يعد رادار Don-2N الروسي، المعروف لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) باسم “صندوق الحماية”، عنصراً أساسياً في البنية التحتية الدفاعية الاستراتيجية لموسكو، ويهدف إلى الحماية من تهديدات الصواريخ الباليستية.
ويقع الرادار الضخم، بالقرب من سوفرينو في منطقة بوشكينسكي بمقاطعة موسكو، وهو عنصر أساسي في نظام A-135 الروسي المضاد للصواريخ الباليستية، بحسب مجلة “The National Interest”.
وتؤكد القدرات المتقدمة لرادار Don-2N، وتصميمه الفريد، وجهود التحديث المستمرة على أهميته في إطار الأمن القومي الروسي.
مواصفات رادار Don-2N
يتميتز رادار Don-2N، بهيكل مهيب، وشكله الرباعي المخروطي الفريد، فكل جانب من جوانبه الأربعة مُجهز برادار بقطر 59 قدماً يعمل بنطاق التردد الفائق- SHF، ما يوفر تغطيةً بزاوية 360 درجة لكشف الصواريخ وتتبعها.
وبجوار كل مصفوفة دائرية للبحث والتتبع، توجد مصفوفة هوائيات مربعة بمساحة 33 قدماً، مفصولة بهيكل حماية رأسي، تُستخدم لتوجيه الصواريخ الاعتراضية عبر وصلة بيانات.
ويمكن للرادار اكتشاف الأجسام الصغيرة، التي يُقال إن حجمها لا يتجاوز 5 سنتيمترات، على مسافات تصل إلى 1243 ميلاً، وارتفاعات تصل إلى 24855 ميلاً.
حسابات معقدة
ويعمل النظام بواسطة حاسوب عملاق من طراز Elbrus-2، ويُدير العمليات الحسابية المعقدة اللازمة لتتبع أهداف متعددة، وتحليل مساراتها، وتنسيق صواريخ الاعتراض.
وتُمكّن هذه القدرة الحسابية الرادار الروسي من العمل بشكل مستقل، وهي ميزة بالغة الأهمية في حال انقطاع الاتصالات مع مركز القيادة والتحكم.
ويوفر تصميم الرادار ذي المصفوفة المرحلية، مع مصفوفاته الممسوحة إلكترونياً، مسحاً سريعاً، ودقة عالية، ما يجعله قادراً على القيام بمهام الكشف والتتبع والتوجيه في آن واحد.
وتعزز قدرته على مراقبة النصف العلوي من الكرة الأرضية باستمرار، والتكامل مع أنظمة الدفاع الصاروخي والمراقبة الفضائية الروسية الأوسع، من استخداماته.
ويعود تطوير روسيا للرادار، كما هو الحال في كثير من جوانب التاريخ العسكري الحديث للبلاد، إلى الديناميكيات الجيوسياسية للحرب الباردة، وخاصةً معاهدة حظر الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972.
وسمحت هذه المعاهدة للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بتحديد منطقة دفاع صاروخي لكل منهما.
وبينما اختارت الولايات المتحدة داكوتا الشمالية، موطن معظم ترسانتها النووية، أعطى الاتحاد السوفيتي الأولوية لموسكو، ما يعكس الأهمية السياسية والرمزية للعاصمة.
وبدأ بناء Don-2N، عام 1978، وبلغ الرادار كامل قدرته التشغيلية بحلول عام 1989، دخل الخدمة رسمياً عام 1996، بعد اختبارات مكثفة ودمجه في نظام A-135.
وطُوّر نموذج أولي، يُعرف باسم Don-2 NP، في موقع اختبار ساري شاجان في كازاخستان، ليكون بمثابة ميدان اختبار للتقنيات التي تم تطبيقها لاحقاً في Don-2N.
تطوير صاروخ Don-2N
وقالت مجلة The National Interest، إن تطوير صاروخ Don-2N، يعد “إنجازاً هندسياً بالغ الأهمية”، إذ تطلب مواد متطورة، وتصنيعاً دقيقاً، وبرمجيات متطورة لتلبية متطلبات الدفاع الصاروخي الحديث.
ولعبت المنشأة الواقعة بالقرب من فريازينو، وهي مدينة علمية شمال شرق موسكو، دوراً محورياً في إنتاج مكونات الرادار عالية الجودة بالموجات الدقيقة والمليمترية، ملتزمةً بالمعايير العسكرية الصارمة.
وتتجلى الأهمية الاستراتيجية لرادار Don-2N الروسي في أن الجيش الأميركي، وفقاً للخطة التشغيلية المتكاملة الموحدة لعام 1998، خصص 69 سلاحاً نووياً متتالياً لتحييد المنشأة، ما يُبرز تهديدها المُتصور للمصالح الاستراتيجية الأميركية.
ويعكس هذا الاستهداف دور الرادار في تعطيل الهجمات الصاروخية المحتملة، ما يجعله من الأصول ذات الأولوية القصوى لروسيا.
مهام Don-2N
يتمثل الدور الرئيسي لرادار Don-2N في كشف وتتبع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وغيرها من التهديدات الباليستية التي تستهدف موسكو، وتوفير الإنذار المبكر، وتمكين طائرة A-135 من نشر صواريخ اعتراضية، مثل صواريخ 53T6.
وتعزز قدرة الرادار على تصنيف الرؤوس الحربية، وتمييزها عن الصواريخ المزيفة، ومكافحة التشويش النشط، من فاعليته في مواجهة التهديدات الصاروخية المتطورة.
وبالإضافة إلى الدفاع الصاروخي، يساهم Don-2N في مراقبة الفضاء الروسي، إذ يقوم تلقائياً باكتشاف وتتبع الأجسام في المدار، ونقل بيانات المسار إلى مركز مراقبة الفضاء المركزي الروسي.
وتجلت حساسية الرادار في تجربة مشتركة أجريت عام 1994 مع الأميركيين، ضمن برنامج ODERACS 1، حيث رصد كرة قطرها بوصتان على بُعد يتراوح بين 932 و1243 ميلاً، متفوقاً بذلك على رادارات أخرى، بما في ذلك رادار Cobra Dane الأميركي.
وتُبرز هذه المميزات قدرة Don-2N على رصد الحطام الفضائي، والتهديدات المحتملة للأقمار الصناعية.
ويضمن تكامل هذا الرادار مع شبكة الإنذار المبكر الأوسع في روسيا، بما في ذلك رادارات Voronezh ومنظومة الأقمار الصناعية EKS، تغطية شاملة لمناطق إطلاق الصواريخ المحتملة.