“توقفت لمدة عامين عن الالتحاق بالمدرسة الثانوية التجارية، نظرًا لبعدها عن قريتي، وعدم مقدرتي على دفع أجرة النقل اليومي المرتفعة بين منزلي والمدرسة”، قال علي يوسف، وهو طالب في المرحلة الثانوية من إحدى قرى جبلة بالساحل السوري، نجح في الامتحانات الأخيرة.

وأضاف علي، “اليوم، أضع رغبتي في دراسة إدارة الأعمال بجانب أحلامي، وأتجه لاختيار رغبات لا تحتاج إلى الحضور في الجامعة كل يوم، ضمن قائمة التسجيل على المفاضلة العامة”.

تبعد قرية علي عن مدينة جبلة حوالي 13 كيلومترًا، وتبلغ أجرة الركوب في “ميكروباص” القرية 8500 ليرة سورية للوصول إلى الكراج في مدينة جبلة، وعليه بعدها الصعود بـ”ميكروباص” آخر بتكلفة 8000 ليرة سورية للوصول إلى جامعة “اللاذقية”، أي سيحتاج إلى دفع ما يقارب 35000 ليرة سورية في كل يوم حضور.

معاناة علي ليست استثناء، فطلاب قرى الساحل السوري يواجهون أزمة يومية في الوصول إلى جامعاتهم ومدارسهم، إذ باتت أجور النقل تستنزف الجزء الأكبر من دخل العائلة، حتى إن بعض الأهالي والطلاب ممن تواصلت معهم والتقتهم، في عدد من قرى الساحل السوري، يصفونها بأنها “قسط جامعي إضافي”.

وعلى الرغم من توفر وسائل النقل بشكل أكبر بعد سقوط نظام الأسد، فإن ارتفاع الأجور فيها شكّل هاجسًا لكثير من الطلاب أمام متابعة تعليمهم الجامعي، وتتراوح تعرفة “الميكروباصات” بين كل من قرى نواحي اللاذقية وطرطوس، ومراكز المدن فيها، بين 5000 و21000 ليرة سورية، حسب المسافة بين القرية ومركز الانطلاق، وفق النشرات التي حصلت عليها من مديرتي نقل اللاذقية وطرطوس.

وفي عملية حسابية بسيطة، في حال تم تقدير التكلفة الوسطية للطالب للوصول إلى جامعته والعودة منها بـ25000 ليرة سوريا يوميًا، ويحتاج للدوام أربعة أيام خلال كل أسبوع، تصل التكلفة الإجمالية الشهرية لكل طالب إلى حوالي 450 ألف ليرة سوريا لوسائل النقل فقط، وهو ما يقارب نصف الأجر الشهري لموظف القطاع العام.

إيقاف تسجيل لحين توفر تكلفة النقل

تيم سليمان، طالب في كلية الهندسة التقنية بجامعة “طرطوس”، قال ل، إنه اضطر لإيقاف تسجيله بالفصل الدراسي الماضي بسبب تعرفة المواصلات المرتفعة والتي تفوق طاقته، في حين لن يتمكن من استئناف دراسته هذا العام أيضًا للسبب نفسه.

وتابع الطالب أن تعرفة خط بانياس- طرطوس تصل إلى 24 ألف ليرة ذهابًا وإيابًا يوميًا، دون حساب تعرفة “السرافيس” داخل المدن وصولًا إلى كراجات الانطلاق، لافتًا إلى أن أجور المواصلات تشكل عائقًا كبيرًا أمام آلاف الطلاب بطرطوس خاصة في ظل عدم وجود سكن جامعي بالمحافظة.

في حين قررت بتول محمود استغلال إمكانية إيقاف التسجيل المؤقت في الجامعات، بدلًا من خسارة حلمها الجامعي، أو دراسة فرع آخر يتوفر فيه سكن جامعي كمدارس التمريض، أو فرع يمكنها اجتيازه من خلال قراءة الملخصات والمحاضرات الجاهزة.

قالت بتول، “لطالما أحببت دراسة الهندسة الزراعية، فهل عليّ اليوم التخلي عن ذلك بسبب المواصلات، وعلى الرغم من أن معدلي في الشهادة الثانوية يساعدني في دراسة كثير من الفروع الجامعية الأدبية التي لا تحتاج لحضور يومي، كالحقوق مثلًا، فإنني لم أتنازل عن الهندسة، وسأعمل بعد التسجيل على الإيقاف المؤقت للدراسة، ريثما أجد عملًا يساعدني في تحصيل نفقات المواصلات إلى الجامعة”.

بدائل طلاب التعليم المهني

تتركز أماكن وجود الثانويات الصناعية والتجارية والزراعية ضمن مراكز المدن في كل من محافظتي اللاذقية وطرطوس، الأمر الذي يدفع أغلبية الطلبة غير المحققين لمعدل الدراسة في الثانوية العامة ضمن القرية إلى التوقف عن الدراسة لعامين، ومن ثم دراسة الشهادة الثانوية ضمن نظام “التعليم الحر” الذي يعتمد فيه الطلاب على الدورات والأساتذة الخصوصيين الذين يتقاضون أجورًا منخفضة في القرى.

بشرى عباس، ممرضة في مستشفى “اللاذقية”، وأم لشابين، حاولت خلال العامين السابقين البحث عن بيت للإيجار ضمن مدينة جبلة، ليتمكن ابنها البكر من متابعة تعليمه في الثانوية الصناعية، ووفق ما ذكرته ل، لا تختلف الإيجارات ضمن المدينة أو القرى القريبة منها كثيرًا عن تكلفة ذهاب ابنها أحمد من القرية إلى المدرسة.

وقالت إن مديري المدارس الثانوية يتفهمون الواقع المادي السيئ لأبناء القرى وصعوبة الحضور اليومي إلى المدرسة، مما يجعلهم يحصرون حصص المواد العملية الواجبة الحضور ضمن يومين أو ثلاثة، بحسب السنة الدراسية والمنهاج الخاص بها.

خلال أيام الدوام العملي في المدارس، يعمد أغلب الطلاب للإقامة لدى أقاربهم ممن يقطنون في المدن أو قرب المدارس، كحل بديل مؤقت يخفف عبء التكاليف المادية، ويرفع من درجة الأمان لدى الأهالي عوضًا عن الذهاب والإياب بـ”الميكروباصات”.

وقالت غزل حيدر، “هذا العام أحتاج للعيش في منزل خالي القريب من المدرسة الزراعية في اللاذقية، ريثما أنتهي من دراسة البكالوريا (السنة الأخيرة في المرحلة الثانوية)، ولا يمكنني العودة إلى القرية إلا خلال فترات العطل الطويلة، وبدء شهر المراجعة قبل الامتحانات النهائية”.

دراسة لتخفيض تعرفة الركوب

مدير مديرية نقل الركاب في اللاذقية، عبد الواحد حاج حسين، قال ل، إن تحديد تعرفة الركوب يتم بناء على المسافة الكيلومترية ووعورة الطرقات، كاشفًا أن هناك دراسة قائمة لإيجاد تخفيضات مخصصة للطلاب الجامعيين.

وأضاف أن المديرية تستقبل جميع الشكاوى والطلبات الواردة من المناطق والنواحي والقرى، خاصة المتعلقة بتقاضي أجور زائدة، إذ يتم التعامل معها أصولًا عبر مكتب المراقبة والمتابعة في المديرية.

ويتفق مدير نقل طرطوس، غيث عبد الرحمن مرشان، مع حاج حسين في تصريحه ل، فيما يتعلق بوضع وتحديد التعرفة بناء على طول الخط ووعورة الطريق ونسبة التبديل والتكاليف التشغيلية للمركبة.

وأشار مرشان إلى أن هناك دراسة لتعرفة خاصة لطلاب الجامعات من مستخدمي النقل الداخلي، مع إمكانية تسيير رحلات خاصة بالطلاب من أماكن سكنهم إلى جامعاتهم.

مع استمرار ارتفاع أجور المواصلات، يبقى حلم الطلاب في الساحل السوري معلقًا بين قرى بعيدة وطرق صعبة، فيما تبقى شهاداتهم وآمالهم مؤجلة حتى تتحسن القدرة على الوصول إلى مقاعد الدراسة.

“النقل” تدرس تعديل أجور الشحن داخل سوريا

المصدر: عنب بلدي

شاركها.