نشر الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي، الأربعاء، رسائل بريد إلكتروني قالوا إنها تثير تساؤلات جديدة عن علاقة الرئيس دونالد ترمب برجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، المدان بالاعتداء الجنسي ومدى معرفته باستغلال فتيات قاصرات، فيما قال البيت الأبيض إن الرسائل الإلكترونية “لا تثبت شيئاً على الإطلاق”.

واستشهد الديمقراطيون، الأربعاء، بمراسلات متبادلة بين إبستين والمؤلف مايكل وولف وجيلين ماكسويل، وهي سيدة مجتمع بريطانية تقضي حكماً بالسجن لمدة 20 عاماً بسبب دورها في تسهيل جرائم إبستين في الاستغلال الجنسي.

وتطارد قضية إبستين، الذي انتحر في زنزانة بسجن في مانهاتن عام 2019، الرئيس الأميركي منذ أشهر، وأثارت استياءً بين أنصاره السياسيين الذين انتقدوا وزارة العدل، لأنها لم تكشف عن معلومات إضافية، لكن ترمب ينفي بشدة وباستمرار علمه بجرائم الاتجار الجنسي التي ارتكبها إبستين، قائلاً إنهما كانا صديقين في الماضي قبل أن تقع بينهما قطيعة.

“أمضى ساعات في منزلي”

وفي رسالة إلى وولف تعود لعام 2019، كتب إبستين أن ترمب “كان يعلم بشأن الفتيات”، من دون أن يتضح المعنى الدقيق لتلك العبارة، كما تتضمن الوثائق، رسالة في عام 2011 إلى ماكسويل وصف فيها إبستين ترمب بأنه “ذلك الكلب الذي لم ينبح”، مضيفاً أن ترمب “أمضى ساعات في منزلي” مع إحدى ضحاياه، وقد حُجب اسمها.

وفي إحدى الرسائل، يشير إبستين إلى صديقة تبلغ من العمر 20 عاماً “أعطاها لترمب” في عام 1993، ويتحدث عن صور “دونالد وفتيات يرتدين ملابس البحر في مطبخي”، ولم يتضح ما إذا كان قد قال ذلك على سبيل المزاح.

بدوره، قال وولف إن “رسائل البريد الإلكتروني التي نشرتها لجنة الرقابة تضمنت بعض الرسائل بيني وبين إبستين، حيث ناقش علاقته بدونالد ترمب، لكنه لم يُفصّل محتواها أو علاقته بإبستين”، حسبما أفادت به مجلة “بوليتيكو”.

وفي هذه الرسائل، يبدو وولف وكأنه مستشار لإبستين، إذ يقدّم له النصائح حول كيفية الرد على القصص المُضرة، وكيفية دمج ترمب في حملاته الدعائية، وكيفية استغلال علاقته به لمصلحته وسط معاناته القانونية.

واكتسب وولف سمعة سيئة خلال ولاية ترمب الأولى؛ بسبب كتبه المثيرة للجدل عن الرئيس، والتي ادعى البيت الأبيض آنذاك أنها “غير دقيقة وغير أخلاقية”، رغم أنه تمكن من الوصول إلى شخصيات مقربة من الرئيس.

نصائح إلى روسيا

وكشفت رسائل بريد إلكتروني نشرها محققون في الكونجرس، أن إبستين زعم أنه قدّم لمسؤولين روس “رؤية خاصة” حول الرئيس الأميركي، وعرض المساعدة على موسكو في فهم طريقة تفكير ترمب قبل لقائه الشهير بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي عام 2018، بحسب ما أوردته مجلة “بوليتيكو”. 

وفي مضمون إحدى الرسائل، حاول إبستين تمرير رسالة إلى أحد كبار الدبلوماسيين الروس قبل نحو شهر من قمة هلسنكي بين ترمب وبوتين، جاء فيها: “إذا أردتم فهم ترمب، تحدثوا معي”.

وكتب إبستين في رسالة بريد إلكتروني تعود لتاريخ 24 يونيو 2018 إلى ثوربيورن ياجلاند، رئيس وزراء النرويج الأسبق ورئيس المجلس الأوروبي آنذاك، جاء فيها: “يمكنك أن تقترح على بوتين أن (سيرجي) لافروف، وزير الخارجية الروسي، يمكنه الحصول على رؤى من خلال الحديث معي”. 

وذكر ياجلاند في الرسائل، أنه سيلتقي في اليوم التالي مساعد وزير الخارجية الروسي، وأنه سيوصي بالتواصل مع إبستين، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا التواصل قد حدث بالفعل. 

وأشارت “بوليتيكو” إلى أن إبستين كتب في المراسلات أنه تحدث سابقاً عن ترمب مع فيتالي تشوركين، السفير الروسي لدى الأمم المتحدة الذي توفي عام 2017، قائلاً في إحدى الرسائل: “تشوركين كان رائعاً، لقد فهم ترمب بعد محادثاتنا. الأمر ليس معقداً، يجب أن يُرى وهو يحصل على شيء ما، فالأمر بهذه البساطة”.

وكتب لاري سامرز، وزير الخزانة في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والمستشار الاقتصادي للرئيس باراك أوباما، في رسالة موجّهة إلى إبستين بتاريخ 16 يوليو 2018، يوم القمة في هلسنكي: “هل يمتلك الروس شيئاً ضد ترمب؟ ما حدث اليوم كان صادماً حتى بمعاييره”.

ورد إبستين في اليوم التالي، قائلاً: “بريدي الإلكتروني مليء بتعليقات مشابهة. أنا متأكد أن ترمب يعتقد أن اللقاء سار بشكل رائع، فهو يظن أنه سحر خصمه… من الواضح أنه لم يُدرك الرمزية، ولا يدرك معظم الأمور الأخرى”. ووصف إبستين أداء الرئيس الأميركي في القمة بأنه “متوقّع”. 

ولفتت المجلة إلى أن إبستين علّق لاحقاً على اللقاء الذي جمع ترمب وبوتين في هلسنكي، والذي واجه انتقادات واسعة حول العالم بسبب ما اعتُبر “خضوعاً واضحاً” من الرئيس الأميركي لنظيره الروسي.

شبكة علاقات دولية

وكانت هذه الرسائل من بين العشرات التي تُظهر شبكة إبستين الواسعة من العلاقات الدولية، إذ كان كثيراً ما يتواصل مع العديد من الشخصيات حول العالم بشأن قرارات ترمب السياسية خلال فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض. 

وذكرت “بوليتيكو” أن إبستين واصل بعد أيام استعراض علاقاته الخارجية في مراسلات مع المستشار السابق لترمب، ستيف بانون. ففي 23 يوليو 2018، كتب له أنه يحتاج إلى التواجد فعلياً في أوروبا، إذا أراد أن يكون له تأثير هناك، قائلاً: “إذا كنت تنوي الانخراط في الأمور هنا (في أوروبا)، فعليك أن تمضي بعض الوقت، فالتعامل مع أوروبا عن بُعد لن ينجح”.

وأضاف إبستين أنه يستطيع ترتيب لقاءات شخصية بين بانون وعدد من القادة الأجانب، لكنه شدّد على ضرورة بقائه هناك لعدة أيام، موضحاً: “الخوف هو أن ترفع آمالهم ثم تتركهم. أعتقد أنك تريد أن تكون شخصاً مطلعاً، لا مجرد زائر يأتي ويغادر”.

واعتمد إبستين في كثير من الأحيان على شبكة علاقاته في الخارج لجمع الآراء حول ترمب، وكان أحياناً يستعرض شبكته الواسعة هذه في رسائل مع شركائه، إذ قبل عام من تواصله مع ياجلاند بشأن الروس، طلب الأخير من إبستين زيارته في ستراسبورج بفرنسا لمساعدته على “فهم المزيد عن ترمب وما يحدث في المجتمع الأميركي”.

تمهيد الطريق

وجاء هذا الكشف في اليوم الذي أدت فيه النائبة الديمقراطية أديليتا جريهالفا اليمين أمام رئيس مجلس النواب مايك جونسون، بعد سبعة أسابيع من فوزها في انتخابات خاصة في ولاية أريزونا. ومن شأن انضمامها للمجلس أن يمهد الطريق لإجباره على التصويت على نشر جميع السجلات المصنفة بأنها غير سرية والمتعلقة بإبستين، وهو أمر يتصدى له جونسون وترمب حتى الآن.

وقالت جريهالفا: “حان الوقت لكي يستعيد الكونجرس دوره كرقيب لهذه الإدارة”، مضيفة أنها ستوقع على عريضة للإفراج عن الملفات.

وقال راعي هذا الإجراء، النائب الجمهوري توماس ماسي للصحفيين إن ذلك “سيمنحه الأغلبية اللازمة لإجراء التصويت”.

ووفقاً لما أوردته تقارير “أكسيوس” ووسائل إعلام أخرى، تواصل ترمب ومسؤولون آخرون في الإدارة مع النائبتين الجمهوريتين لورين بوبيرت ونانسي ميس في محاولة لحملهما على إزالة اسميهما من العريضة التي من شأنها أن تفرض التصويت على نشر جميع الملفات.

وقالت بوبيرت للصحافيين إنه “لم يكن هناك ضغوط، عندما التقت بمسؤولين في البيت الأبيض لمناقشة الأمر الأربعاء”، مضيفة أنها “لا تزال مؤيدة للعريضة”. بدورها، قالت ناطقة باسم ميس، التي تحدثت علناً عن تجربتها كناجية من اعتداء جنسي، إنها “لن تحذف اسمها من العريضة بسبب تجربتها الشخصية”.

“خدعة إبستين”

من جانبه، وجه ترمب، الأربعاء، اتهامات للديمقراطيين بنشر رسائل البريد الإلكتروني لـ”تشتيت الانتباه” عن إغلاق الحكومة الاتحادية الذي يدخل يومه الـ44.

وكتب ترمب على منصته Truth Social: “يحاول الديمقراطيون إثارة خدعة إبستين مرة أخرى؛ لأنهم على استعداد لفعل أي شيء لصرف الانتباه عن مدى سوء أدائهم في قضية الإغلاق، والعديد من القضايا الأخرى”.

وفي إحاطة إعلامية، اتهمت كارولين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض الديمقراطيين بحجب اسم الضحية في رسائل البريد الإلكتروني المنشورة، لأن الضحية هي فرجينيا جوفري، التي توفيت منتحرة في أبريل الماضي، ولم تتهم ترمب بأي مخالفات في مذكراتها التي نشرت بعد وفاتها.

وقالت ليفيت: “هذه الرسائل الإلكترونية لا تثبت شيئاً على الإطلاق سوى براءة الرئيس ترمب من ارتكاب أي أخطاء”.

وكان أربعة من كل 10 جمهوريين، قالوا في استطلاع أجرته وكالة “رويترز” بالتعاون مع شركة “إبسوس” للأبحاث خلال أكتوبر الماضي، إنهم يوافقون على طريقة تعامل ترمب مع ملفات إبستين، وهي نسبة أدنى بكثير من 9 من كل 10 يؤيدون أداء الرئيس العام في البيت الأبيض.

شاركها.