أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، رغبته في رؤية نهاية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن طريق “حل الدولتين”، مشدداً على أنه “لا توجد معايير مزدوجة في السياسة الفرنسية” تجاه الشرق الأوسط.

وأضاف ماكرون متحدثاً من إندونيسيا: “الحل السياسي وحده هو الذي سيجعل من الممكن استعادة السلام والبناء على المدى الطويل. سننظم قريباً، بالتعاون مع السعودية، مؤتمراً حول غزة في نيويورك، لإعطاء زخم جديد للاعتراف بالدولة الفلسطينية والاعتراف بدولة إسرائيل وحقها في العيش بسلام وأمن في هذه المنطقة”.

ويميل ماكرون نحو الاعتراف بدولة فلسطين. لكن دبلوماسيين وخبراء يقولون إن هذه الخطوة قد تكون سابقة لأوانها وغير مجدية في الضغط على إسرائيل للمضي نحو اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

ويشيرون أيضاً إلى أن هذا التحرك، قد يعمق الانقسامات الغربية، ليس فقط داخل الاتحاد الأوروبي المنقسم بالفعل، بل أيضاً مع الولايات المتحدة، أكبر حلفاء إسرائيل. ويرون أنه يجب أن يترافق هذا الاعتراف مع إجراءات أخرى من بينها عقوبات وحظر تجاري إذا ما كان الهدف منه يتجاوز كونه مجرد لفتة رمزية.

ويدرس مسؤولون فرنسيون هذا التحرك، قبل مؤتمر للأمم المتحدة، تستضيفه فرنساً والسعودية في الفترة من 17 إلى 20 يونيو المقبل لوضع معالم
خارطة طريق نحو دولة فلسطينية.

وإذا اتخذ ماكرون الخطوة، ستصبح فرنسا، التي تضم أكبر عدد من اليهود والمسلمين في أوروبا، أول بلد غربي من الوزن الثقيل يعترف بدولة فلسطين، مما قد يمنح دفعة قوية لخطوة تقودها حتى الآن دول أصغر منتقدة عادة لإسرائيل.

وقال وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي، لـ”رويترز”: “إذا اتخذت فرنسا الخطوة، ستلحق بها العديد من الدول (الأوروبية)”. 

وشهد موقف ماكرون تحولاً في ظل تكثيف إسرائيل هجماتها على غزة، وتصاعد أعمال العنف التي يرتكبها مستوطنون إسرائيليون في الضفة الغربية. وهناك شعور متزايد في باريس بضرورة التحرك الآن قبل أن تندثر فكرة حل الدولتين للأبد.

وقالت مستشارة ماكرون لشؤون الشرق الأوسط، آن كلير ليجاندر، للوفود المشاركة في اجتماع تحضيري في نيويورك في 23 مايو: “علينا أن ننتقل من الأقوال إلى الأفعال. نظراً للأوضاع على الأرض، يجب الحفاظ على آفاق دولة فلسطينية، ومن الضروري اتخاذ خطوات فعلية لا رجعة فيها”.

ولفت دبلوماسيون، إلى أنه رغم تأييد ماكرون لهذا التحرك في الوقت الراهن، فإنه لم يتخذ قراراً نهائياً بعد، وقد يطرأ تغيير على الأمور مثل احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة قبل منتصف يونيو المقبل.

ومع ذلك، يسعى دبلوماسيو ماكرون جاهدين لضمان توافر أفضل الظروف لاتخاذ القرار، بما في ذلك تقييمات وافية بشأن إصلاح السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حركة “حماس” أو إعادة إعمار قطاع غزة في المستقبل.

ضغط إسرائيلي

وأمضى المسؤولون الإسرائيليون شهوراً، في ممارسة ضغوط لمنع ما وصفه البعض بأنه “قنبلة نووية” بالنسبة للعلاقات الثنائية.

ولا شك أن فكرة أن فرنسا، وهي أحد أقرب حلفاء إسرائيل وعضو في مجموعة السبع، يمكن أن تعترف بدولة فلسطينية، ستثير غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وعندما انضمت بريطانيا وكندا إلى فرنسا هذا الشهر، لتقول الدول الثلاث إنها قد تفرض تدابير ملموسة على إسرائيل وإنها ملتزمة بالاعتراف بدولة فلسطينية، وجه إليها نتنياهو انتقاداً حاداً متهماً زعماء الدول الثلاث بمعاداة السامية.

ويقول دبلوماسيون إن كندا وبريطانيا ليستا متحمستين بشدة في الوقت الحالي بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، مما يشير إلى أن الأولوية هي إحداث فرق على الأرض، وهو الأمر الذي قد يوهن طموحات ماكرون.

وأفاد مصدران مطلعان، بأن تحذيرات إسرائيل لفرنسا تراوحت بين تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية، إلى تعقيد مبادرات باريس الإقليمية، وحتى التلميح إلى ضم محتمل لأجزاء من الضفة الغربية.

ولكن من المستبعد حدوث ذلك، نظراً للتداعيات المحتملة على المستوى الدولي التي قد تؤجج أحد أسوأ مخاوف إسرائيل، ألا وهو تعميق عزلتها، وخاصة من جانب أوروبا، شريكها التجاري الرئيسي.

وقال تامير هايمان المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، لـ”رويترز”: “رد الفعل سيكون سلبياً على جميع الأصعدة (في إسرائيل)”، مضيفاً أن ذلك “سيغذي خطاباً يمينياً متطرفا في إسرائيل مفاده أن العالم ضدها”.

انقسامات أوروبية

ودعم ماكرون إسرائيل بقوة بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، لكنه صعّد لهجته بشكل مُطّرد ضد إسرائيل بسبب أفعالها في غزة حيث ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 50 ألف شخص.

وقال ماكرون في مقابلة في التاسع من أبريل: “إننا بحاجة إلى التحرك نحو الاعتراف. وخلال الأشهر القليلة المقبلة، سنفعل ذلك”.

وحتى في ذلك الحين، بدا ماكرون غير حاسم، إذ وضع شروطاً فضفاضة، وقال إنه يهدف إلى بناء زخم مع تحالف يدعم فرنسا والقيام في الوقت نفسه بحثِّ دول إسلامية على الاعتراف بإسرائيل.

إلا أنه لا توجد مؤشرات حتى الآن على استعداد أي دول إسلامية أو عربية جديدة للتحرك نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وقالت منال رضوان مستشارة وزير الخارجية السعودي في نيويورك، الجمعة: “السلام في المنطقة يبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين، ليس كبادرة رمزية بل كضرورة استراتيجية”. ولم تتطرق منال إلى إمكانية الاعتراف بإسرائيل. 

ويرى منتقدو ماكرون، أن الاعتراف يتعين أن يأتي في إطار مفاوضات نحو حل الدولتين، وليس قبل ذلك، ويحذرون من أن أي خطوة مبكرة قد تضعف عوامل تحفيز الفلسطينيين على الانخراط في عملية السلام.

وفي مؤشرات تعكس الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: “من وجهة نظرنا، هذا الاعتراف (بالدولة الفلسطينية) لن يكون مفيداً الآن ولن يشجع على مزيد من العمل داخل الدول الأعضاء”.

ويقول آخرون إن الاعتراف يجب أن يقترن بتدابير أخرى مثل فرض حظر على نطاق أوروبا بأكملها على التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية المقامة على أراض فلسطينية محتلة وعقوبات محددة على مسؤولين إسرائيليين.

ويرد مسؤولون فرنسيون، بأنهم لن يتأثروا بمثل هذه الانتقادات أو بالضغوط الإسرائيلية.

وقال مسؤول فرنسي كبير: “إذا كانت هناك لحظة (ملائمة) في التاريخ للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى لو كان ذلك رمزياً فقط، فأنا أقول إن تلك اللحظة قد حانت على الأرجح”، مضيفاً أن ماكرون قد يرغب أيضاً في ترك إرث له في التاريخ قبل انتهاء ولايته الرئاسية في عام 2027.

شاركها.