أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم السبت التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في محافظة السويداء بوساطة أمريكية بين مجموعات العشائر العربية من جهة وفصائل محلية بالمحافظة من جهة ثانية، تضمن تدخل الدولة السورية لحفظ الأمن بالمحافظة الجنوبية، بينما أصدرت مشيخة عقل الطائفة الدرزية بياناً يوضح آلية الاتفاق، إلا أنّ هذا الاتفاق لا يزال هشّاً مع استمرار الاشتباكات ووسط الدعوات للتهدئة وتحكيم العقل بعد صراعٍ دامٍ منذ أيام.
ووسط غياب وضوح بنود الاتفاق الذي أعلن عنه، لا تزال تعزيزات العشائر العربية متواجدة جنوب البلاد، بالوقت الذي تتحدث الفصائل المحلية بالسويداء عن استمرارها بالدفاع عن مناطقها، ويأتي ذلك بعد فشل عدة اتفاقات سابقة.
العشائر العربية تؤكد التزامها بالاتفاق
أكد مضر حماد الأسعد، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، في حديث لوكالة ستيب نيوز، أن القبائل العربية المشاركة في الأحداث الأخيرة بمحافظة السويداء جاءت استجابة لنداءات استغاثة من أبناء جبل العرب، خصوصاً الدروز والعشائر البدوية، الذين طالبوا بالحماية من ميليشيات وصفها بـ”الإرهابية” تقودها شخصية دينية نافذة.
وقال الأسعد: “نحن ملتزمون بالبيان الصادر عن الرئاسة السورية، وبكل ما يصدر عن وزارتي الدفاع والداخلية، ولسنا طرفًا سياسيًا. جئنا إلى السويداء استجابة لفزعة إنسانية من أجل حماية المدنيين من الفتن والمخدرات والإرهاب الذي نشرته ميليشيا الهجري”.
وأضاف: “حملنا السلاح بيد، وأغصان الزيتون باليد الأخرى، فالسلاح لحماية المظلومين، وأغصان الزيتون لنشر السلام في جبل العرب”.
وكانت الاشتباكات اندلعت على إثر خلاف الفصائل المحلية “الدرزية” وبين عشائر البدو المقيمة بالسويداء، وتدخلت الدولة السورية بداية الأمر، إلا أنّ الأمر تطور لمهاجمة الفصائل المحلية هناك لقوات الحكومة ورفضها تواجد أي قوة حكومية داخل السويداء، تبع ذلك تدخل إسرائيل العلني لمساعدة فصائل السويداء بحجّة حماية “الدروز”.
مطالب العشائر: دخول الجيش والأمن وضبط الفوضى
شدد رئيس المجلس الأعلى للقبائل على أن العشائر ليست لديها مطالب سياسية، إنما تطالب بعودة مؤسسات الدولة الرسمية إلى المنطقة.
وقال: “نحن نطالب بدخول الجيش العربي السوري والأمن العام إلى محافظة السويداء لحماية السلم الأهلي، ومنع تجارة المخدرات والسلاح، والقبض على المجرمين الذين عاثوا فسادًا بحق أبناء الطائفة الدرزية والعشائر البدوية”.
وتابع: “نؤكد أن مطلبنا وطني وشعبي، هدفه إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة”.
ومن جانبه أكد الشيخ راكان الخضير، قائد تجمع عشائر الجنوب، في بيان أرسل نسخة منه لوكالة ستيب نيوز، ان عشائر الجنوب ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته الدولة، ودعا لإطلاق سراح المحتجزين من أبناء العشار لدى الفصائل في السويداء، وتأمين عودة النازحين لقراهم، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.

العشائر ستنسحب فور دخول الجيش وعودة مؤسسات الدولة
وأوضح الأسعد أن وجود العشائر في المنطقة مؤقت ومرتبط بظروف استثنائية، وأن انسحابها سيتم فور استعادة الدولة سيطرتها.
وقال: “عندما تدخل الحكومة والجيش والأمن إلى السويداء، سننسحب التزامًا بقرارات الدولة. كما نطالب بعودة النازحين من الدروز والعشائر إلى قراهم”.
وأكد أن القبائل التي لبت دعوة الفزعة ستغادر المناطق التي دخلتها فور عودة المؤسسات الرسمية.
كما اتهم الأسعد “ميليشيا الهجري” بـ”نقض الاتفاقات” ونشر الفوضى، محذرًا من أن استمرارها يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار.
وأضاف: “ميليشيا الهجري ساهمت في نشر الفتن والدسائس، ولولا تدخل العقلاء لوقعت مذابح كبرى. الهدف من تحركاتهم هو السيطرة على القرار السياسي والديني في السويداء”.
وأشار إلى أن هذه الميليشيا تورطت بعلاقات مشبوهة مع جهات خارجية، وتابع: “خيانة الهجري ظهرت عندما تعاون مع إسرائيل ومع ميليشيات حزب العمال الكردستاني. الجميع استنكر رفع علم إسرائيل في شوارع السويداء، وهذا مرفوض رفضًا قاطعًا”.
دعوة للمحاسبة وتأكيد على وحدة القرار تحت مظلة الدولة
وطالب رئيس المجلس بمحاسبة كل من ارتكب جرائم بحق المدنيين من العشائر والدروز، كاشفًا عن وجود عناصر موالية للنظام البائد وتنظيم “قسد” داخل “ميليشيات الهجري”.
وقال: “هناك من ارتكب جرائم بحق الدروز الرافضين لسلطة الهجري، بل وتُبعت ضد العشائر سياسة تطهير عرقي، وهذا أمر مرفوض كليًا”.
وشدد على ضرورة التزام الجميع بالدولة السورية، مضيفاً: “نحن جزء من النسيج الوطني، ولا يمكن تجاوز قرارات الرئاسة والحكومة، ودورنا مكمل للدولة في تعزيز السلم الأهلي”.
ووجّه الأسعد رسالة إلى أبناء السويداء قال فيها: “نحن منكم، وجئنا لحمايتكم ومنع التدهور الأمني. هدفنا حماية الجميع: الدروز والعرب والمسيحيين السريان”، مؤكدًا أن المجلس الأعلى للقبائل والعشائر يسعى لتعزيز التعايش والسلم المجتمعي.
استجابة مرتقبة لفزعة عشائر الفرات والجزيرة
وأشار رئيس المجلس إلى أن نداءات مماثلة وردت من أبناء العشائر العربية والكردية والسريانية والتركمانية في مناطق الجزيرة والفرات، في ظل ما وصفه بـ”ظلم إرهاب قسد ومسد وحزب العمال الكردستاني”.
وقال: “سنلبي هذه النداءات قريبًا، وسنعمل على تحرير الأرض والإنسان في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، التي تعاني من الإرهاب والفقر والجوع والمرض”.
وختم بالقول: “إننا نؤمن بوحدة سوريا ومحاربة الإرهاب، ونسعى لبناء السلام وعودة اللاجئين والنازحين، والانطلاق نحو مستقبل مزدهر لسوريا”.
وكانت قوات “قسد” أعلنت تضامنها مع الفصائل المحلية في السويداء، بدوره طالب الشيخ الهجري في أحد بياناته فتح ممر من السويداء باتجاه مناطق شمال سوريا التي يسيطر عليها “قسد”، إلا أن خبراء ربطوا هذه الدعوات بمشاريع انفصالية مدعومة من إسرائيل التي تحدثت عن هذا المرر وأطلق عليه اسم “ممر داوود”، حيث تسعى إسرائيل لربط الجولان المحتل بمناطق شمال شرق سوريا عبر السويداء، ما يمهد لفصل هذه المناطق عن سوريا.
ويبقى الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الشرع والمبعوث الأمريكي لسوريا توماس باراك، تحت الضوء حتى تنفيذه على الأرض وتطبيق بنوده المعلنة أو غير المعلنة حتى الآن، بينما ستبقى السويداء في دائرة الأحداث مع استمرار توثيق ما جرى من عنف وانتهاكات فيها من قبل الأطراف المتصارعة، بينما توضع الحكومة السورية باختبار صعب وصفه الرئيس الشرع بـ”أخطر المراحل” نتيجة تداخل المشاريع الإقليمية والداخلية واختلاف الرؤى والتطلعات في هذه المنطقة الحسّاسة.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية