منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، تحولت منطقة دونباس في شرق البلاد إلى قلب النزاع وأبرز عناوينه. هذه المنطقة الصناعية الغنية بالفحم والموارد، والتي تضم إقليمي دونيتسك ولوغانسك، ظلت منذ عام 2014 محور صراع مفتوح بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا، قبل أن تصبح لاحقاً عنواناً للمواجهة المباشرة بين موسكو والغرب، ومع اقتراب عقد اجتماع مباشر بين الزعيمين تبرز دونباس كمسألة رئيسية.

 

جذور الأزمة

بدأت أزمة دونباس عقب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام 2014، لتصعد حركات انفصالية مسلحة في الشرق مدعومة سياسياً وعسكرياً من موسكو. وقد أعلنت تلك الحركات قيام “جمهوريات شعبية” في دونيتسك ولوغانسك، الأمر الذي رفضته كييف واعتبرته مساساً بوحدة البلاد.

الاتفاقات التي عُرفت باسم اتفاقيات مينسك (20142015) حاولت وضع حد للأعمال القتالية عبر وقف إطلاق النار ومنح دونباس حكماً ذاتياً محدوداً، لكنها بقيت حبراً على ورق نتيجة الخلافات حول آلية التطبيق، وعدم التزام الأطراف المعنية.

 دونباس في قلب الحرب الحالية

عندما أعلنت روسيا حربها عام 2022، كان أحد أبرز أهدافها المعلنة “حماية سكان دونباس الناطقين بالروسية” و”تحرير المنطقة من القوميين الأوكرانيين”. ومنذ ذلك الحين، تحولت جبهات دونيتسك ولوغانسك إلى مسرح لمعارك دامية، حيث سعت القوات الروسية إلى السيطرة الكاملة على الإقليمين، بينما اعتبرت كييف ذلك محاولة لاقتطاع أراضٍ أوكرانية بالقوة.

في أواخر 2022، أعلنت موسكو ضم دونيتسك ولوغانسك مع خيرسون وزابوريجيا إلى الاتحاد الروسي بعد استفتاءات وصفتها كييف والغرب بأنها “صورية” وغير شرعية، ما زاد المشهد تعقيداً وأبعد فرص الحل السلمي.

عقدة المفاوضات

تعد دونباس اليوم أهم بند في المحادثات القريبة بين روسيا وأوكرانيا. فموسكو تصر على أن “الوضع الجديد” يجب أن يُعترف به، أي سيطرتها على الإقليمين، في حين ترفض كييف التخلي عن أي شبر من أراضيها وتؤكد أن أي تسوية لا بد أن تبدأ بانسحاب روسي كامل.

ويجمع مراقبون على أن مستقبل الحرب سيتحدد بدرجة كبيرة بمصير دونباس: فهل ستبقى تحت السيطرة الروسية، أم ستستعيدها كييف بدعم غربي؟

إلى جانب البعد الجيوسياسي، تبقى دونباس أيضاً ساحة لصراع الهوية. فجزء كبير من سكانها يتحدثون الروسية ويحتفظون بروابط ثقافية واقتصادية وثيقة مع موسكو، بينما تحاول كييف تعزيز الهوية الوطنية الأوكرانية ودمج الإقليم في مشروعها الأوروبي.

مهما تكن مآلات الحرب، فإن دونباس ستظل حجر الزاوية في الأزمة الأوكرانية، ومحوراً لأي تسوية سياسية محتملة. فهي ليست مجرد قطعة جغرافية، بل رمز لصراع أوسع بين موسكو والغرب حول النفوذ والحدود ومفهوم السيادة في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي.

من جانب آخر يقول المحللون إن فكرة تخلي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن بقية دونيتسك، وهي الأراضي التي ضحى العديد من الجنود الأوكرانيين بحياتهم للدفاع عنها، ستكون بمثابة “انتحار سياسي”.

ووفقاً لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، يعارض نحو ثلاثة أرباع الأوكرانيين التخلي عن أي أرضٍ لروسيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الانسحاب من بقية دونيتسك سيُعرّض السهول الشاسعة المفتوحة الأقل تحصيناً في وسط أوكرانيا لخطر هجوم روسي، كما أشار زيلينسكي مراراً وتكراراً، فضلاً عن كون التنازل عن الأراضي الأوكرانية أمراً غير دستوري.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.