اخر الاخبار

“رجل الظل” مارك كارني.. اقتصادي مُحنك يقتنص رئاسة وزراء كندا

يستعد مارك كارني لتولي رئاسة حكومة كندا، بعدما حسم محافظ البنك المركزي السابق، سباق الحزب الليبرالي الحاكم، خلفاً لجاستن ترودو الذي أعلن في يناير الماضي تنحيه، وذلك خلال أزمة جديدة تعيشها أوتاوا، جرّاء حرب تجارية مع الولايات المتحدة، أكبر شريك تجاري لها، وسط مخاوف من أن تتسبب في شلل للاقتصاد الكندي.

وقدم كارني، الذي عادة ما كان يرفض المشاركة السياسية لأكثر من عقد وسط “مغازلة” من أعضاء وداعمي الحزب الليبرالي، استشارات اقتصادية للحكومة بشأن التعافي من أزمة “كوفيد-19″، وسعى خلال تلك الفترة للبقاء بعيداً عن الأضواء، لكنه ظهر بشكل رسمي، في يناير، بعد استقالة ترودو، ليقتنص خلال شهرين فقط منصب رئيس الوزراء، وذلك على الرغم من أنه لم يُنتخب قط لمنصب سياسي من قبل.

وحصل محافظ البنك المركزي السابق، في انتخابات الحزب الليبرالي، على 131 ألفاً و674 صوتاً، وهو ما يمثل 85.9% من إجمالي الأصوات المشاركة، بينما حصلت منافسته كريستيا فريلاند، التي جاءت في المرتبة الثانية، على 11 ألفاً و134 صوتاً فقط.

من هو مارك كارني؟

وُلد كارني في منطقة فورت سميث في الأقاليم الشمالية الغربية في 16 مارس 1965، ونشأ في مدينة إدمونتون بمقاطعة ألبرتا. ولعب رياضة الهوكي كحارس مرمى أثناء نشأته، وفق ما أورده موقع حملته الإلكتروني.

وبشأن حياته الشخصية، فهو متزوج من سيدة بريطانية تُدعى ديانا وله ومنها 4 فتيات.

ويحمل رئيس وزراء كندا المقبل، أيضاً الجنسية البريطانية والإيرلندية، وقرر الاحتفاظ بالجنسية الكندية فقط، وهو ما لا يفرضه القانون، ولكن اعتبره مراقبون قراراً سياسياً صائباً.

وحصل كارني على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة “هارفارد” عام 1988، حيث تلقى تعليمه بمنحة دراسية، ثم حاز على درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة “أكسفورد”. كما شارك في فريق الجامعة لرياضة الهوكي، وكان حارس مرمى احتياطياً.

ووفقاً لصحيفة “هارفارد كريمسون” الجامعية، فهو ثالث خريج من جامعة “هارفارد” يشغل منصب رئيس وزراء كندا، بعد بيار اليوت ترودو (والد جاستن)، ووليام ليون ماكينزي كينج.

مسيرته مارك كارني المهنية

كان كارني أحد المديرين التنفيذيين السابقين في شركة “جولدمان ساكس”، وعمل لمدة 13 عاماً في لندن وطوكيو ونيويورك وتورنتو، قبل تعيينه نائباً لمحافظ بنك كندا في عام 2003.

وبحلول عام 2008، تم تعيينه محافظ البنك المركزي الكندي، حيث تولى المنصب في الوقت الذي انزلق فيه العالم إلى الركود. وخلال حملته لقيادة الحزب الليبرالي، ركز كارني على هذه الفترة من تاريخه باعتبارها دليلاً على خبرته في التعامل مع الأزمات، قائلاً إنه ساعد في حماية الوظائف واستقرار الاقتصاد، وفق موقع حملته.

ويبدو أن أداءه كان جيداً لدرجة أنه بحلول نهاية ولايته التي استمرت 5 سنوات، تم اختياره ليصبح محافظ البنك المركزي في إنجلترا كأول شخص غير بريطاني يشغل هذا المنصب منذ تأسيس المصرف العام 1694.

أقل حذراً من المصرفيين التقليديين

يُنسب إلي كارني أيضاً تقديم صورة حديثة للمصرف، إذ ظهر في وسائل الإعلام بشكل متكرر أكثر من سلفه. وفي عام 2015، بدأ في نشر محاضر الاجتماعات جنباً إلى جنب مع الإعلان عن قرارات أسعار الفائدة.

ورغم أن أسعار الفائدة وقتها كانت ثابتة عند أدنى مستوياتها التاريخية عندما تولى منصبه، لكنه قدم سياسة “التوجيه المستقبلي”، حيث دعم البنك الاقتصاد بشكل أكبر وشجع الإقراض من خلال التعهد بعدم رفع الأسعار حتى ينخفض ​​معدل البطالة إلى ما دون 7%.

وشغل المنصب لمدة 7 سنوات وكان من المعارضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2020، عمل كمبعوث خاص للأمم المتحدة للعمل المناخي والتمويل، ودعا القطاع المالي إلى الاستثمار في الانبعاثات الصفرية الصافية.

رافض بشدّة لسياسات ترمب

سنوات عمل كارني في البنك المركزي البريطاني منحته الكثير من الخبرة في التعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فمن عام 2011 إلى 2018، كان رئيساً لمجلس الاستقرار المالي، الذي نسق عمل السلطات التنظيمية حول العالم، ما منحه دوراً رئيسياً في الاستجابة العالمية لسياسات ولاية ترمب الأولى.

كما كان حاضراً بانتظام في اجتماعات مجموعة العشرين، مع رؤية جانبية لترمب على المسرح العالمي. وفي عام 2021 أطلق تحالف جلاسكو المالي، وهو تجمع للبنوك والمؤسسات المالية التي تعمل على مكافحة تغير المناخ.

وفي خطاب فوزه، قال كارني: “ستستمر حكومتي في فرض الرسوم الجمركية حتى يظهر الأميركيون احترامهم لنا.. وفي الوقت نفسه، سنتأكد من استخدام كل العائدات من الرسوم الجمركية لحماية عمالنا”. وأضاف أن “تهديدات ترمب بمحو الحدود بين البلدين وضم كندا من شأنها، إذا نجحت، أن تدمر أسلوب حياتنا”، مؤكداً أن “كندا لن تكون أبداً جزءً من أميركا، بأي شكل من الأشكال”.

وفي أحد خطاباته الانتخابية، قال إن “الأميركيين يريدون مواردنا ومياهنا وأرضنا وبلادنا.. فكروا في الأمر.. إذا نجحوا سيدمرون أسلوب حياتنا”. وأضاف: “في أميركا، تعتبر الرعاية الصحية تجارة ضخمة، أما في كندا فهي حق من حقوق المواطن”.

مواجهات مع المعارضة

ومع تولي كارني رئاسة الوزراء عقب استقالة ترودو، وبحسب القانون الكندي، فلا بد من إجراء انتخابات عامة بحلول نهاية أكتوبر المقبل، حال صمود الائتلاف. علماً بأن كراني يحق له الدعوة لانتخابات مبكرة.

وبما أن كارني الذي لا يشغل مقعداً انتخابياً في البرلمان الكندي، فالأمر يفرض تحديات عملية، لأن رئيس الوزراء يحكم من خلال قيادته للأغلبية في الهيئة التشريعية الكندية.

وفي الوضع الحالي، فإن كارني لا يستطيع الإدلاء بصوته في التصويت البرلماني، ولا يمكنه المشاركة عندما يتحدى المشرعون وزراء الحكومة عند الاستجواب.

وفي أواخر العام الماضي، دفع زعيم المعارضة وحزب “المحافظين”، بيير بواليفير، مرات عدة من أجل التصويت على حجب الثقة، قبل أن يدخل البرلمان في عطلة في 6 يناير. وعندما يعود البرلمان في 24 مارس، قد يعود بواليفير للضغط على الائتلاف الليبرالي وحل الحكومة. وعندها سيواجه كارني حزب المحافظين في صناديق الاقتراع.

وأيد ما يقرب من 86% من الكنديين إجراء انتخابات عامة فورية للرد على تعريفات ترمب عندما تم استطلاع آرائهم في فبراير الماضي.

مخاوف من “المحافظين”

وحتى فترة قريبة، كان بواليفير الأوفر حظاً للفوز بحملة عنوانها “كندا مكسورة”، منتقداً سياسات ترودو التي أدت إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، فيما كان يقدم نفسه كـ”المنقذ المنتظر”، لكن عودة ترمب إلى السلطة خلطت كل الأوراق. وبعدما استفاد الزعيم الشعبوي من انتقاد ترودو يومياً، تفوقت القومية على التعصب الحزبي.

ويقود بواليفير زعامة حزب المحافظين منذ 2022، ويطلق عليه إعلامياً بأنه “ترمب الكندي” بسبب أسلوبه الاستفزازي وسياسات حزبه المتماهية مع سياسات الحزب الجمهوري (مثل خفض نفقات الدعم الخارجي).

ورغم أنه حاول التنكر لدعم الرئيس الأميركي، وغيّر عنوان حملته من “كندا المكسورة” إلى “كندا أولاً”، إلا أنه صبغة ترمب لم تفارقه، وهو ما استغله كارني، واصفاً بواليفير بأنه “يقدس” ترمب، وبأنه يستخدم لغته وبذلك فهو ليس الرجل المناسب لكندا في هذا الوقت الحاسم.

وكان استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “نانوس”، كشف أن 40% من الكنديين يرون أن كارني هو أقوى زعيم لمواجهة ترمب، في حين يعتقد 26% فقط أن بواليفير هو الخيار الصحيح، حسب ما نشرت قناة CTV.

وبعدما كان الانقسام كلاسيكياً بين الليبراليين والمحافظين حول قضايا مثل البيئة والطاقة والضرائب والمثلية الجنسية وحتى ملف غزة، تمكن ترمب من توحيد الكنديين إلى حد كبير، ويشكل طرح “من يواجه ترمب بالطريقة الأفضل” عنوان المرحلة المقبلة، وفي ذلك ينتافس المتنافسون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *