تعتزم الحكومة البريطانية الموافقة على خطة الصين لإنشاء سفارة ضخمة جديدة في العاصمة لندن، فيما يسعى رئيس الوزراء كير ستارمر لتجاوز المخاوف المرتبطة بالتجسس، وإحياء خططه لإعادة الانفتاح الدبلوماسي على بكين، بحسب “بلومبرغ”.
ففي الأيام الماضية، عبّر وزراء بريطانيون عن ارتياحهم للخطوات الصينية الرامية لمعالجة الهواجس الأمنية المتعلقة بمقترح بكين إنشاء أكبر مجمع دبلوماسي في أوروبا على الموقع السابق لـ”دار سك العملة الملكية” في لندن.
وتمهد هذه الإشارات الطريق أمام الحكومة لإقرار المشروع المثير للجدل بحلول 20 يناير المقبل، ما يتيح لستارمر السفر إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد ذلك بأيام، وفق الوكالة.
وشكل التعثر في مشروع السفارة أكبر عقبة أمام تحسين العلاقات بين البلدين، ومن ضمنها خطة ستارمر لأن يصبح أول رئيس وزراء بريطاني يزور الصين منذ ثماني سنوات. ونقلت “بلومبرغ” عن مصادر مطلعة، الأربعاء، أنه من المقرر مبدئياً أن يزور ستارمر بكين وشنغهاي بين 29 و31 يناير.
ضغوط على حكومة حزب العمال
وتتعرض حكومة حزب العمال لضغوط لإظهار نتائج ملموسة من مساعيها لتحسين العلاقات مع بكين، بعد سلسلة من الانتكاسات، بما في ذلك اتهامات بالتجسس الصيني داخل البرلمان البريطاني.
وبينما واجهت الحكومات البريطانية المتعاقبة صعوبات في رسم سياسة واضحة تجاه الصين، نجح حلفاء بريطانيا الغربيون في تحقيق استقرار بعلاقاتهم مع بكين عبر زيارات دبلوماسية، رغم الخلافات المتعلقة بالتجارة، وغزو روسيا لأوكرانيا.
وحالياً، يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصين. كما التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نظيره الصيني شي جين بينج، في كوريا الجنوبية، الشهر الماضي، ويخطط لقمة أخرى في أبريل المقبل. ومن المتوقع أيضاً أن يزور المستشار الألماني فريدريش ميرتس الصين مطلع العام المقبل.
وفي خطاب سنوي حول السياسة الخارجية ألقاه، الاثنين، في “مدينة لندن”، أعرب ستارمر عن رغبته في ألا تتخلف بريطانيا عن الركب. وقال إن على بلاده اتباع سياسة تعترف بأن الدولة الآسيوية، البالغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، هي “قوة محورية في التكنولوجيا، والتجارة، والحوكمة العالمية”، لكنها في الوقت نفسه “تشكل تهديدات حقيقية للأمن القومي”.
وأضاف ستارمر منتقداً حكومة المحافظين السابقة: “لقد أصبحنا استثناءً بين حلفائنا. إن غياب الانخراط أمر مذهل، وإخفاق في أداء الواجب، لأنه يعني أننا، بخلاف حلفائنا، لم نكن ندافع عن مصالحنا”.
مرحلة جديدة من التواصل
وفي مؤشر على تحضير الجانبين لمرحلة جديدة من التواصل، التقى مستشار الأمن القومي لستارمر، جوناثان باول، وزير الخارجية الصيني وانج يي، في بكين، الجمعة. وجاء ذلك بعد زيارة مسؤول بريطاني للصين في سبتمبر، التي هدفت إلى توسيع الوصول إلى الأسواق لبعض المنتجات الغذائية والفعاليات الرياضية.
ومن جهتها، تسعى وزارة الخزانة البريطانية، منذ فترة إلى تعزيز الروابط التجارية مع الصين، أملاً في دعم الاقتصاد البريطاني. كما يتطلع مكتب الخارجية إلى تطوير سفارة بريطانيا القديمة في بكين، بعد أن أفادت “بلومبرغ” في أكتوبر بأن المشروع عالق بسبب الخلاف حول خطة السفارة الصينية في لندن.
وجددت الصين، الأربعاء، دعوتها للموافقة على المشروع، قائلة إنها “تأسف بشدة” للتأخيرات المتكررة. وأضاف المتحدث باسم السفارة أن الموافقة يجب أن تأتي سريعاً “لتجنب المزيد من الإضرار بالثقة المتبادلة والتعاون”.
ويتمثل تحدّي ستارمر في موازنة رغبته في تعزيز التجارة والاستثمارات الصينية مع المخاوف العميقة داخل البرلمان بشأن التجسّس الصيني ودعم بكين للمجهود الحربي الروسي.
وتجددت المعارضة الداخلية لمشروع السفارة في أكتوبر، بعد أن أسقط الادعاء قضية تجسّس ضد مساعدين برلمانيين سابقين، بحجة أن حكومة ستارمر لم تقدّم أدلة كافية على أن الصين تشكل تهديداً أمنياً.
مخاوف بريطانية
إلى جانب الرمزية التي يمثلها منح الصين وجوداً بارزاً أمام “برج لندن” و”جسر البرج”، يقع موقع السفارة أيضاً بالقرب من خطوط اتصالات حيوية تربط بعض أكبر المراكز المالية في البلاد. كما رفضت السلطات الصينية الإفصاح لبريطانيا عن تفاصيل بعض أجزاء المنشأة.
وقال لوك دي بولفورد، المدير التنفيذي لتحالف البرلمانيين الدوليين بشأن الصين، إن خطر تعزيز الروابط الاقتصادية يكمن في أن استراتيجية الصين تسعى منذ فترة طويلة إلى جعل الدول الأخرى تعتمد عليها، وزيادة نفوذها الجيوسياسي من خلال الاستثمار في البنى التحتية الحيوية في الخارج.
وأقرت بريطانيا خلال الأسبوعين الماضيين بأنها تعتمد بشكل مفرط على الصين في المعادن الأساسية المستخدمة في المنتجات مثل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
وأضاف دي بولفورد، وهو من أشد المنتقدين للمشروع: “يبدو أن رئيس الوزراء يدفعنا لتكرار الأخطاء نفسها. إنه يأمل بأن تساعدنا الصين في الخروج من حفرتنا الاقتصادية”.
وساهمت سلسلة تطورات أخيرة في تذليل العقبات أمام المشروع، إذ من المقرر أن يبت وزير الإسكان ستيف ريد في المسألة بحلول 20 يناير.
“حل وسط”
وفي رسالة وُجهت إلى مفتشية التخطيط البريطانية بتاريخ 27 نوفمبر، قالت وزيرة الداخلية شبانة محمود، ووزيرة الخارجية إيفيت كوبر، إنهما “توصلتا إلى ترتيب” مع الحكومة الصينية، بما يذلل المخاوف المتبقية بشأن المشروع.
ويتضمن ذلك موافقة الصين على دمج 7 مواقع دبلوماسية في لندن ضمن الموقع الجديد، باستثناء مقر السفير. كما وافقت بكين على التخلي عن المطالبة بامتيازات دبلوماسية في منطقة مخصصة للوصول العام إلى أطلال دير سيسترسي سابق.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء، توم ويلز، الأربعاء: “من الواضح أن دمج سبعة مواقع مختلفة في موقع واحد يحقق فوائد أمنية”.
وتشير تصريحات محمود وكوبر، المسؤولتين عن الإشراف على جهازي الاستخبارات MI5 وMI6، إلى موافقة مبدئية من كبار مسؤولي مكافحة التجسّس. وصرّح الرئيس السابق لـMI6 ريتشارد مور لـ”بلومبرغ”، الشهر الماضي، بأنه ينبغي إيجاد “حل وسط” يتيح إنشاء سفارة صينية جديدة.
وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى طمأنة البرلمان بأنها تتعامل بجدية مع خطر التجسّس الصيني. ففي أكتوبر، حذّر جهاز MI5 النواب البريطانيين من محاولات جديدة مدعومة من الصين لاستهدافهم عبر الإنترنت، بينما أعلنت الحكومة تخصيص مئات ملايين الجنيهات لبرامج أمنية لمكافحة التجسّس من عملاء مرتبطين ببكين.
وخلصت بلومبرغ إلى أنه يبقى على ستارمر إقناع الناخبين بأن المكاسب المحتملة من التجارة مع الصين تستحق المخاطر. وقال رئيس الوزراء مطلع الأسبوع إنه يرفض “الخيار الثنائي” الذي تبنته حكومات المحافظين، والتي “روجت أولاً لعصر ذهبي ثم تحولت إلى عصر جليدي”.
