ديمقراطية فيها “إنَّ” –

خطيب بدلة
في زحمة الحوارات السورية، مرر أحد الإخوة العبارة التالية: ستبقى الديمقراطية، بالنسبة للشعب السوري، حلمًا بعيد المنال. ولأنني أصبحت، في الآونة الأخيرة، من هواة التدقيق في كل ما يقال، فقد أجبته بأن علماء النحو، عندما تمر بهم مسألة كهذه، يقولون: هذه المسألة فيها “إنَّ”.
حاولتُ أن أقرأ العبارة بعناية، تأملتها جيدًا، فوجدت فيها “إنَّ” بالفعل، فهي توحي بأن شعبنا ينام، ويستيقظ، وتمر على رأسه الأيام والسنون، وهو يحلم بالديمقراطية، ولا يكتفي بالحلم، بل يبذل قصارى جهده، من أجل الوصول إلى دولة ديمقراطية، ولكن ظروفًا خارجة عن إرادته، منعته من تطبيقها، فبقيت الديمقراطية، بالنسبة إليه، حلمًا بعيد المنال!
هذا، برأيي، غير صحيح، ولعلنا بمسيس الحاجة لأن نصارح أنفسنا بأن شعبنا ليس ديمقراطيًا، ولم يسعَ من أجل الديمقراطية قط، وأظن أن العبارات التي تصاغ بهذه الطريقة، بالغة الخطورة، لأنها توحي بالذكاء، والمفهومية، والعمق، وسرعان ما ترسخ في وجدان مَن يصغي إليها.. وهنا، أتذكر لقاء، عقد في اسطنبول، كان يحضره أحد المعارضين الليبراليين السوريين، وحينما تفرع الحديث إلى الديمقراطية، تساءل، بطريقة استنكارية: من كل عقلك إسرائيل، ونحن على حدودها، تسمح لنا نعمل دولة ديمقراطية؟
لا أريد أن أظهر نفسي الآن، أمام قراء “”، ذكيًا، ألمعيًا، فهلويًا، ولكنني صادق، وأصارحكم أن كلام ذلك المعارض انطلى علي، يومئذ، وآمنتُ به، وزاد حقدي على إسرائيل التي تختص بإحباط أحلامنا، ومنع ديمقراطيتنا.. ولكنني، فيما بعد، دخلت في طور التخلص من الأوهام، وترك العبارات الجاهزة التي نتبناها دون أن نفكر فيها، ولذلك أخرجت عبارة صديقنا المعارض الليبرالي، ووضعتها على “الطربيزة”، وصرت أقلبها على وجوهها المختلفة، وأفلّيها، وأول سؤال ألهمتني إياه هو: كيف تمنعنا إسرائيل، أو غير إسرائيل، من إقامة نظام ديمقراطي، إذا كنا (نحن) لا نريد أن نقيم نظامًا ديمقراطيًا أساسًا؟
وبدأت الأفكار، والأسئلة، تتزاحم علي، منها أن تركيبة الأسرة العربية، ومنها السورية، بالطبع، تقوم على سلطة الأب، والأخ، والابن، وفيها طرفان مغلوبان دائمًا، هما المرأة والطفل، وأما المجتمع السوري، فمحكوم بمجموعة من العصبيات، تغلب عليها النزعة الذكورية، الأبوية، الاستعلائية، وبدلًا من التلاحم الوطني الذي يمكن أن يؤدي إلى الديمقراطية، تجد لدينا مجموعة هائلة من التناقضات، بين البداوة والتمدن، بين الأرياف والمدن، بين الأحزاب القومية، واليسارية، والإخوانية.. وإذا أردنا أن نمشي في الأمر خطوة خطوة، نجد أن البعثيين يناصبون الديمقراطية العداء، بدليل النظامين اللذين قاما على فكر البعث، في سوريا والعراق، أضف إلى ذلك أن الديمقراطية تحتاج إلى دولة وطنية، قائمة بذاتها، بينما البعثيون قوميون، يزدرون الحدود الوطنية، ويسمون سوريا، مثلًا، القطر العربي السوري، ويعتبرون الحالة القطرية مؤقتة، وأما الجماعات الإسلامية فتقف كلها، وعلى تنوعها، ضد الديمقراطية، علنًا، ودون لبس، وياما كتب الجهاديون على شاخصات الطرق “الديمقراطية كفر”، ولعله من نافل القول إن معظم الأحزاب الشيوعية كانت تؤمن بما يسمى “دكتاتورية البروليتاريا”، ولم يتداول الشيوعيون السوريون مصطلح ديمقراطية قبل سقوط الاتحاد السوفييتي.
فيها “إنَّ” أم لا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي