ديون رمضان والعيد تترك أثرها الاجتماعي على المقترضين في سوريا
– حسن إبراهيم
يشكو حسام تراكم الديون التي سببتها التزامات ومشتريات شهر رمضان وعيد الفطر، ويبحث عن مصدر آخر للدخل إلى جانب عمله على “تاكسي” في إدلب، من أجل إيفائها.
وقال حسام حج محمد (36 عامًا) ل، إنه استدان مبلغًا لتأمين مصروف الإفطار والسحور خلال شهر رمضان، وشراء كسوة العيد لأطفاله وبعض الحلويات، ودفع “عيديات”، واصطحاب الأطفال للتنزه خلال فترة العيد.
ومن أجل إيفاء نصف ديونه، اقترض حسام من صديق له مبلغ 150 دولارًا أمريكيًا، لافتًا إلى عدم قدرته على السداد إلا في حال تأمين مورد آخر للدخل، لأن دخله من “التاكسي” يصل إلى 175 دولارًا شهريًا، يدفع منها 50 دولارًا لإيجار المنزل، بينما بالكاد يكفيه مبلغ 125 دولارًا لتأمين أدنى احتياجات العائلة.
شهر رمضان الذي حل في 10 من آذار الماضي، وعيد الفطر بعده، شكّلا عبئًا ماليًا على فئة واسعة من السوريين، الذين سعوا إلى تأمين التزامات عائلاتهم، وخلق بهجة لأطفالهم خلال العيد، ما دفع بهم إلى استدانة المال أو مواد من المحال، وسط واقع سوري مثقل بالفقر والحاجة، وارتفاع لمعظم الأسعار في موسم رمضان والعيد.
ويفرض الحد الأدنى للأجور بمختلف مناطق السيطرة في سوريا البحث عن مصادر إضافية للدخل، إما عبر الحصول على عمل ثانٍ، وإما بالاعتماد على الحوالات المالية من خارج سوريا، الأمر الذي ليس متاحًا للجميع.
يبلغ سعر مبيع الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية 14900 ليرة وسعر شرائه 14750 ليرة، وفق موقع “الليرة اليوم“.
وكذلك تأثرت قيمة الليرة التركية، التي تعتمد عليها مناطق شمال غربي سوريا للتداول في الأسواق، ما أثر في المستوى المعيشي للمواطنين، ووصل سعر صرف الدولار أمامها إلى 32.5 ليرة للدولار الواحد، وسعر صرف اليورو إلى 34.6 ليرة تركية.
ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في مناطق سيطرة النظام السوري 279 ألف ليرة سورية (18.7 دولار)، وتتراوح الرواتب الحكومية في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” بإدلب بين 80 و110 دولارات.
ويبلغ الحد الأدنى للرواتب في مناطق شمال شرقي سوريا حيث تسيطر “الإدارة الذاتية” مليون ليرة سورية (67 دولارًا)، ويتراوح الحد الأدنى لرواتب الموظفين في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بريفي حلب الشمالي والشرقي وتل أبيض ورأس العين بين 35 و59 دولارًا أمريكيًا.
ديون بانتظار السداد
بدوره، قال محمود الشريف، إنه لم يكن ينوي شراء كسوة العيد لطفليه، لكن ارتفاع درجات الحرارة وحاجة الأطفال إلى ملابس صيفية أجبره على ذلك، ودفع ثمنها 50 دولارًا أمريكيًا لكل طفل، ومع احتياجات المنزل والفواتير، اضطر إلى استدانة 100 دولار، لأن راتبه الشهري البالغ 150 دولارًا من عمله في مطعم بإدلب لم يكن كافيًا.
أما يوسف الحسين القاطن في مخيم “الجولان” بمدينة درعا، فزادت ديونه خلال رمضان، نظرًا إلى ارتفاع الأسعار وقلة دخله الذي يصل إلى 280 ألف ليرة سورية، يتقاضاه من عمله في مديرية المياه.
وقال يوسف ل، إن المساعدات للعائلات القاطنة في المخيم كانت محدودة جدًا، وكثرة المستلزمات في شهر رمضان وعيد الفطر دفعته للاستدانة من صديقة مبلغ 500 ألف ليرة سورية لشراء بعض المواد الغذائية، كما استدان من صديق آخر مبلغ 600 ألف ليرة لشراء ألبسة العيد وصناعة “المعمول”.
ولا يزال يوسف في حيرة من أمره حول كيفية سداد ديونه، فراتبه بالكاد يكفي تأمين احتياجات عائلته المؤلفة من زوجته وأطفاله الثلاثة.
“جمعية” مع الزملاء
غيداء (34 عامًا) موظفة في القطاع العام، من سكان ضاحية تشرين في مدينة اللاذقية، اشترت من صاحب محل السمانة القريب من منزلها أكثر من نصف مستلزمات حلويات العيد بالدَين، لصنع الحلويات لعائلتها المؤلفة من أربعة أفراد.
وقالت إنها اشترت منه كيلوغرامًا من الطحين وكيلوغرامين من السميد الناعم، وعلبة سمن بوزن كيلوغرامين، وثلاثة كيلوغرامات من السكر، وبالنسبة للجوز فإنها تموّنه بشكل سنوي من عائلتها التي تمتلك عدة أشجار جوز في الريف، واضطرت لشراء نصف كيلو من عجوة التمر دون استدانة، لعدم توفر هذا النوع من المحل الذي يقبل بيع المواد الغذائية بالدَين.
وتجاوزت قيمة مشترياتها الـ150 ألف ليرة سورية، إذ اشترت تموينًا للمنزل أيضًا كالحبوب ومواد التنظيف، وقالت إنها سترد الدَين مطلع أيار المقبل، وهو موعد دورها بـ”الجمعية” التي تنظمها مع زملاء العمل.
“الجمعية” عبارة عن تعاون بين الزملاء، يتم فيها تحديد مبلغ شهري يجب على كل واحد فيهم دفعه، ثم يعطى لواحد منهم كل شهر، حتى تنتهي الأدوار بحسب عدد المشركين بـ”الجمعية”.
ووصلت قيمة “جمعية” غيداء إلى 500 ألف ليرة، ففيها عشرة مشتركين يدفع كل واحد فيهم 50 ألف ليرة شهريًا.
آثار على صحة الفرد
تحمل الديون وكثرتها تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والجسدية للفرد، لأن هناك صلة قوية بين الديون وسوء الصحة العقلية، ومن المرجح أن يواجه الأشخاص الذين يعانون من الديون مشكلات الصحة العقلية الشائعة، مثل التوتر لفترات طويلة والاكتئاب والقلق.
ويمكن أن يؤثر الدَين على الصحة الجسدية، فالتفكير والتوتر الزائد يؤديان إلى انخفاض جودة النوم، ما يؤثر بدوره سلبًا على الصحة البدنية ويضعف قدرة الشخص على التركيز طوال اليوم.
ووجدت دراسة أجرتها الكلية الملكية للأطباء النفسيين حول الديون والصحة العقلية، أن نصف البالغين الذين يعانون من مشكلة الديون يعيشون مع اعتلال الصحة العقلية، وتراوح هذا بين الشعور المستمر بالقلق وانخفاض الحالة المزاجية إلى حالة الصحة العقلية المشخصة.
وقد يجعل الدَين الشخص يشعر بالقلق، خاصة إذا لم يكن لديه دعم من الأصدقاء أو العائلة أو من الدائنين، ويمكن أن تشكل الديون عبئًا كبيرًا، وتزداد سوءًا عند التعامل معها بمفردها.
وجاء في الدراسة أن القلق بشأن الديون يمكن أن يؤثر على النوم، وأن فقدان ليلة نوم جيدة لا يمكن أن يؤثر فقط على حالة الشخص المزاجية ومستويات الطاقة، بل يمكن أن يؤثر أيضًا على قدرته على العمل أو إقامة علاقات جيدة مع الأصدقاء والعائلة.
تهديد سلامة المجتمع
تخلق الديون والحاجة إلى سدادها ضغطًا على الشخص وعلى العائلة، وتزيد من حدة المشكلات في الأسرة.
المحامي محمد السلامة المقيم في مدينة إدلب، قال ل، إن ضيق الأحوال المعيشية وكثرة الديون يسبّبان مشكلات تهدد سلامة وأمن المجتمع واستقرار الأسرة التي هي الركيزة الأولى في المجتمع.
وبحسب المحامي، فإن أكثر من 70% من حالات الطلاق التي يشهدها يعود سببها الرئيس لكثرة الهموم المالية التي يعانيها المواطنون، ما ينعكس بشكل سلبي على حياتهم الاجتماعية والأسرية، ويفضي في النهاية إلى خلافات حادة بين الأزواج تنتهي بالطلاق وتهدم الأسرة.
من جانب آخر، قال المحامي، إن تراكم الديون يسبب ارتفاع عدد الدعاوى القضائية التي تتعلق بالمطالب المادية في عموم محاكم الشمال السوري، وتنتهي عادة هذه الدعاوى بسجن المدين غير القادر على السداد.
وذكر المحامي أن عجز المواطنين عن تأمين احتياجاتهم المادية وسداد ديونهم، وانعدام الحلول وفرص العمل، أحال بعضهم للجريمة لسد هذه الاحتياجات، كالسرقة أو النصب والاحتيال، بينما امتنع آخرون عن الوفاء بالتزاماتهم المادية، وانتهى بهم المطاف في السجن جراء ذلك.
نحو تدهور أكثر
في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويدل عام 2024 على أن المؤشرات الإنسانية والاقتصادية في البلاد مستمرة في التدهور، وأن الوضع الاقتصادي “خطير على نحو متزايد”، ويشكل محركًا رئيسًا للاحتياجات، وفق المفوضية.
ويحتاج 80% من السكان السوريين إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في عام 2024، وفقًا لنظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية لعام 2024 (HNO).
ويعاني نحو 55% من السكان في سوريا أو 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، منهم 3.1 مليون يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي.
شارك في إعداد التقرير مراسل في إدلب أنس الخولي
مرتبط
المصدر: عنب بلدي