هبطت طائرة رئيس الوزراء السوداني الجديد، كامل إدريس في بورتسودان، الخميس، لبدء مهامه وسط توقعات بتوجهه إلى الخرطوم بعد أداء القسم، بينما يستمر انقسام الرأي العام حوله بين مؤيدي الجيش ومناوئيه.
وقبيل وصول إدريس، قرر مجلس السيادة إلغاء التوجيه السابق بإشراف أعضائه على الوزارات والوحدات الحكومية، ما يمنح رئيس الحكومة حزمة من الصلاحيات الواسعة.
وبعد انتظار دام طويلاً، ووزارة مكلّفة في غالبها، منذ أكتوبر 2021، قرر مجلس السيادة في السودان، إحالة المهام المدنية إلى رئيس الوزراء، في ظل تحديات بالغة، وانقسامات كبيرة، ما يجعل مهمة إدريس في ظل الحرب أشبه بـ”السير في حقل ألغام”.
ويُعرف عن كامل إدريس بأنه متخصص في القانون، سبق أن شغل منصب مدير المنظمة الدولية للملكية الفكرية، ورغم عدم وجود انتماء حزبي معروف له، لكنه في العام 1999، أفلح في الجمع بين الخصمين اللدودين، الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، وحسن الترابي الزعيم التاريخي للتيار الإسلامي السودان، وذلك خلال لقاء في جنيف.
ويواجه رئيس الوزراء السوداني الجديد مهاماً شديدة التعقيد، لا سيما ما يتعلق باختيار الوزراء وتنحية المحاصصة بين القوى السياسية، والتركيز على شخصيات مستقلة من كفاءات، وإيجاد الحلول للخدمات المنهارة والوضع الاقتصادي المتراجع في البلاد، بما يشمل القطاع الصحي وخاصة انتشار مرض الكوليرا. كما سيكون عليه تفادي تأثير قادة الجيش عليه، والعمل على تقريب وجهات النظر بين كتل سياسية شديدة التنافر.
وهناك من يعتقد أن إدريس ربما يستطيع تجاوز بعض العقبات، ويصبح جسراً داخلياً بين الكتل السياسية المتناحرة، لقيادة البلاد باتجاه تحول ديمقراطي، وقد يتمكن كذلك، على الصعيد الخارجي، من تحسين العلاقات مع الغرب.
لحظة مفصلية
واعتبر المحلل السياسي، إيليا ويليام، أن إدريس كُلّف بمنصب الوزير الأول في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ السودان الحديث.
وقال ويليام: “رغم التوقيت المعقّد الذي أوكلت فيه إليه هذه المسؤولية، فإن خلفيته القانونية والدولية تمنحه أدوات مهمة للانخراط في الملفات الداخلية والخارجية التي تنتظر معالجتها بشكل عاجل. وعلى الصعيد الوطني، يبقى ملف الحرب هو التحدي الأكبر، نظراً لتأثيره المباشر على الاقتصاد، والأمن، والإعلام، والخدمات العامة”.
وأشار إلى أن التحديات أمام إدريس تشمل الأزمة الإنسانية المترتبة على النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، والخدمات الصحية والتعليمية، وحالة عدم التوافق السياسي، والتي تؤثر بصورة مباشرة في الأداء التنفيذي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، واستعادة مؤسسات الدولة التي تعطلت أو تضررت بفعل الحرب.
وتابع: “أما خارجياً، تُمثّل العلاقات الدولية تحدياً حساساً، حيث يحتاج هذا الملف إلى إدارة دقيقة في ظل الحرب، خصوصاً ما يتصل بالأمن الإقليمي وأمن البحر الأحمر، وضرورة بناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية. وفي ظل هذه الظروف ستكون العلاقات الخارجية المتوازنة هي المنجاة الحقيقية مع الأخذ بالاعتبار أن هناك دولاً مفتاحية مهمة بالنسبة للسودان تدعم ركائز الدولة”.
“موظف جديد لدى السلطة”
من ناحيته، قال القيادي في تحالف “صمود”، والأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان، إنه “لا يمكن وصف كامل إدريس بأكثر من كونه موظفاً جديداً في السلطة التي تمركزت ببورتسودان، بعد حالة الانهيار الدستوري التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر 2021”.
وأضاف: “منذ ذلك التاريخ، انفرد القائد العام للقوات المسلحة (الفريق أول عبد الفتاح البرهان) بإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية من دون أي تفويض شعبي أو شراكة مدنية وهو ما أنهى عملياً صلاحية هذه الوثيقة كمرجعية حاكمة”.
وزاد عثمان بأن القائد العام للجيش بات “يُعدل ويعيّن ويقيل من يشاء، في غياب أي غطاء دستوري أو شرعية سياسية”، معتبراً أن “سلطة بورتسودان تفتقد لأي سند قانوني، وكل من يعمل ضمن منظومتها، بمن فيهم كامل إدريس، لا يعدو كونه منفذاً لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة، من دون صلاحيات حقيقية أو غطاء مؤسسي مشروع”.
وأشار قائد تحالف “صمود” إلى أن التنافس بين البرهان وتحالف “تأسيس” (المساند لقوات الدعم السريع) عبر إعلانات حكومات موازية “لا يقود البلاد إلا إلى مزيد من الانقسام الجغرافي والمناطقي والسياسي والاجتماعي، ويصب في مصلحة أجندات داخلية وخارجية تدفع نحو التقسيم والفوضى، وفق تعبيره.
وأردف بأن الخطوة، وبدلاً من أن تكون مدخلاً للحل، “ستزيد من تعقيد الأزمة وتعميقها”.
وكان تحالف “صمود” الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، استنكر تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف، والتي رحّب فيها بتعيين إدريس رئيساً جديداً للحكومة السودانية. واعتبرها التحالف “تأييداً” لأحد أطراف الحرب، ومخالفة لنظم الاتحاد الإفريقي التي “لا تعترف بشرعية أي حكومة في السودان منذ انقلاب أكتوبر 2021”.
“حكومة حرب”
ورأى رئيس دائرة الإعلام بحزب “الأمة القومي” المصباح أحمد، أن التحدي الأكبر يتمثل في أن رئيس الوزراء المرتقب سيكون “على رأس حكومة حرب، تواجه أزمة أمنية وإنسانية واقتصادية واجتماعية خانقة”.
وقال أحمد لـ”الشرق”، إن الحكومة ستكون “مثقلة بملفات عاجلة ومعقدة، ما يضعف قدرتها على إحداث اختراق حقيقي في جدار الأزمة الوطنية التي لا يمكن حلّها إلا بوقف شامل للحرب، وتحقيق سلام عادل ومستدام، واستعادة الاستقرار، والدخول في عملية سياسية شاملة تؤسس لتحول ديمقراطي كامل وإصلاح مؤسسي عميق”.
وأضاف أن مثل هذا المسار “يعوزه توافق سياسي حقيقي وشامل بشأن هوية من يدير المرحلة الانتقالية، وتحديد الأهداف والأطراف المشاركة، وصياغة أجندة وطنية تعبّر عن تطلعات السودانيين في الحرية والسلام والعدالة”، لافتاً إلى أن “العقوبات المنتظرة على الجيش من قبل واشنطن، تُعيد السودان إلى مربع العزلة الدولية، وتُقلص فرص الانفتاح الدبلوماسي، والتعاون السياسي، وبناء شراكات اقتصادية فاعلة مع المجتمع الدولي”.
الاتحاد الإفريقي
في هذا الصدد، قال المحلل السياسي الإثيوبي والخبير في الشؤون الإفريقية، أنور إبراهيم إن العديد من الجهات تقبّلت تعيين شخصية مدنية كرئيس للوزراء في السودان من قبل المجلس السيادي، وخاصة أن إدريس “يجد قبولاً كبيراً لما يتمتع به من مهنية خلال فترة عمله في المنظمة الدولية للملكية الفكرية”.
وأشار إبراهيم المقرب من دوائر الاتحاد الإفريقي، إلى أن رئيس مفوضية الاتحاد يرى أن “تعيين شخصية مدنية سيكون لها دور كبير في خلق تقارب بين العديد من الجهات، وقد يكون لإدريس دور في محاولة استعادة السودان لموقعه في التكتل القاري”.
وعلى ذات درب الاتحاد الإفريقي، سارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد”، التي أعربت عن أملها في أن يكون تعيين إدريس خطوة فعالة نحو إحياء العملية السياسية في البلاد، حاثة الأطراف السودانية المعنية على المشاركة في مشاورات وطنية واسعة النطاق تهدف إلى استعادة الحكم الدستوري، وإحلال السلام، وإرساء أسس سودان مستقر وديمقراطي.
أما الأمم المتحدة، فأكدت على ضرورة أن يكون تعيين رئيس وزراء جديد للسودان “خطوة أولى” نحو مشاورات شاملة لتشكيل حكومة تكنوقراط وإحلال السلام.
“قرار تأخر كثيراً”
وبينما تنقسم الآراء حول إدريس، إلا أنه يحظى بتأييد التيار الديني على وجه الخصوص، وفقاً لمدير إعلام رئاسة الجمهورية الأسبق، في عهد الرئيس السابق عمر البشير، أبي عز الدين، وهو شخصية مقربة من دوائر صنع القرار في حزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية.
وفي هذا الإطار، قال عز الدين لـ”الشرق”، إن من طبيعة المجتمع السوداني “عدم الاتفاق على المرشحين والتعامل بالهواجس، وهذا يشمل التيارين اليميني واليساري على حد سواء، لكن يبقى قرار تعيين رئيس وزراء مهماً، بغض النظر عن الشخصية المختارة، لأنه يجعل مجلس السيادة والجيش يتفرغان لمهامها العسكرية، في حين يُدير (إدريس) الشؤون المدنية للدولة”.
وأشار إلى أن الرأي العام الداخلي ربما لا يلتفت كثيراً لهذا التعيين في هذه المرحلة، لأن هموم المواطن حالياً تتركز حول “كيفية حسم ملف الدعم السريع والقضاء على أي أفكار انفصالية لدارفور، واستكمال استعادة الأمن في البلاد”.
واعتبر عز الدين أنه “ليس مطلوباً من حكومة إدريس أي إنجازات سوى العبور من هذه المرحلة في الفترة الانتقالية بسلام، والوصول لمرحلة الانتخابات بصورة سلسة، ثم ينتخب المواطنون الحكومة المناط بها إعادة الإعمار واستكمال النهضة، والتعبير عن الرؤى السياسية المتباينة بصورة للمجتمع السوداني”.
وأوضح أنه من اللافت أن معظم الإسلاميين أيدوا تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، سواء “كقرار ضروري تأخر كثيراً، أو كشخص مهني لا ينتمي إلى تيار سياسي في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الدولة السودانية”.