تستعد الحكومة البريطانية للإعلان عن سلسلة من المبادرات بشأن الاعتماد على الطاقة النووية قبيل المراجعة المالية الشاملة الحكومية المقررة في 11 يونيو الجاري، حسبما نقلت مجلة “بوليتيكو”، الخميس.
ويُتوقع أن تكشف الحكومة، بعد أشهر من التأجيل، عن الجهة الفائزة بعقد تبلغ قيمته عدة مليارات من الجنيهات لبناء مفاعلات نووية صغيرة من الجيل الجديد، والمعروفة باسم “المفاعلات المصغرة”.
كما يقترب القرار المنتظر منذ فترة طويلة بشأن مشروع محطة “سايزويل سي” العملاقة في سافوك. في الوقت ذاته، يناقش المسؤولون البريطانيون شراء مواقع نووية من القطاع الخاص لوضع الصناعة تحت إشراف حكومي أكبر.
وقالت “بوليتيكو” إن هذه الخطوة من شأنها أن تطلق نشاطاً نووياً يفوق ما شهده القطاع خلال جيل كامل، وذلك في غضون بضعة أسابيع فقط.
ويقول مطلعون إن هذه الحملة من التحركات لا تعود إلى براعة هانت أو رؤسائه السياسيين، بل إلى أن وزارة الخزانة، التي طالما أبدت شكوكاً حيال الطاقة النووية، لم يعد لديها مجال لتجاهل المشكلة.
وقال مصدر ثانٍ في قطاع الطاقة، طلب عدم كشف هويته للحديث بصراحة عن خطط الحكومة، إن مراجعة الإنفاق المقبلة، التي تُعد الفرصة الأخيرة في عمر هذا البرلمان لضخ أموال في نظام الطاقة النووية المُهمل، “أجبرت الحكومة على التحرك”.
وقالت “بوليتيكو” إن تشغيل مزيد من محطات الطاقة النووية منخفضة الكربون يُعد أمراً حيوياً لتحقيق اثنتين من المهام التي حددها رئيس الوزراء كير ستارمر لحكومته، وهما تحفيز النمو الاقتصادي المتباطئ وإنهاء اعتماد بريطانيا على الوقود الأحفوري عالي التلوث.
وفي خطاب ألقاه في فبراير الماضي، دعم ستارمر الطاقة النووية بقوة، مؤكداً أنه يواجه “المعرقلين الذين خنقوا فرص بريطانيا في الحصول على طاقة أرخص، ونمو اقتصادي، ووظائف لفترة طويلة للغاية”.
ويحظى القطاع النووي بداعمين صريحين بين نواب حزب العمال، إذ قالت النائبة شارلوت نيكولز عن منطقة وورينجتون نورث، الواقعة ضمن ما يعرف بـ”الجدار الأحمر”: “نحن بحاجة ماسة إلى طاقة نووية جديدة في هذا البلد، ليس فقط لأمن الطاقة، بل من أجل فرص العمل والنمو الاقتصادي أيضاً”.
من جانبه، قال توم جريتريكس، النائب العمالي السابق والرئيس الحالي لمجموعة الضغط “رابطة صناعة الطاقة النووية”: “انتهى وقت الحديث. حان وقت اتخاذ القرارات”.
وترى “بوليتيكو” أن ستارمر لا يملك كثيراً من الخيارات. موضحة أن خمسة مفاعلات نووية تسهم حالياً في تلبية 15% من احتياجات الطاقة في بريطانيا، لكن معظم هذه القدرة الإنتاجية سيُغلق بحلول عام 2030.
وقالت المجلة، إن هذا الشعور المتصاعد بالإلحاح لم يغب عن كبار شخصيات الحزب أيضاً، إذ دعا رئيس الوزراء العمالي السابق، توني بلير، الشهر الماضي، إلى “نهضة في مجال الطاقة النووية”، تتركز على الإسراع في نشر المفاعلات الصغيرة.
“مخاطرة” التكاليف الباهظة
لكن بناء القدرات النووية ليس بالأمر الهين. فمحطتا “هينكلي بوينت سي”، و”سايزويل سي” المخطط لها، قادرتان كل منهما على تزويد ستة ملايين منزل بالكهرباء.
هذا بالإضافة إلى التكاليف هائلة، فقد ارتفعت ميزانية “هينكلي بوينت سي” من 18 مليار جنيه إسترليني إلى 46 ملياراً، وتأخر المشروع عن الجدول الزمني بست سنوات. وهذا النوع من الأرقام هو ما يثير قلق مسؤولي وزارة الخزانة.
وصرح مسؤول كبير سابق: “لطالما كانت وزارة الخزانة متشككة بشأن الطاقة النووية بسبب تكلفتها الباهظة”.
واتفق معه آدم بيل، مدير شركة الاستشارات “ستونهافن”، قائلاً: “أعتقد أن بإمكاني تلخيص رأي وزارة الخزانة للاستثمار (في الطاقة النووية) بكلمة واحدة: المخاطرة”.
وأضاف: “في جوهرها، كانت كل محادثة تدور حول مدى تعرض الاستثمار في الطاقة النووية للمخاطر، مع تركيز ضئيل للغاية على الفوائد المحتملة”.
وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة، إن الوزارة لا تعارض الطاقة النووية بشكل مطلق. لكن السجل السيئ للتسليم والتكاليف المتفاقمة، إلى جانب الحاجة إلى إيجاد حيز مالي لتسجيل هذه المشاريع في الحسابات الحكومية، يجعل من الصعب تسويق الفكرة أمام الساسة الذين يضطرون إلى المفاضلة بين بناء محطات طاقة نووية لن تُنتج الكهرباء قبل 10 سنوات، وبين الإنفاق على مدارس ومستشفيات تلبي توقعات الناخبين.
تراجع الزخم
وقالت “بوليتيكو” إن وزارة الخزانة رفضت التعليق. غير أن وزير الطاقة إد ميليباند حاول، ولو جزئياً، إبراز الجوانب الإيجابية للاستثمار النووي. وقال لمسؤولي جماعات الضغط في القطاع أواخر العام الماضي: “إذا كنتم ترغبون في تنفيذ مشروع نووي في بريطانيا، فبابي مفتوح. وزارتي تنصت إليكم”.
لكن هناك شكوكاً في أن ميليباند وزملاءه في وزارة أمن الطاقة وصافي الانبعاثات الصفرية كانوا يستمعون بالقدر الكافي.
فبحسب إفصاح حصلت عليه وسائل الإعلام البريطانية، بناءً على قانون حرية المعلومات، لم يلتقِ ميليباند إلا مرة واحدة فقط مع سايمون بوين، كبير مسؤولي الطاقة النووية في بريطانيا، خلال أول خمسة أشهر من تولي حزب العمال السلطة. في المقابل، عقد خمسة اجتماعات خلال الفترة ذاتها مع الهيئات المعنية بطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ووضع حزب العمال أهدافاً طموحة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية ضمن خطته لتنظيف منظومة الطاقة، لكنه لم يحدد أي أهداف محددة للطاقة النووية، وفق “بوليتيكو”.
وقال أحد الشخصيات العمالية البارزة في مجلس اللوردات، متحدثاً دون كشف اسمه: “السؤال هو ما إذا كان إد ميليباند منشغلاً بالطاقة المتجددة لدرجة أنه لا يرى الطاقة النووية بوضوح”. لكن وزارة ميليباند رفضت أي مزاعم عن تجاهله لدور الطاقة النووية.