اخر الاخبار

“ديون كريهة”.. استثمار إيراني خاسر في سوريا

– جنى العيسى

على غير المتوقع، طالبت الحكومة الإيرانية بديونها التي اقترضها رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، في مشهد كانت فيه إيران أبرز حلفائه إلى جانب روسيا.

الديون الإيرانية منها مالية، اقترضها الأسد عبر خطوط ائتمانية كانت مصدره الوحيد لتأمين المحروقات، ومنها جزء يتعلق باستثمارات أبرمت اتفاقياتها مع حكومة النظام السابق، إلى جانب أموال دفعتها في الشق العسكري ساندت بها نظام الأسد في قمعه وتهجيره وقتله للسوريين.

ورغم أن الحكومة الجديدة يمكنها التملص من هذه الديون وفق نصوص القوانين الدولية، أكدت طهران رغبتها باسترداد هذه الأموال، دون ذكر قيمة الديون تحديدًا.

قانونيًا ودبلوماسيًا.. لا استرداد

في 17 من كانون الأول 2024، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحفي، إن الديون الإيرانية التي كانت مترتبة على نظام الأسد، سيتحملها النظام السياسي الجديد في سوريا، وفقًا لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ “خلافة الدول”، وهو مبدأ معتمد في القانون الدولي.

وأضاف بقائي حينها أن الحديث عن وجود ديون لإيران على سوريا بحوالي 50 مليار دولار “أرقام مبالغ فيها حقًا”، دون أن يفصح عن حجم الديون الحقيقي.

حول السؤال المتكرر المتعلق باضطرار الحكومة السورية المقبلة إلى سداد ديون إيران لنظام الأسد، قال الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، إن الحكومة لن تكون مضطرة لسداد هذه الديون مستندًا إلى العديد من الأمور القانونية.

وأوضح شعار، في منشور عبر “فيس بوك“، أنه لا توجد آلية في القانون الدولي لاسترداد الديون البينية، ما يعني عدم قدرة طهران على المطالبة بأموالها بشكل قانوني من سوريا.

وستفتقر إيران إلى النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي على الحكومات السورية الجديدة في سوريا، إذ تعتبر هذه الطرق تاريخيًا إحدى الطرق الناجحة الوحيدة لسداد الديون، مثلًا تم سداد جزء من ديون هايتي لدول غربية تحت تهديد العقوبات الغربية، بالرغم من محاولة الحكومة التملص منها عقب إسقاط حكومة دوفالييه القمعية عام 1986.

في المقابل، رفضت الصين في عام 1947 وروسيا البلشفية عام 1917 دفع الديون على الأنظمة السابقة، وكانتا بسبب ذلك عرضة لضغوط وعقوبات غربية أثرت على وصولهما لأسواق المال العالمية.

وأضاف مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، الدكتور كرم شعار، أنه يصعب حساب معظم ديون إيران، كما أن معظمها لم تتم الموافقة عليه حسب الأصول من قبل السلطات في دمشق وطهران، معتبرًا أن الحصة التي أقرها البرلمان لا تُذكر، ومرتبطة فقط ببعض الخطوط الائتمانية.

ويمكن للحكومة السورية الجديدة أن تزعم عن حق أن الديون كانت “بغيضة”، وتطالب بدلًا من ذلك بدفع إيران تعويضات للسوريين، وهذا ما بدأت حكومة دمشق المؤقتة بالمطالبة به فعلًا.

عقب تصريح وزارة الخارجية الإيرانية عن أن ديون طهران لدى نظام الأسد ستدفعها الحكومة السورية الجديدة بنحو أسبوع، نقلت صحيفة “المدن” اللبنانية عن مصدر وصفته بأنه مقرب من الإدارة السياسية الجديدة في سوريا قوله، إن الإدارة تعمل على مذكرة ستقدمها للمحاكم الدولية في هذا السياق.

ورغم غياب التعليق الرسمي على هذه المذكرة، قال المصدر إن المذكرة المزمع تقديمها تتضمن مطالبة إيران بدفع 300 مليار دولار كتعويضات للشعب السوري والدولة السورية، عما سببته سياسات طهران “الإجرامية والتعسفية” من ضرر للسوريين والبنية التحتية السورية، خلال انحيازها عسكريًا مع ميليشياتها لمصلحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

“ديون كريهة” أو تفاوض مشروط

عضو الهيئة التدريسية في جامعة “حلب”، أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية، الدكتور معروف الخلف، قال إن قضية استرداد الديون الإيرانية من الحكومة الجديدة فيها أكثر من وجهة نظر، أولاها بالاعتماد على القانون الدولي، وتنص على أن تعاقب خلافة الدول يضمن سداد الحكومة الجديدة للديون وفق إجراءات قانونية معينة، وهنا تنطبق الحالة على ديون الدول العادية وليست في سياق الحروب.

بينما في حالة الديون “الكريهة” أو “البغيضة” يختلف الأمر بشكل كلي وجذري، إذ تصنف الديون هنا بأنها لم توظف في خدمة الشعب نحو مشاريع إنتاجية تعود بالفائدة أو بقيمة مضافة للاقتصاد، وهذا ينطبق على الديون الإيرانية، إذ استخدم النظام المخلوع هذه الأموال في تمويل آلته العسكرية التي أسهمت بتدمير البنى التحتية لسوريا، وفق ما أوضحه الدكتور معروف الخلف في حديث إلى.

وفي قضية استرداد الديون الإيرانية توجد عدة احتمالات قد تكون ناجحة، بحسب الخلف، منها أن يجري التفاوض وفق شروط بين سوريا وإيران خاصة فيما يتعلق بشق الاستثمارات الإيرانية في سوريا، ولا سيما تلك المتعلقة بالنفط والغاز والكهرباء والمطاحن وغيرها.

وعلى ما يبدو تريد إيران من هذه الاتفاقيات أن تحصل على امتيازات واستثمارات تضمن وجودها في سوريا بالمستقبل، إلا أن مرحلة التفاوض هذه تشترط برأي الدكتور في العلاقات الدولية حالة مستقرة في الانتقال السياسي.

فيما يمكن اعتبار هذه الديون “كريهة” وعليه يتم إلغاؤها، وفق القانون الدولي، بحسب الخلف.

حول المذكرة التي تعدها الإدارة السورية الجديدة من أجل مطالبة إيران بتعويضات، قال الدكتور معروف الخلف، إن هذه المذكرة يمكن اعتبارها بشكلها الحالي دون تأكيد رسمي من قبل السلطات، خطوة سابقة لأي تصرف وتحرك إيراني في هذا السياق.

ما مصطلح “الديون الكريهة”؟

“الدين البغيض” أو “الكريه” (Odious debt)‏ يعرف أيضًا باسم الدين غير الشرعي، هو مصطلح في القانون الدولي، يشير إلى نظرية قانونية تقول إن الدين الوطني الذي يقترضه النظام لأغراض لا تخدم مصالح الأمة لا يجوز الوفاء به.

ويعتبر القانون هذه الديون ديونًا شخصية للنظام يتحملها هو وليس الدولة، ويشبه هذا المفهوم في بعض النواحي العقود الباطلة التي توقع تحت الإكراه.

ظهر مصطلح “الديون الكريهة” لأول مرة في عام 1927 من قبل الوزير الروسي السابق وأستاذ القانون في باريس ألكسندر ناحوم ساك.

وبحسب قانون ألكسندر ناحوم ساك، فإن “أي نظام استبدادي حصل على قرض، ولم يكن الهدف منه تلبية حاجات ومصالح الدولة، وإنما تقوية هذا النظام الاستبدادي وقمع السكان الذين يحاربون هذا الاستبداد، فإن هذا الدين يعتبر كريهًا، وهو غير ملزم للدولة، إنما هو محسوب على النظام المستبد، باعتباره ديونًا شخصية وبالتالي فهي تسقط بسقوطه”.

ويشير القانون إلى أنه يمكن لحكومة أن تتخلى على التزامات سابقتها، لأن هذه الديون لا تستوفي أحد الشروط التي تحدد شرعية الديون في أن المبالغ المقترضة باسم الدولة يجب أن تستخدم في تلبية حاجات ومصالح الدولة.

فشل إيراني سابق في العراق

وفق تحليل اقتصادي نشره موقع “أمواج” الإيراني، في 10 من كانون الأول 2024، تتوقف معرفة حجم الديون الإيرانية الفعلي على نظام الأسد على ماهية الاتفاقيات الإطارية التي أبرمها الجانبان عبر السنين، وهو أمر لا يمكن معرفته إلا من قبل السلطات المعنية، منتقدًا غياب الشفافية لدى طهران في هذا السياق.

وما يزيد من الغموض هو أن هناك مكونات متعددة يجب مراعاتها عند فك رموز العلاقة الاقتصادية بين البلدين، وتشمل هذه المكونات صادرات الطاقة الإيرانية، ومبيعات المواد الأخرى، والاستثمارات، فضلًا عن التدفقات المالية المتعلقة بالحج والتجارة الدينية، بحسب التحليل، إلى جانب المساهمات التي غطتها الميزانية العسكرية والأمنية الإيرانية، في إطار ما يسمى “الدفاع الأمامي“.

ويرى التحليل أن الافتقار إلى المساءلة والشفافية في الثقافة السياسية الإيرانية سمح للحكومات المتعاقبة بمواصلة سياسة يعدّها كثيرون بمثابة فشل من شأنه أن يقوض مكانة إيران الإقليمية والدولية ويثير غضب الإيرانيين العاديين.

ومن منظور إيراني، فإن أحد المخاوف في هذا الملف هو احتمالية أن تؤدي التطورات المتعلقة بسوريا إلى حرمان الاقتصاد الإيراني الهش والضعيف من ثرواته وفرصه الإقليمية.

إحدى الحقائق التي تزيد من احتمال حدوث المزيد من الإخفاقات في هذا الصدد هي أن إيران لم تتمكن بعد من استرداد مطالبتها بمبلغ تريليون دولار أمريكي كتعويضات عن الحرب التي تسبب فيها العراق بعهد الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، بين عامي 1980 و1988، بحسب ما ذكر التحليل.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *