رفع العقوبات عن سوريا ترمب يفاجئ إدارته وارتباك في التنفيذ

فاجأ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، الكثيرين ليس فقط حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ولكن بعض المسؤولين في إدارة ترمب نفسه.
ونقلت “رويترز” عن 4 مسؤولين أميركيين، وصفتهم بأنهم مطلعين، قولهم إن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة لم يكونوا على علم مسبق بالقرار الذي أعلنه الرئيس ترمب من العاصمة السعودية الرياض، وسارعوا في محاولة فهم كيفية إلغاء العقوبات، خاصة أن العديد منها يسري منذ عقود طويلة.
وأفاد مسؤول أميركي وصفته الوكالة بأنه رفيع، بأن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيه رسمي للجهات المختصة بالعقوبات في الوزارتين، استعداداً لتنفيذ القرار، ولم يتم إبلاغهم بأن الإعلان وشيك.
وأضاف أن الإعلان المفاجئ، جاء بأسلوب ترمب “الكلاسيكي والسريع والدرامي”، ما أدى إلى حدوث ارتباك داخلي بين المسؤولين المنفذين للسياسات.
وذكرت الوكالة، أنه “بينما كان ترمب يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع، الأربعاء، في الرياض، كان مسؤولو وزارتي الخارجية والخزانة لا يزالوا في حالة من الغموض بشأن الخطوات المقبلة”.
وقال أحد المسؤولين: “الجميع يحاول فهم كيفية تطبيق القرار”.
وأشارت “رويترز”، إلى أنه بعد الإعلان، كان المسؤولون في حيرة من أمرهم بشأن الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأميركية حزماً ومستويات من العقوبات، أو أي منها سيتم تخفيفها، ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية.
إجراءات معقدة طويلة
وتابعت الوكالة، نقلاً عن أحد كبار المسؤولين الأميركيين: “الارتباك لم يكن طارئاً فقط عقب الإعلان، بل سبق الزيارة، إذ لم تكن هناك أي مؤشرات – على الأقل داخل وزارتي الخارجية والخزانة – بأن الرئيس اتخذ قراراً نهائياً بشأن رفع العقوبات”.
وأوضحت: “على الرغم من أن مسؤولين سوريين كبار، سبق أن زاروا واشنطن، الشهر الماضي، وضغطوا بقوة لرفع العقوبات، إلا أن نقاشات مطولة داخل البيت الأبيض والكونجرس ظلت قائمة، خاصة بسبب علاقات الرئيس السوري أحمد الشرع السابقة بتنظيم القاعدة، والتي قطعها رسمياً في عام 2016”.
ورأت الوكالة، أنه وفقاً لملخص البيت الأبيض بشأن لقاء ترمب مع الشرع، فإن الرئيس الأميركي اشترط على سوريا، الالتزام بعدة بنود مقابل رفع العقوبات، من بينها إخراج جميع “الإرهابيين الأجانب” من البلاد، وترحيل من سماهم “الإرهابيين الفلسطينيين”، بالإضافة إلى التعاون مع واشنطن لمنع عودة تنظيم “داعش”.
رفع العقوبات، وفق خبراء، يعد عملية “شديدة التعقيد”، لا سيما في الحالة السورية، إذ توجد قائمة من الإجراءات التي تفصل البلاد عن النظام المصرفي العالمي، وتمنع استيراد العديد من المواد الحيوية.
ويعود تاريخ أولى العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، إلى عام 1979، حين أُدرجت على قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، وتوالت بعدها العقوبات، خاصة بعد أحداث 2011 ضد نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
وقال المسؤول الأميركي السابق ومؤلف كتاب Chokepoints، إدوارد فيشمان، إن رفع العقوبات عن سوريا، والتي فُرضت بموجب أوامر تنفيذية وتشريعات، ربما يستغرق عدة أشهر.
وأوضح أن لدى وزارة الخزانة، خبرة في هذا المجال، مستشهداً بتجربة رفع العقوبات عن إيران في عام 2015 بعد إبرام الاتفاق النووي.
قانون قيصر
أحد أبرز العوائق أمام تنفيذ قرار ترمب يتمثل في “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي أُقر في عام 2019، وتم تمديده أواخر العام الماضي، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، خاصة أن القانون لا يفرض فقط عقوبات على الحكومة السورية، بل أيضاً على الشركات والدول التي تتعاون معها.
ويتطلب إلغاء هذا القانون، تصويتاً في الكونجرس الأميركي، لكنه يتضمن بنداً يتيح للرئيس تعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ويمكن أيضاً للرئيس إصدار “رخصة عامة” لتعليق تنفيذ بعض أو كل العقوبات.
واعتبر المسؤول الأميركي السابق فيشمان، أنه سيكون من المفاجئ رفع جميع العقوبات دفعة واحدة، مرجحاً بقاء بعض الكيانات والأفراد السوريين على قوائم العقوبات؛ بسبب ارتباطات إرهابية أو سلوكيات محددة.
وفي أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، في 8 ديسمبر الماضي، صاغ مسؤولون من وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، مذكرات وأوراقاً بمختلف الخيارات للمساعدة في إرشاد الحكومة بشأن رفع العقوبات عن سوريا، إذا اختارت الإدارة الأميركية رفعها، وعندما تحدد الموعد.
إشادات سورية ودعوات للاستثمار
وفي أول تعليق على القرار الأميركي، وصف الرئيس السوري أحمد الشرع، قرار ترمب بـ”تاريخي”و “شجاع”، معتبراً أن دمشق ستبدأ “نهضة حديثة”، ووجه الشكر إلى الدول العربية، وعلى رأسها السعودية.
ووجه الشرع، في خطاب من قصر الشعب في العاصمة دمشق، حديثه إلى السوريين قائلاً: “أيها السوريون، إن الطريق لا يزال أمامنا طويلاً، فاليوم قد بدأ العمل الجاد، وبدأت معه نهضة سوريا الحديثة، لنبني سوريا معاً نحو التقدم والازدهار والعلم والعمل”.
وذكر مساعي الحكومة السورية لرفع العقوبات، قائلاً إنه زار العاصمة السعودية الرياض قبل عدة أشهر، والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مضيفاً: “وعدني ببذل وسعه للسعي لإزالة العقوبات عن سوريا، ورأيت في عينيه وعيون شعبه حباً كبيراً”.
وتابع: “ثم زرت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وقف مع الشعب السوري، وتحمل ودولته الكثير خلال 14 عاماً، واستضاف فيها ملايين السوريين مع كل ما تحمله من أعباء”.
وواصل حديثه عن تبادل الزيارات مع الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، “الذي صبر مع الشعب السوري بموقف يسجله التاريخ”، مشيراً إلى أنه زار الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد “الذي سارع بفتح أبواب الإمارات لإخوانه السوريين، وأبدى استعداده التام لفعل كل ما يلزم لتنهض سوريا من جديد”.
ودعا وزير المالية السوري محمد يسر برنية، الأربعاء، المستثمرين في كافة دول العالم إلى الاستثمار في سوريا، بعد رفع العقوبات عنها.
وقال برنية في مقابلة مع “رويترز” بمقر الوزارة في دمشق: “سوريا اليوم أرض زاخرة بالفرص، تتمتع بإمكانات هائلة في جميع القطاعات من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل”.
وأضاف: “نتصور دوراً محورياً للقطاع الخاص في الاقتصاد السوري الجديد، دور وزارة المالية ليس الإنفاق العشوائي أو إنفاذ اللوائح على الشركات، وإنما تمكين النمو ودعمه”.
وتابع برنية: “إحدى أهم نتائج رفع العقوبات، هي إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي”، مضيفاً: “سيسمح لنا هذا باستعادة التدفقات المالية، وجذب الاستثمارات وهي حاجة ملحة في جميع القطاعات”.