خطيب بدلة
أصبح الحديث عن الديمقراطية، في سوريا الجديدة، ضربًا من ضروب الذكريات، أو، بالأصح: المنسيات، مَن يسمعه سيكون مضطرًا لإخفاء ابتسامة استهزاء تنتابه.
السلطة الحاكمة تتجنب ذكر مفردة الديمقراطية، عامدة، متعمدة، مع سبق التصميم والإصرار.. أحد الإعلاميين الموالين للسلطة الحالية، كان يتحدث، في تموز 2025، على إحدى الفضائيات، وزل لسانه، فقال إن جنودًا من الأمن العام، قتلتهم “عصابة الجولاني!”، وكان قصده أن يقول “عصابة الهجري”، وإعلامي آخر قال: سيادة الرئيس بشار الأسد، وهو يقصد أحمد الشرع، ومع ذلك، هؤلاء الإعلاميون، لم يذكروا كلمة “ديمقراطية”، حتى في زلات ألسنتهم!
قد يتبادر إلى ذهن أحد الإخوة القراء، أنني منزعج من غياب الديمقراطية عن الساحة السورية، ولكن هذا الانطباع، حقيقة، غير صحيح، فالحقيقة أن أملي بتحقق الديمقراطية في سوريا، انخفض إلى الحدود الدنيا، ولعلمك، الديمقراطية ليست بعيدة عن تفكير السلطة وحدها، بل وعن تفكير معظم فئات الشعب. المثقفون الكبار، الذين ناضلوا بشراسة ضد استبداد الأسد، ودفعوا، خلال نضالهم، أثمانًا باهظة، كان الواحد منهم يردد كلمة ديمقراطية مثل “الطير القَوَّال”، ولكنه، بعد هروب نظام الأسد، لم يحتمل “غَلوتين”، ليصبح، قوميًا، وطائفيًا، وعدوانيًا، ومتعصبًا، في الوقت ذاته.
الديمقراطية ليست من إنتاج مجتمعاتنا، لذلك بدت وكأنها جسم غريب، هجين، ومع ذلك، ومن كثرة ما اطلع الناس على ثقافات الغرب، وأعجبوا بالتقدم الذي تحقق بالديمقراطية، بدأوا يشتهون عليها، ويتظاهرون، بين حين وآخر، بأنهم يحلمون بها، وعندما تسنح لهم فرصة، يهبون لتطبيقها، بحماس منقطع النظير، دون أن يتخلوا عن عقلياتهم القديمة، المتخلفة، ففي مصر، مثلًا، خلال كانون الثاني/يناير 2011، نزل المتظاهرون إلى الشوارع، والساحات، احتجاجًا على حكم حسني مبارك “الدكتاتوري”، مؤملين بإقامة نظام ديمقراطي، عصري، مكانه.. وهذا، من حيث المبدأ، كلام جميل، مفرح، ولئلا تحصل الفوضى، تدخل الجيش المصري، ليحمي المتظاهرين، ويوصل البلاد إلى تغيير سلمي، ديمقراطي.. وبالفعل، سقط النظام الدكتاتوري، وبدأ التعبير عن الديمقراطية، بانتخابات رئاسية، كان مبارك قد حرمهم منها، بل إن مبارك كان يفكر بتوريث ابنه الحكم، على طريقة بيت الأسد، ولكن الآليات الاجتماعية القديمة، هي التي طفت على السطح، فقد نشطت ظاهرة البلطجة، والترويع، وانطلقت الجماعات الإسلامية من عقالها، لتدعم المرشح الإخواني، محمد مرسي.. ومثلما أطلق الدكتور عبد الله النفيسي على عملية 11 أيلول 2001، اسم “غزوة مانهاتن”، أطلقت الجماعات الإسلامية على حملتها اسم “غزوة الصناديق”، والنتيجة، كما تعرفون، بدأت الجماعة الإخوانية بالتمكين، وعاد الجيش، ليستولي على الحكم، يعني، يا سيدي: أنت والديمقراطية على رأسي، و”خالتي وخالتك وتفرقوا الخالات”.
ويبدو أن نظام أحمد الشرع قرأ الدرس المصري جيدًا، فتجنب الحديث عن الديمقراطية، وحصر السلطات كلها في يده، وخشية من الانتخابات، عيّن ثلث أعضاء مجلس الشعب، وعيّن أشخاصًا مهمتهم تعيين باقي الأعضاء، ولم يدعُ إلى حوار وطني، ولم يشكل حكومة وحدة وطنية، اكتفى بتزيين حكومة “هيئة تحرير الشام”، بوزيرين، ووزيرة، وزاراتهم غير سيادية، وهكذا نكون، قد تخلصنا من دكتاتورية الأسد.. فقط!
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي
