والمادية على دول الجوار.
مخاوف تركيا في الشمال السوري أساسًا هي من قيام دولة كردية على حدودها، وهذا جزء من الاستقطاب بين الشمال والجنوب، بينما تبحث إسرائيل جنوبًا عن الاستثمار في ضعف الدولة السورية الناشئة بالوقت الحالي، وأعلنت بسبب ذلك عن فض اتفاقية 1974 في بعض قرى القنيطرة، بهدف محاولة ترسيم الحدود مرة أخرى بمعاهدة دولية جديدة.
جمال الشوفي
باحث سياسي


عناصر من الجيش الإسرائيلي في سوريا – 9 كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي)
لم تكن تركيا حجة إسرائيل الأولى في سوريا، إذ توغلت في الجنوب السوري بحثًا عن معدات عسكرية، وأعلنت مصادرة عدد منها، ثم ضربت مواقع عسكرية قالت إنها تحوي مخازن أسلحة للنظام السابق، إلى جانب غارات أخرى قالت إنها ضربت مجموعات مرتبطة بجماعات فلسطينية.
الاستناد إلى الوجود التركي في سوريا جاء مؤخرًا بعد حديث تركي عن توقيع اتفاقيات عسكرية مع سوريا، رغم أن تركيا قالت إنها لا تبحث عن صدام مع إسرائيل في سوريا.
مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أحمد عطاونة، يرى أن إسرائيل تمارس ذات السياسة التي اتبعتها منذ زمن بعيد تجاه كل الدول التي يمكن أن تؤثر جديًا في المنطقة، ويمكن أن يكون أثرها مخلًا بتوازن القوى.
وقال عطاونة ل، إن إسرائيل تعلم القيمة الجيواستراتيجية لسوريا، وتعلم تاريخها وموقفها من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي- الإسرائيلي، وبالتالي تستمر في إحداث الفوضى والضغط العسكري والأمني على سوريا بوصفها دولة محورية ومركزية في المنطقة.
وأضاف أنه بعد التغيير الكبير الذي حدث في سوريا وسقوط النظام، باتت إسرائيل تنظر بعين الشك للحكم الجديد في سوريا بوصفه حكمًا اسلاميًا لديه مواقف أيديولوجية ومبدئية تجاه إسرائيل، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبناء عليه، هي ليست مطمئنة ولا ترغب بأن تستقر سوريا موحدة تحت هذا النظام.
وتعتقد إسرائيل اليوم أنها في مرحلة تعيد فيها بناء التوازن العسكري أو الردع الإسرائيلي على مستوى المنطقة، في لبنان وفي سوريا وفلسطين والعراق وكل دول المنطقة، وفق عطاونة، وبالتالي تعتقد أن ممارساتها تعزز من سياسة الردع في المنطقة.
وأشار المحلل السياسي إلى مخاوف إسرائيل من النفوذ التركي المتزايد في سوريا، لافتًا إلى أن إسرائيل تنظر إليه على أنه “نفوذ سني” يمهد لإعادة بناء قوة سنية كبيرة في المنطقة، وهو ما يشكل خطرًا على وجودها.
إسرائيل متخوفة بشكل كبير جدًا من النفوذ التركي، وما تعتقد بأنه نفوذ سني في سوريا، وبالتالي إعادة بناء قوة سنية كبيرة في المنطقة بالنسبة لها تشكل خطرًا على وجودها.
الدكتور أحمد عطاونة
مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية” ومحلل سياسي
وقال عطاونة ل، إن إسرائيل تهدف من تصعيدها العسكري الخشن في سوريا إلى الضغط باتجاه عدم السماح بوجود سوريا موحدة، على أمل أن تسهم في التقسيم استنادًا إلى الأقليات والإثنيات والقوميات المختلفة، وتفصح عن ذلك بصراحة من خلال حديثها عن الدروز السوريين والكرد والعلويين.
رسائل أخرى وراء التصعيد
الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، يرى أن التصعيد الإسرائيلي على سوريا، ليس لاستهداف مواقع أمنية تابعة للنظام المخلوع كما تدّعي، بل لإيصال رسائل غير مباشرة، وتقويض القدرة العسكرية للدولة السورية، وخلق البيئة التي تؤمّن عدم الاستقرار، بالتزامن مع تحركاتها مع الأقليات ومحاولة استمالة الدروز في الجنوب لصفها.
وقال شعبان ل، إن زيادة التصعيد سببه كذلك تغيّر المنظومة التي كانت تتعامل مع إسرائيل، فخلال حكم الأسد، كان هناك تهديد أمني على تل أبيب متمثل بإيران، وكانت إسرائيل تتعامل مع هذا التهديد بطريقة أمنية، عبر قصف كل فترة يستهدف أي تحركات مشبوهة لإيران داخل سوريا.
وكانت إسرائيل قادرة على ضبط الأمور الأمنية في سوريا بوجود نظام الأسد سابقًا، وفق شعبان، سواء عن طريق توازنات واتفاقات غير معلنة مع الروس، أو عن طريق تسريب مخابرات الأسد معلومات لإسرائيل عن المواقع الإيرانية في سوريا، بينما أدى تغيّر الحكم في سوريا إلى خلق حكومة جديدة مستقلة تحاول أن تبني سيادتها، وفق شعبان.
ولفت الباحث إلى أن أدوات إسرائيل السابقة اختلفت، إضافة إلى أن الحلفاء الجدد للحكومة السورية، ومنهم تركيا التي يعتبر تهديدها على إسرائيل ليس أمنيًا وإنما بنيوي واستراتيجي، باتت تشكل خطرً كبيرًا على الاستراتيجية التي تتبعها ما بعد 7 من تشرين الأول 2023، وهذه كلها أمور تفسر سبب التصعيد الإسرائيلي على سوريا، وفق نوار شعبان.
أدوات إسرائيل السابقة اختلفت، كما أن الحلفاء الجدد للحكومة السورية، ومنهم تركيا التي يعتبر تهديدها على إسرائيل ليس أمنيًا وإنما بنيوي واستراتيجي، باتت تشكل خطرً كبيرًا على الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل ما بعد طوفان الأقصى، وهذه أمور كلها تفسر سبب التصعيد الإسرائيلي على سوريا.
نوار شعبان
باحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”


دخو ل قوات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة على الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)دخو ل قوات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة على الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
في 28 من شباط الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة أن إسرائيل تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولا مركزية”، مع السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية على الساحل السوري لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا.
وبينما لم تبدِ أمريكا أي رد فعل تجاه سلوك إسرائيل في سوريا، توقع مسؤولون أمريكيون أن تنشأ علاقات بين إسرائيل ودمشق، دون الإشارة إلى كيفية تحقيق ذلك.
ويعتقد الباحث المتخصص في الشأن السياسي نادر الخليل، أن إسرائيل تستند خلال تحركاتها في سوريا إلى دعم أمريكي على الصعيدين السياسي والعسكري، ما يمنحها حرية أكبر في التحرك داخل سوريا.
وقال الباحث ل، إن ضعف الدولة السورية أحد ارتكازات إسرائيل في سلوكها داخل الأراضي السورية، إذ تستغل حالة الضعف التي تعاني منها سوريا منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ما يتيح لها تنفيذ ضربات جوية واستهداف مواقع تعتبرها تهديدًا لها، لتمنع وجود أو إنشاء أي قواعد ومعدات عسكرية تشكل تهديدًا مستقبليًا لهيمنتها.
وتحاول إسرائيل أيضًا تقديم نفسها كحامية لبعض الأقليات الدينية في سوريا مثل الدروز، وتعبر عن ذلك علنًا على أنه مبرر يمنحها الحق للتدخل في بعض المناطق السورية.
من جانبه، اعتبر الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، أن إسرائيل تعتمد على موجِّهات داخلية بلورتها بعد عملية “طوفان الأقصى” في تشرين الأول 2023، وهي “ضرورة عدم وجود قوى مناوئة لها في محيطها الحيوي”.
طلاع قال ل، إن هذه الاستراتيجية تشمل لبنان وجنوبي سوريا، وعدم جعل أي قوى جديدة تمتلك حتى القدرة الفنية على تشكيل منظومة دفاع وليس فقط منظومة هجوم، وتحاول بذلك أن تجعل هذه المنظومة ضعيفة لا تمتلك أي مقومات للرد، لأن إسرائيل تنظر إلى ما تعرضت له عام 2023 على أنه خرق أمني استراتيجي لم تتعرض له منذ 2008، وبالتالي هي تحتاج إلى آلية ردع جديدة.
ولفت إلى أن جل موظفي الإدارة الأمريكية في إدارة ترامب يتفقون على ضرورة دعم إسرائيل، وأيضًا على عدم محاباة “الإسلام السياسي”، لذلك هي اليوم تحاول استغلال فرصة الوقت الضائع وتثبيت قواعد جديدة للتعاطي مع هذا المشهد.
خيارات سوريا محدودة
الخارجية السورية أصدرت عدة بيانات أدانت فيها الهجمات الإسرائيلية على سوريا.
وعقب القصف الإسرائيلي على مطار حماة ومواقع أخرى، قالت الخارجية السورية، إن هذا التصعيد غير المبرر هو محاولة متعمدة لزعزعة استقرار سوريا وإطالة معاناة شعبها، وتقويض جهود التعافي وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.
في ظل تواصل التصعيد الإسرائيلي عقب سقوط النظام، قال الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستمسون” بواشنطن عامر السبايلة، إن الخيارات أمام الحكومة السورية ضيقة جدًا، فهذه الحكومة ما زالت في مرحلة إعادة التأهيل، وتواجه تحديات على مستوى اتخاذ القرارات داخليًا، أو على مستوى بناء العلاقات الخارجية والحصول على الاعتراف الدولي.
وأضاف السبايلة، “بالنسبة للوضع الحالي، أعتقد أنه ليس هناك قدرة لدمشق على المواجهة العسكرية مع تل أبيب، أي بمعنى حرب تقليدية، ولا حتى على المناورة الدبلوماسية على الصعيد الدولي”.
الخيارات أمام الحكومة السورية ضيقة جدًا، فهذه الحكومة ما زالت في مرحلة إعادة التأهيل، وتواجه تحديات على مستوى اتخاذ القرارات داخليًا، أو على مستوى بناء العلاقات الخارجية والحصول على الاعتراف الدولي.
عامر السبايلة
خبير استراتيجي وباحث غير مقيم في معهد “ستمسون” بواشنطن
أمام هذا الواقع، يرى السبايلة أنه ليس أمام الحكومة السورية سوى محاولة التفاهم مع الإدارة الأمريكية، وهو ما سيتم العمل عليه خلال زيارة أحمد الشرع إلى السعودية واحتمالات لقائه مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبالتالي عندها يمكن البدء بالحديث عن إعادة تشكيل هذا المشهد.
كانت قناة “i24” الإسرائيلية قالت، إن الرئيس الأمريكي ترامب سيلتقي الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته المرتقبة للسعودية منتصف أيار المقبل.
وبحسب القناة، تم ترتيب اللقاء المرتقب بوساطة شخصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
الصحفي ماجد عبد النور، تحدث كذلك عن أن الحكومة السورية ضعيفة وهشة، والخيارات جدًا ضيقة لديها للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي، وليس أمامها إلا العمل الدبلوماسي، مشيرًا إلى أن على تركيا أن تدرك أن الحكومة الوليدة في دمشق ليست لديها من الرفاهية السياسية والدبلوماسية ما يجعلها تدفع ثمن السلوكيات التركية التي تزعج إسرائيل.
وأضاف عبد النور أن أمريكا ما زالت مترددة بالاعتراف بالحكومة السورية، والاتحاد الأوروبي لا يؤثر على إسرائيل رغم انفتاحه على دمشق، وبالتالي العرب هم الوحيدون القادرون على التأثير على إسرائيل، لكن ليس هناك حتى الآن أي موقف ملموس، وتكتفي تلك الدول بالإدانات.
بدوره، قال نوار شعبان، إن على الحكومة السورية اللجوء إلى المجتمع الدولي بشكل متواصل دون ملل، وتوثيق الانتهاكات وإصدار البيانات بوقتها، إضافة إلى الاهتمام بالحاضنة الشعبية التي تتأثر بالتصعيد الإسرائيلي، عبر تقديم مساعدات مادية وتعويضات عن الأضرار إلى جانب التضامن المعنوي.
أما موضوع التصدي عسكريًا، فهذا غير متاح، فليس لدى الحكومة الحالية القدرة على فتح جبهة مع إسرائيل التي زادت شراسة بعد تشرين الأول 2023، حيث دمرت “حزب الله” اللبناني، وأنهت قيادات “حماس” و”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا ولبنان، وارتكبت مجازر في غزة، وفق شعبان.


وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
ثمة العديد من السيناريوهات المطروحة على الطاولة كنتيجة للتصعيد الحاصل على الساحة السورية، يعتقد مراقبون أنها حتمية ما لم يطرأ حدث يغير مسار الأحداث في الميدان، خصوصًا أن المناخ الدولي مُهيأ للتصعيد منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، ولبنان، ووصولها إلى حرب أمريكية على اليمن مؤخرًا.
وربط الباحث معن طلاع الأحداث الحاصلة بثلاثة سيناريوهات متوقعة، الأول مرتبط بتعثر حكومة دمشق، وبالتالي تحويل إسرائيل النقاط العسكرية الموجودة في الجنوب السوري إلى قواعد استراتيجية، خاصة بعدما شهدت هذه النقاط توغلات وتدمير بعض مخازن الأسلحة وحتى منظومات الدفاع فيها.
ويرتبط السيناريو الثاني بالصعيد الدبلوماسي، إذ قال طلاع ل، إن التحركات الإسرائيلية في سوريا قد تتوقف في حال توصلت الأطراف لاتفاق مع القوى الإقليمية لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، تضمن عدم ملء الفراغ الإيراني بأي قوة مناوئة لإسرائيل، وبالتالي محاولة إقامة ترتيبات وتفاهمات أمنية، يمكن أن تكون بدأت بالفعل، وهناك مؤشرات على ذلك، بهدف إفراز قواعد جديدة لمسار الأحداث، لكن ذلك سيحتاج إلى فترة زمنية طويلة.
ولفت طلاع إلى أن السيناريو الثالث هو أن تكون إسرائيل تستعد لـ”سيناريو الحرب الأهلية” في سوريا، وبالتالي انفلات القدرة على السيطرة على الحدود وغيرها من المخازن، مثل مخزون سلاح استراتيجي لا سيما السلاح الكيماوي أو بقاياه، وبالتالي ترى إسرائيل أنها يجب أن تكون متقدمة جدًا في المسألة السورية على المدى المنظور.
هل يستمر التصعيد؟
يعتبر المناخ الإقليمي الحالي ملائمًا للتصعيد بالنسبة لإسرائيل تجاه سوريا إلى أن يتحقق أمران، أولًا ضمان تحييد الجغرافيا التي تريدها، والثاني تحقيق توافقات سياسية، وفق ما يراه الباحث عامر السبايلة.
السبايلة قال ل، إنه طالما أن المنطقة تتحضر لتصعيد مع إيران، فهذا يعني أن هذه الجغرافيا بالنسبة لإسرائيل يجب عزلها تمامًا عن أي محاولة لاستهداف تل أبيب من خلالها، ما يعني أن سوريا ستبقى محطة للهجمات الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة.
من جهته، قال الباحث نوار شعبان، إن الاستهدافات الإسرائيلية لم تعد في سياق الضربات لأغراض أمنية، وإنما هي بسياق ضربات لتوجيه رسائل غير مباشرة، لتقويض أي تحرك عسكري يمكن أن يزعج إسرائيل.
ولفت شعبان إلى أن المشكلة هي في إسرائيل حاليًا، فهي تستهدف أي تحرك تعتقد أنه يهدد مصالحها، لكبح هذا التهديد الأمني أو إيصال رسالة من خلال هذا الاستهداف، وبالتالي لا يمكن التكهن بجدول زمني لتوقف تلك الضربات.
الباحث نادر الخليل قال من جانبه، إن التنافس التركي- الإسرائيلي في سوريا يعكس تضارب المصالح الاستراتيجية بين الطرفين، فبينما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، تعمل إسرائيل على حماية أمنها القومي وضمان حرية عملياتها العسكرية.
واعتبر أن التصعيد المباشر بين الطرفين قد يكون مكلفًا، لذا من المرجح أن يستمر التنافس في إطار غير مباشر، مع تدخلات محدودة من كلا الجانبين.
لا بد من العمل والتركيز على أهمية الحوار والتفاهم لتجنب المزيد من الصراعات التي يدفع ثمنها الشعب السوري، والحل الوحيد لتجنب تصعيد خطير يكمن في تعزيز الجهود الدولية لإيجاد تسوية سياسية شاملة في سوريا، وضبط التدخلات الخارجية بما يضمن احترام السيادة السورية.
نادر الخليل
باحث متخصص في الشأن السياسي
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي