يستعد الرئيس الكاميروني بول بيا، البالغ من العمر 92 عاماً، لولاية رئاسية ثامنة الأحد، بعد أكثر من 4 عقود قضاها في الحكم، وسط مؤشرات على تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد، وشكوك واسعة بشأن نزاهة العملية الانتخابية، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
ويدخل بول بيا، وهو أكبر زعماء العالم سناً، الانتخابات الرئاسية المقررة، الأحد، في محاولة لتمديد حكمه حتى بلوغه عامه المائة تقريباً، إذ تبلغ مدة الولاية الرئاسية 7 سنوات.
وأشارت الصحيفة إلى أن بيا الذي نجا خلال فترة حكمه الطويلة من محاولات انقلاب، وحركات انفصالية، وشائعات متكررة عن وفاته، يعود من جديد، غالباً من الفندق السويسري الذي يقضي فيه معظم وقته، إلى المشهد السياسي الكاميروني.
وسافر بيا الذي يوصف بـ”الرئيس الغائب”، بسبب فترات إقامته الطويلة في الخارج، الشهر الماضي، إلى سويسرا لمدة أسبوع، رغم اقتراب موعد الانتخابات.
وقالت الصحيفة إن الرئيس الكاميروني يقيم منذ عقود في الطابق نفسه من فندق “إنتركونتيننتال” المطل على بحيرة جنيف، وذلك برفقة “حاشيته الصاخبة”، وفقاً لشهادات العديد من الأشخاص.
ونقل التقرير عن هربرت شوت، المدير السابق للفندق، قوله إنه التقى بالرئيس الكاميروني لأول مرة في عام 1969، حين كان بيا يشغل منصب مستشار رئاسي، مشيراً إلى أن الرئيس لا يزال يقيم في الفندق مرة أو مرتين سنوياً، وأنهما لا يزالان يتناولان العشاء معاً حتى اليوم.
ويسخر المعارضون لبول بيا من ترشحه مجدداً، إذ يقولون إنه “يبدو مخلصاً للديمقراطية لدرجة أنه يترشح لولاية ثامنة وهو في الـ92 من عمره”.
ويبدو بيا واثقاً للغاية من الفوز مجدداً، أو على الأقل من إعلان فوزه، لدرجة أنه خاض الحملة الانتخابية بشكل رمزي، ولم يظهر سوى في تجمّع انتخابي واحد فقط.
وفي غيابه، كانت صوره المؤطرة حاضرة في التجمعات السياسية الرسمية وفي أماكن التشريفات، كما شهدت بعض المسيرات استعراض دمى عملاقة له ولزوجته الثانية، شانتال، وهي ابنة ملكة جمال سابقة.
ورغم إعلان 83 مرشحاً نيتهم خوض السباق، بينهم موالون سابقون، تقلص العدد إلى نحو 10 فقط، بعد انسحابات واستبعادات، من بينهم المعارض البارز موريس كامتو، المؤسس المشارك لحركة النهضة المعارضة، الذي استُبعد في أغسطس الماضي، من قبل اللجنة الانتخابية بدعوى مقاطعة حزبه للانتخابات السابقة.
تدهور أمني واقتصادي
ويحق لنحو 8.2 مليون ناخب التصويت، لكن نسب الإقبال في الانتخابات السابقة كانت منخفضة، وذلك في ظل تدهور الأوضاع الأمنية بشكل كبير، وارتفاع معدلات الفقر، والركود الاقتصادي.
ولفتت “فاينانشيال تايمز”، إلى أن جماعة “بوكو حرام” المسلحة شنت هجمات متكررة شمال البلاد، في ظل عجز الجيش “المنقسم” عن ردعها، بينما أدى الصراع في غرب البلاد الناطق بالإنجليزية مع الانفصاليين إلى نزوح مئات الآلاف، وسط استياء واسع من هيمنة المناطق الناطقة بالفرنسية.
ونقلت عن المحامي والناشط المناهض للفساد أكيري مونا، الذي انسحب من السباق الرئاسي بعد فشله في تشكيل تحالف ضد بيا، قوله: “بعد 43 عاماً، ما زال الرجل هناك، واقفاً، أو بالأحرى جالساً، ويريد الترشح مجدداً. الأمر يفوق الخيال”.
وتابع مونا: “مستوى الظلم، وانعدام المساواة، والاحتيال، والنهب، وسوء البنية التحتية، والنفايات المتراكمة، وانهيار النظام الصحي… كل شيء ينهار. من يعتقد أن الجميع راضٍ عن هذا الوضع، فهو يدفن رأسه في الرمال”.
وقال كريس فومونيوه، المدير الإقليمي “للمعهد الديمقراطي الوطني” في واشنطن، إن بيا “ظل شخصية بعيدة عن الناس، وتفتقر إلى الكاريزما، رغم بقائه في الحكم طوال سنوات لا يذكر معظم الكاميرونيين سواها، حيث أن متوسط أعمار السكان لا يتجاوز 18 عاماً”.
وأضاف فومونيوه، وهو كاميروني: “بيا لا يزال يشكّل لغزاً بالنسبة لكثيرين داخل البلاد وخارجها، إذ تجعل طريقة حكمه وسلوكه من الصعب فهم شخصيته أو نواياه”.
وأورد التقرير تصريحات معارضين تفيد بأن بيا وحلفاؤه، الذين ينتمون إلى الجماعة العرقية “بيتي”، يسيطرون على كامل مراحل العملية الانتخابية، بدءاً من طباعة بطاقات الاقتراع وصولاً إلى فرز الأصوات. كما أشار إلى أن المراقبين الدوليين الموثوقين توقفوا منذ سنوات عن متابعة الانتخابات في البلاد، رغم تأكيد بيا المتكرر على أن هذه الانتخابات “حرة ونزيهة”.
“الرئيس الغائب”
وأعرب كثير من الكاميرونيين عن استيائهم من الغيابات الطويلة لرئيسهم، حيث نظّم أفراد من الجالية في الخارج احتجاجات متكررة أمام الفندق السويسري، خلال فترات إقامته هناك.
ورغم ما يُظهره بيا من ثقة في تحقيق فوز جديد، نقلت الصحيفة عن محللين تحذيرهم من أن الغضب الشعبي قد يبلغ ذروته هذه المرة. ويبرز في هذا السياق عيسى تشيروما بكاري، الحليف السابق لبيا، الذي شغل منصب وزير العمل والتدريب المهني قبل أن يستقيل في يونيو الماضي، ويعلن ترشحه ضده.
وأوضحت الصحيفة أن باكاري، البالغ من العمر 75 عاماً، وواحداً من أبناء الأقلية المسلمة في البلاد، تمكن من استقطاب حشود كبيرة خلال حملته الانتخابية، وأصدر بياناً لاذعاً وجّه فيه انتقادات حادة إلى بيا، قال فيه: “لا يمكن لبلد أن يُدار لخدمة رجل واحد. هذا النموذج، الذي طالما قُدِّم كضامن للاستقرار، خنق التقدم تدريجياً، وعطّل مؤسسات الدولة، ودمّر الثقة بين الدولة والمواطنين”.
ويرى فومونيوه أن باكاري قد يقود احتجاجات شعبية واسعة في حال تم إعلان فوز بيا مجدداً بعد الانتخابات.
وعقب عودته من سويسرا، ألقى بيا الأسبوع الماضي خطاباً مقتضباً في مدينة ماروا شمال البلاد، في ظهوره الوحيد خلال الحملة الانتخابية. وأقرّ في كلمته بالصعوبات التي تواجه الكاميرون، قائلاً: “أنا على عِلم بالتطلعات غير المحققة التي تدفعكم إلى الشك في المستقبل”، لكنه في المقابل وجّه الشكر لأنصاره على “الدعم المتواصل سنة بعد سنة”.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن بيا يبدو مقتنعاً بأنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت لترك بصمته في الحكم، مستشهدة بتصريحه في خطابه في مدينة ماروا: “أؤكد لكم أن الأفضل لم يأتِ بعد”.