قال مسؤولون عرب وأميركيون وإسرائيليون إن دولاً عربية تعارض اقتراحاً مدعوماً من الولايات المتحدة لإعادة بناء ما يوصف بأنه “غزة الجديدة” في النصف الذي تسيطر عليه إسرائيل، فيما تخشى تلك الدول أن يكون مخططاً لتقسيم طويل الأمد للأراضي الفلسطينية، بحسب صحيفة “فايننشيال تايمز”.
ومنذ أن دخل وقف إطلاق النار، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، في أكتوبر، تم تقسيم غزة بما يسمى “الخط الأصفر”، حيث احتلت القوات الإسرائيلية جانباً، وسيطرت حماس فعلياً على الجانب الآخر، حيث توجد الغالبية العظمى من الفلسطينيين حالياً.
وكان حجم الدمار، الذي أحدثته إسرائيل في غزة على مدار عامين، سبباً رئيسياً لجعل إعادة بناء القطاع أولوية لدى دول عربية وغربية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين استبعادهم السماح بتدفق أموال إعادة الإعمار إلى المناطق التي تسيطر عليها حماس، لكن العديد من القائمين على الملف، بمن فيهم صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، طرحوا فكرة البدء في إعادة بناء الجانب الذي تسيطر عليه إسرائيل، بحجة أنه يمكن أن يقدم للفلسطينيين بديلاً إيجابياً لحركة حماس.
وأثارت هذه الخطة قلق دول عربية وإسلامية وأوروبية، ونقلت مخاوفها إلى الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي عربي قوله: “هناك صدام قادم حول هذا الأمر بين الفلسطينيين والمصريين وغيرهم الكثيرين والقطريين والأتراك والولايات المتحدة وإسرائيل إذا استمرت الولايات المتحدة في دعم وجهة النظر الإسرائيلية حول هذا الموضوع، وهو أمر مشين تماماً”.
وقال مسؤولون أميركيون إن الفكرة تسمح بإعادة إعمار القطاع المدمر، وتسمح بإنشاء “غزة الجديدة” منزوعة السلاح والتي لن تشكل تهديداً لإسرائيل، وتثبت أنها أكثر جاذبية للفلسطينيين.
وكان كوشنر، الذي يوصف بأنه “أحد المهندسين الرئيسيين لخطة ترمب المكونة من 20 نقطة”، قال في أكتوبر إن “هناك أمور يتم وضعها في الاعتبار الآن بشأن المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في غزة، طالما أنه يمكن تأمينها، لبدء بناء ‘غزة الجديدة’، من أجل منح الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة مكاناً يذهبون إليه، ويحصلون فيه على وظائف، ليعيشوا فيه”.
وقال مسؤول إسرائيلي إن الحديث يجري عن فكرة واحدة من بين عدة خيارات قيد المناقشة.
مخاوف عربية
ومع ذلك، فإن العديد من جوانب الخطة ذات المستويين – التي قال محللون إنها تتطلب ترتيبات أمنية مكثفة لتطبيقها – أثارت قلق دول عربية.
بحسب الصحيفة، يكمن أبرز بواعث القلق العربي أنه على الرغم من أن “الخط الأصفر” في خطة ترمب للسلام مجرد حدود مؤقتة، من المقرر أن يختفي مع انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، لكن ثمة مخاوف من أن يصبح هذا التقسيم “دائماً”.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال في مؤتمر، هذا الشهر: “لا يمكننا أن نحصل غزة ممزقة، لأن غزة جزء من الأراضي الفلسطينية”، مضيفا أن العامل الحاسم يتمثل في تحديد جدول زمني لانسحاب إسرائيل من القطاع الفلسطيني.
ونقلت “فايننشال تايمز” عن دبلوماسي عربي آخر قوله: “سيكون المشهد الظاهر كارثياً.. سيبدو الأمر وكأننا نبني لإسرائيل وليس للفلسطينيين”، وأضاف: “لا نريد أن تصبح غزة نوعاً من حالة اللا يقين بين الحرب والسلام، فيصبح الوضع الحالي هو الوضع القائم”.
وقال الدبلوماسي إنه لن تقدم أي دولة عربية أموالاً للبناء على هذا الأساس (تقسيم غزة)، مضيفاً: “قلنا ذلك بشكل جماعي”.
احتمال التهجير يقلق مصر
وبموجب خطة ترمب المكونة من 20 نقطة، من المفترض أن تنسحب إسرائيل من غزة على مراحل مع انتشار قوة دولية لتحقيق الاستقرار في القطاع، لكن حجم القوة وصلاحياتها والمساهمين فيها لا تزال أموراً غير واضحة.
وتذكر الصحيفة أن القضية الثانية، التي أثارت قلقاً في مصر على نحو خاص، هي إمكانية أن يتم تجريب إعادة الإعمار في رفح جنوب غزة، بجوار الحدود مع مصر.
ونقلت عن دبلوماسي آخر قوله إن تركيز سكان غزة في هذه المنطقة سيسهل على إسرائيل محاولة تهجير الفلسطينيين إلى مصر، إذا قررت القيام بذلك.
وكان وزراء متطرفون في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا يزالون، يرددون مراراً وتكراراً الدعوة إلى تهجير سكان غزة من القطاع، بل أن ترمب نفسه روج لخطة، تخلي عنها لاحقاً، “لإعادة توطين” الفلسطينيين وإنشاء “ريفييرا غزة”.
تشكيك إسرائيلي في واقعية “غزة الجديدة”
حتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، هناك من يشكك في واقعية خطة “غزة الجديدة”.
ونقلت الصحيفة عن مايكل ميلشتاين، وهو ضابط استخبارات إسرائيلي سابق، توقعه أن حماس ستحاول تعطيل مشروع “غزة الجديدة”، الذي قال إن تنفيذه أساساً سيستغرق سنوات.
وقال إن “تقسيم منطقة صغيرة مثل غزة سيؤدي حتماً إلى انقسام العائلات، لكن المشكلة الأكبر، أنه يكرر استراتيجية إسرائيل الفاشلة قبل الحرب المتمثلة في استخدام الحوافز الاقتصادية المحدودة كإحدى أدواتها لمحاولة احتواء حماس، مثل خطط أخرى طرحها مسؤولون إسرائيليون وأميركيون خلال الحرب، بدءاً من (الفقاعات) التي تعبر عن مواقع خالية من حماس، وصولاً إلى محاصرة سكان غزة في ما زعمت إسرائيل أنه (مدينة إنسانية) وسط أنقاض رفح.
وأضاف: “هذا هو الاعتقاد الخاطئ الذي أدى إلى (هجوم حماس على إسرائيل في) 7 أكتوبر.. إنه وهم”.
ويشكك مراقبون آخرون في أن الفلسطينيين، الذين نزحوا عدة مرات خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، سيرغبون في اقتلاع أنفسهم مرة أخرى للعيش في الحقيقة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل دان شابيرو: “فكرة أنه يمكنك أن تثبت لسكان غزة أن الحياة الأفضل متاحة عندما لا تكون تحت حكم حماس، على ما أعتقد، هي شيء نأمل أن يكون صحيحاً، لكنني أعتقد أن من الصعب جداً تخيل الاستثمار أو حركة السكان إلى تلك المنطقة، على الأقل على المدى القريب”.
