خطيب بدلة
دخل رجل غاضب، على زوجته التي كانت منهمكة بتحضير الطعام في المطبخ. لم تكن منتبهة لدخوله، صاح بها، التفتت، ضربها كفين أصعب من فراق الوالدين. ذهلت، قالت: أيش بك؟ ليش ضربتني؟ قال: لأنك أضعتِ المنجل في الحصاد، السنة قبل الماضية!
يكاد هذا المنطق الأعوج، أن يكون طاغيًا على الأوضاع الاجتماعية، والسياسية، والإعلامية السائدة في بلادنا، هذه الأيام، فعندما ترتكب جماعة محسوبة على السلطة عملًا يصل، أحيانًا، إلى مستوى الجريمة، يسارع المدافعون عن السلطة للقول إن ما حصل لا يعادل عِشر معشار ما كان نظام الأسد المجرم يرتكبه بحق هذا الشعب الطيب، الصامد، المعطاء، فإذا اعترفت السلطة، نفسها، بما حدث، واستنكرته، ونسبته لجماعات غير منضبطة، ينط المدافع عن السلطة ليلبسك أنت، شخصيًا، التهمة، إذ يقول لك: إن الأمر كان سيمر بأمان، لو لم تشر أنت إليه، فأنت، للأسف، تقف ضد مصلحة بلدك، وشعبك، ولا عمل لك غير أن تثير الفتنة، وتبعث الشقاق في صفوف أبناء أمتنا الصامدة.
إذا انتقد أحد السوريين توجه السلطة الحالية للصلح مع إسرائيل، وتكثيفها الخطوات والإجراءات التي تؤدي إلى ذلك، يهرع المدافعون عن السلطة لإسكاته، بذريعة أن النظام السوري، المجرم، البائد، الهارب، أبقى الجبهة السورية مع إسرائيل مغلقة، منذ 1974، لم يطلق منها طلقة واحدة.
عندي رغبة عارمة، أن أقول للمستميت في الدفاع عن السلطة، بهذه الطريقة المستنسخة من حكاية الرجل التافه الذي صفع زوجته، بحجة أنها أضاعت المنجل في الحصاد، قبل سنتين: تضرب أنت والنظام المجرم، البائد، الهارب، يا أخي، إذا سمحت، انظر إلي، واسمعني، أنا ابن الشعب المتضرر الوحيد في كل هذه “المعميكة”: أنت، اليوم، لا تعتبر النظام المجرم، البائد، الهارب، خصمًا لك، ولا عدوًا لك، بل تتخذه قدوة، وتضع نفسك، دائمًا، في موقع المقارنة معه، وتتباهى علينا، بأنك تقتل من أبناء الشعب “أقل” مما قتل النظام، وتحجز من حريات الناس أقل مما حجز، وتهجر منهم أقل مما هجر.
كنا نقول، عن ذلك النظام، إنه يمشي قطعة واحدة، مثل الكركدن، لا يستجيب لتطلعات الشعب، ولا يخطو خطوة واحدة نحو إصلاح سياسي، أو اقتصادي، ولا يتخلى عن الحل الأمني، القمعي، فما الشيء المختلف الذي تفعله أنت، ويميزك عما كان النظام وزلم النظام يفعلونه؟
أريد منكم أمرًا آخر، أن تحددوا لنا كم من الوقت يلزمكم، حتى تتصرفوا تجاه الدولة، والشعب، دون الالتفات إلى حقبة النظام البائد، وتمنعوا وزراءكم، ومدراءكم، ومسؤوليكم، ومراسليكم الصحفيين، من إلقاء اللوم، فيما يتعلق بإخفاقاتكم، على عاتق النظام، وأن تحذفوا من خطاباتكم عبارة “لقد رزح شعبنا تحت نير النظام البائد أربعًا وخمسين سنة، فانتفض، وثار، وبهمة رجاله المخلصين تحرر”.. احذفوها، رجاء، لأن طبلات آذاننا انبعجت، من فرط ما سمعناها، واحكوا لنا عنكم، عن خططكم، ومشاريعكم، والخطوات التي تريدون اتباعها حتى تصبح سوريا دولة محترمة، مستقلة بذاتها، لا هم لها سوى إزالة الأنقاض، وترميم الجراح، وبناء المؤسسات التي توصلنا إلى بر الأمان.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي