أظهرت رسائل بريد إلكتروني داخلية حصل عليها موقع “أكسيوس”، أن مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أعربوا مراراً عن قلقهم وانتقاداتهم للطريقة التي اتبعها فريق الرئيس في إصدار قرارات العفو المثيرة للجدل، إضافةً إلى الاستخدام المتكرر للتوقيع الآلي خلال الأسابيع الأخيرة من ولايته.

وذكر الموقع أن هذه الرسائل تُعد مؤشراً جديداً على “الفوضى” التي سادت في المرحلة الأخيرة من إدارة بايدن، ولا سيما في ما يتعلق بملف العفو الرئاسي والتوقيع الآلي، وهما موضوعان يخضعان حالياً لتحقيقات من لجنة الرقابة في مجلس النواب التي يقودها الجمهوريون.

وأشار “أكسيوس” إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استشهد بالإجراءات التي اتبعها بايدن في إصدار قرارات العفو، في محاولة لتبرير العديد من قرارات العفو أو تخفيف الأحكام التي أصدرها لصالح داعمين مرتبطين بمانحين، إضافة إلى آخرين سُجنوا بسبب “محاولتهم قلب نتائج انتخابات عام 2020”.

وذكرت مصادر مطلعة، أن مستشاري بايدن بدأوا، بعد الجدل السياسي الواسع الذي أثاره إصدار عفو عن نجله هانتر بايدن في الأول من ديسمبر الماضي، بالبحث عن مزيد من الأسماء التي يمكن تضمينها في قرارات العفو.

ونقل الموقع عن أحد المصادر قوله: “كان هناك سباق محموم للعثور على مجموعات من الأشخاص الذين يمكنه العفو عنهم، لكن معظم هذه الأسماء لم تُعرض على وزارة العدل للمراجعة”.

وكان بايدن منح العفو لعدد أكبر من الأشخاص مقارنة بأي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، إذ بلغ عدد المستفيدين 4245 شخصاً.

ووفقاً لمركز “بيو” للأبحاث، تمت أكثر من 95% من هذه الإجراءات خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة من رئاسته.

وشملت هذه القرارات، بحسب الموقع الأميركي، إصدار عفو عن أفراد آخرين من عائلة بايدن في يومه الأخير في المنصب باستخدام قلم التوقيع الآلي، وهي أداة رقمية تتيح توقيع الوثائق من دون الحاجة إلى توقيع الرئيس شخصياً.

وأشار “أكسيوس”، إلى أن قرارات العفو التي شملت أفراداً من عائلة بايدن، خضعت لإجراءات خاصة.

اعتراضات داخلية

ومع بداية ولاية بايدن عام 2021، أرسلت جيس هيرتز، التي كانت حينها سكرتيرة للموظفين، مذكرة إلى الرئيس استندت فيها إلى سوابق من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أكدت فيها أن “التوقيع اليدوي يجب أن يُستخدم في قرارات العفو”.

لكن بايدن قرر استخدام التوقيع الآلي لمنح العفو لخمسة من أفراد عائلته، بينهم شقيقه وشقيقته اللذان وُجهت لهما اتهامات باستغلال اسم العائلة لتحقيق مكاسب مالية.

وتم اتخاذ القرار خلال اجتماع حضره أنتوني بيرنال، كبير مساعدي السيدة الأولى السابقة جيل بايدن، وفقاً للرسائل الداخلية.

وفي الساعة 10:31 مساءً من يوم 19 يناير الماضي، أي قبل أقل من 14 ساعة من مغادرة بايدن منصبه، أرسل جيف زينتس، كبير موظفي البيت الأبيض، رسالة بريد إلكتروني تؤكد استخدام التوقيع الآلي في تلك القرارات، جاء فيها: “أوافق على استخدام التوقيع الآلي لتنفيذ جميع قرارات العفو التالية”.

وتبيّن لاحقاً أن الرسالة أُرسلت من بريد زينتس الإلكتروني، لكنه لم يكتبها بنفسه، بل قامت مساعدته روزا بو، التي كانت تملك صلاحية الوصول إلى بريده الإلكتروني، بكتابة الرسالة وإرسالها إلى كبار مسؤولي البيت الأبيض نيابةً عنه، بحسب مصدر مقرب من زينتس، الذي أوضح أن الأخير “تحدث مع روزا في ذلك الوقت، وأذن لها بإرسال الرسالة”.

وكشفت الرسائل أيضاً أن عدداً من كبار مسؤولي وزارة العدل اعترضوا على طريقة إدارة ملف العفو لدى مكتب مستشار البيت الأبيض، الذي كان يشرف عليه إد سيسكل في الأشهر الأخيرة من ولاية بايدن.

وفي 17 يناير الماضي، أي قبل ثلاثة أيام فقط من مغادرته المنصب، أصدر بايدن 2490 قراراً لتخفيف الأحكام، وهو أعلى عدد من القرارات يصدره رئيس أميركي في يوم واحد، وقال حينها إنها كانت لأشخاص “أدينوا بجرائم مخدرات غير عنيفة، ويقضون أحكاماً طويلة بشكل غير متناسب”.

وأضاف بايدن متفاخراً: “بهذا الإجراء، أكون قد أصدرت أكبر عدد من قرارات العفو وتخفيف الأحكام أكثر من أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة”.

لكن في اليوم التالي، كتب برادلي وينشايمر، كبير محامي الأخلاقيات في وزارة العدل، مذكرة حادة انتقد فيها توصيف البيت الأبيض للمستفيدين بأنهم “غير عنيفين”، معتبراً ذلك “غير صحيح، أو على الأقل مضللاً”.

وتابع: “للأسف، ورغم الطلبات المتكررة والتحذيرات، لم تُتح لنا فرصة معقولة لمراجعة الأسماء أو تقديم ملاحظات بشأن الأشخاص المرشحين لنيل العفو”.

وبعد أن أمضى 34 عاماً في وزارة العدل، قدّم وينشايمر استقالته في فبراير احتجاجاً على قرار إدارة ترمب بإبعاده عن منصبه المتعلق بالأخلاقيات.

وزارة العدل تدخل على الخط

وأبدى كذلك مسؤولون آخرون في وزارة العدل اعتراضهم على الإجراءات التي اتبعها البيت الأبيض في عهد بايدن خلال الأشهر الأخيرة من ولايته.

وذكرت ليز أوير، وهي محامية مختصة بقضايا العفو في الوزارة، أنها “شعرت بالغضب من تدخل البيت الأبيض في قضايا المحكومين بالإعدام”، مشيرة إلى أن “محاميي البيت الأبيض طلبوا من وزارة العدل عدم التواصل مع عائلات ضحايا القتل، ما لم تكن الوزارة قد فعلت ذلك مسبقاً”.

وعقب الكشف عن حجم قرارات العفو التي أصدرها بايدن، أرسلت أوير رسالة اعتذار عبر البريد الإلكتروني إلى مكاتب المدّعين العامين الأميركيين، بحسب ما أكده عدة مصادر مطلعة على الرسالة.

يُذكر أن إدارة ترمب كانت أقالت أوير بعد أن أثارت مخاوف بشأن أسلوب تعامل فريق الرئيس مع ملفات العفو، بحسب روايتها.

وعندما سُئل بايدن في يوليو الماضي عن إجراءات العفو، قال لصحيفة “نيويورك تايمز”: “اتخذت كل قرار بنفسي”، موضحاً أنه “استخدم التوقيع الآلي فقط بسبب العدد الكبير من القرارات”.

لكن الوثائق الداخلية تشير إلى أن الرئيس الأميركي لم يكن بحاجة سوى إلى توقيع عدد قليل من الوثائق لكل مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين منحهم العفو، ما يُضعف تبريره لاستخدام التوقيع الآلي.

وفي المقابل، أبدى عدد من كبار مسؤولي البيت الأبيض في عهد بايدن تحفظاتهم على كثرة طلبات استخدام التوقيع الآلي.

وكشفت رسائل بريد إلكتروني، أن ستيف فيلدمان، سكرتير موظفي البيت الأبيض والمسؤول عن تدفق الوثائق في الجناح الغربي، طلب توضيحات بشكل متكرر، وتأكيدات على موافقة بايدن الصريحة عند طلب استخدام التوقيع الآلي، خصوصاً في قضايا العفو.

فعلى سبيل المثال، في 7 يناير، وبعد أن طُلب منه استخدام التوقيع الآلي على أمر تنفيذي، سأل فيلدمان: “متى حصلنا على موافقة بايدن على هذا؟”.

وفي 16 يناير، حين طُلب منه توقيع قرارات تخفيف أحكام تتعلق بجرائم الكوكايين، رد برسالة قال فيها: “سأحتاج إلى بريد إلكتروني من روزا بو في سلسلة المراسلات الأصلية، يؤكد أن بايدن وافق على هذه الوثائق المحددة”.

ومن المقرر أن يخضع زينتس، كبير موظفي البيت الأبيض في عهد بايدن، لجلسة استماع أمام لجنة الرقابة في مجلس النواب في 18 سبتمبر الجاري بشأن استخدام الرئيس السابق للتوقيع الآلي.

شاركها.