رمضان يلمّ شمل السوريين بعد سنوات الخوف

– غزل سلات
لطالما ارتبط شهر رمضان في الذاكرة السورية باجتماع العائلة وروح الألفة التي تعم البيوت والمجالس، إلا أن نظام الأسد المخلوع، ومنذ أكثر من عقد من الزمن، كانت له اليد الطولى في تجزئة هذا النسيج الاجتماعي من خلال القتل والتهجير، ما جعل من “لمّة العائلة” حلمًا بعيد المنال لكثير من السوريين.
اليوم، وبعد سنوات من الشتات، وأيام طويلة في المنفى، بدأ السوريون يلتفون مجددًا حول مائدة واحدة، في مشهد يستحضر تفاصيل بسيطة افتقدوها طيلة السنوات الماضية.
فعاد رمضان هذا العام حاملًا في طياته طعمًا مختلفًا، يجمع الشمل ويعيد اللمّة التي غابت عن العديد من العائلات السورية، بحسب ما قاله بعضهم ل.
لمّة طال انتظارها
سيعيش العديد من السوريين هذا العام تجربة استثنائية، حيث سيجتمعون مجددًا مع عائلاتهم حول مائدة رمضان، لكن فرحتهم الكبيرة محملة بمشاعر مختلطة، بين السعادة بلمّ الشمل، والخوف من العودة إلى واقع غير مستقر.
“مثل حكايات الخيال”، هكذا وصفت علا حاميش اجتماع العائلة على سفرة الإفطار، مشيرة إلى فرحتها الكبيرة بعد عودتها إلى سوريا قبل قرابة شهر.
علا قالت، “بعد 13 عامًا، تأتي لمّة العائلة على الإفطار كهدية طال انتظارها، كتلك اللحظة التي يحتضن فيها المرء مولوده الأول”.
لمّة العائلة على الإفطار تُعتبر أول فرحة بعد مرور 13 رمضان، “تمامًا كما يشعر الشخص الذي يترقب قدوم طفل بعد صبر طويل”.
وأضافت أن أول يوم لها في رمضان كان “جميلًا للغاية”، حيث اجتمعت العائلة مع أحفادها الذين ولدوا في الغربة، حول مائدة عامرة بالأطعمة اللذيذة.
ولم تتمكن نور ديراني، العائدة إلى سوريا بعد غياب طويل، من إخفاء فرحتها عند سؤالها عن شعورها بقضاء رمضان مع عائلتها في وطنها بعد سنوات من الفراق.
وقالت نور ل، “مشاعري متضاربة، بين الخوف من العودة والحماسة لرؤية عائلتي، لكن بما أن الرحلة تتزامن مع شهر رمضان، فإن الفرحة تطغى على أي شيء آخر”.
وأضافت نور أنها تتخيل الابتسامة التي سترسم على وجه والدها ووالدتها، بينما يجلس ابنها بينهم، يتناولون طعام الإفطار مع دموع الفرح في تلك اللحظة.
وتحاول نور تجاوز تعقيدات المشهد السياسي والتركيز على لحظة اللقاء بعد ثماني سنوات من الغياب، خاصة أنها ستكون المرة الأولى التي يقضي فيها ابنها رمضان بين أفراد العائلة، الذين سيتعرفون إليه للمرة الأولى.
وتشعر نور ديراني أن لحظات لمّتها مع عائلتها على مائدة رمضان “معجزة تتحقق”، مشيرة إلى أن هذه اللحظات كانت بالنسبة لها “حلمًا طال انتظاره”.
وأضافت، “كنت قد فقدت الأمل في أن أعيش هذه اللحظات من قبل”.
أما نسيم إسماعيل، فتشعر أن العودة في هذا التوقيت تمنحها شيئًا من روحها المفقودة، وقالت “شعوري لا يوصف، متحمسة لسماع الأذان في سوريا مجددًا، وللمّة العائلة التي افتقدتها طويلًا”.
وتتخيل نسيم أول إفطار مليء بالمشاعر والذكريات في حضن العائلة، قائلة، “سيكون أول إفطار لي وسط أصوات الضحك، ورائحة الأكل التي افتقدتها. أشعر أنني سأبكي من الفرح، ستكون لحظة استثنائية، كأنني أعوّض كل السنوات الماضية في لحظة واحدة”.
نسيم، وهي أم لثلاثة أطفال، عبرت عن سعادتها بعودة أولادها إلى سوريا في رمضان، وقالت، “أولادي متحمسون لتجربة رمضان لأول مرة وسط العائلة والأجواء الرمضانية الحقيقية التي كنت أحاول نقلها لهم في الغربة”.
رمضان في المنافي
في الغربة، يبدو رمضان غريبًا، لا يشبه ذاك الذي تركه السوريون خلفهم، بعد أن تفرقوا في بقاع الأرض، تاركين وراءهم بيوتًا وأزقة اعتادت أصواتهم حول موائد الإفطار.
ورغم محاولاتهم في بلاد اللجوء لاستعادة الأجواء الرمضانية من خلال دعوات الإفطار واللقاءات المصحوبة ببعض العادات السورية، يبقى لرمضان في سوريا “فراغ لا تملؤه الأطباق ولا تحييه المجالس”.
فقد رمضان نكهته في الغربة، كما وصفته نور ديراني، التي تعيش في تركيا مع زوجها وابنها الصغير، مشيرة إلى أن طفلها لم يدرك بعد معنى شهر رمضان، و”يظنه عيدًا من أعيادنا، ومهما حاولنا إحياء الأجواء تظل باهتة وناقصة نوعًا ما”.
وبالنسبة لعلا حاميش، فقدت أجواء رمضان معناها في الغربة أيضًا، إذ بات مجرد تناول للطعام بعد يوم من الصيام، أما في سوريا، فلطالما كان رمضان يعني اجتماع العائلة حول مائدة واحدة.
وأكدت علا أن رمضان في سوريا يحمل معنى خاصًا، ترافقه بهجة وطقوس مميزة، تبدأ من أجواء العائلة وتنتهي بأصناف الحلويات والأكلات التقليدية.
أما في البلد الذي عاشت فيه، فلم تجد لتلك الطقوس أثرًا.
وتفتقد نسيم إسماعيل في الغربة الأجواء الروحانية والجماعية التي تميّز رمضان في سوريا، حيث لم يكن مجرد صيام وإفطار بالنسبة لها، بل فيه طقوس يومية تعيشها بكل تفاصيلها.
وترى نسيم أن أطفالها فقدوا في الغربة الكثير من التفاصيل التي تميز شهر رمضان، إذ إنهم لم يعيشوا تجربة التجمعات العائلية الكبيرة، ولا يعرفون معنى أن يمشي طفل في الشارع حاملًا فانوسه ويغني، أو أن يستيقظوا على صوت “المسحراتي” السوري، بدلًا من منبه الهاتف.
وأضافت، “هذا العام، سيكون رمضان في سوريا بالنسبة لهم تجربة جديدة، إذ يعيشون لأول مرة الأجواء التي عشتها في سنهم”.
وبعد طول انتظار، عاد السوريون ليجتمعوا حول موائدهم عقب سنوات من الغياب، يملؤون الأماكن التي خلت منهم، بضجيج المنازل وأصوات الضحكات وقرقعة الصحون، ويتنافسون على ترتيب المائدة في لحظة لطالما تمنوها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي