روبرت دي نيرو رئيساً لأميركا ويهاجم ترمب في مسلسل Zero Day

وقد تجاوز الثمانين بعام ونصف العام، يلعب النجم والممثل القدير روبرت دي نيرو أول بطولة تلفزيونية في مسلسل Zero Day، الذي بدأ بثه على منصة “نتفليكس” منذ أيام.
دي نيرو الذي شارك في بطولة عشرات الأفلام، وحصل على جائزة الأوسكار مرتين بجانب عدد لا يحصى من الجوائز والترشيحات وشعبية طاغية تعدت الأجيال، شارك من قبل كضيف شرف في بعض الأعمال، وفي معظم الأحيان كان يؤدي شخصيته.
ولكن يبدو أن دي نيرو، مثل معظم نجوم السينما في عصره، كان ينظر للمسلسلات كوسيط أقل شأناً من السينما، إلى أن وافق أخيراً ليس فقط على بطولة مسلسل، ولكن شارك فيه كمنتج منفذ أيضاً، بجانب دعمه المشروع منذ أن كان فكرة على الورق.
صناعة الديكتاتورية
من يشاهد المسلسل (ويعرف مواقف دي نيرو السياسية المؤيدة للحزب الديمقراطي والمناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب)، سوف يفهم سبب حماسه لهذا العمل الذي يجمع النقد السياسي الحاد بقالب التشويق البوليسي، وهو النوع المفضل لدى بطل Taxi Driver وThe Godfather وHeat وThe Killers of the Flower Moon.
Day Zero كما ترجمته نتفليكس يعني “هجوم يوم الصفر”، وهو مصطلح يشير في عالم الكمبيوتر إلى العيوب الكامنة التي يمكن للمخربين أن يعثروا عليها ويخترقوا ويعطلوا أي نظام، دون أن يستطيع حتى صناع الأجهزة أن يصلحوها أو يعرفوها.
وكما يدل العنوان، يبدأ المسلسل بهجوم “سيبري” على أنظمة الكمبيوتر في الولايات المتحدة تؤدي إلى شلل البلاد لمدة دقيقة واحدة، وتسفر عن آلاف الضحايا والإصابات والخسائر.
حسب المسلسل، رئيسة أميركا من أصل إفريقي وتؤدي دورها النجمة أنجيلا باسيت.. حلم ربما تمناه صناع المسلسل، الذي تم الانتهاء منه قبيل نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة.
على أي حال، تستدعي الرئيسة، الرئيس السابق جورج مولين (دي نيرو)، لترؤس لجنة التحقيق في ما حدث، بحكم شعبيته وخبرته السابقة كمدع عام، فضلاً عن أنه محبوب من كل الأطراف.
وامتنع مولين عن الترشح لفترة رئاسة ثانية لأسباب شخصية نكتشفها لاحقاً في المسلسل.
وتتمتع لجنة التحقيق بصلاحيات هائلة تكاد تتجاوز القانون، لكن مولين وعد بأنه لن يستخدم هذه الصلاحيات إلا في حالة الضرورة القصوى، إلا أن أحد الخطوط الرئيسية في المسلسل هو دراسة الظروف التي تؤدي إلى الديكتاتورية، والتي يمكن أن “تصنع عن عمد” لاستخدامها كمبرر لهذه الديكتاتورية!
خطوط متشابكة وغموض زائد
على مدار 6 حلقات، و6 ساعات تقريباً، وفريق من كبار الممثلين، يتتبع Zero Day عدداً من الخطوط والشخصيات المتداخلة: الخط الرئيسي هو مسار التحقيقات التي تكشف كل فترة عن مفاجآت متلاحقة وصولاً إلى النهاية الصادمة، الحالة العقلية للرئيس مولين، الذي يعاني من أعراض هلوسة بصرية وسمعية وخرف، خاصة مع وجود احتمال أن يكون ذلك ناتجاً عن سلاح أعصاب سري غير مسموح باستخدامه، ربما يكون أحدهم توصل إليه، العلاقات العائلية المعقدة لمولين، الذي يعاني من شعور بالذنب لموت ابنه من جرعة مخدر زائدة، منتحراً ربما (خط يذكر بتجربة الرئيس السابق جو بايدن، خاصة حين نضع في اعتبارنا الحالة العقلية التي يمر بها مولين).
يتبين أيضاً أن علاقة مولين سيئة بابنته ألكسندرا (ليزي كابلان) عضوة الكونجرس التي تعمل مع الحزب المنافس ضد أبيها، حتى أنها تترأس لجنة مراقبة عمل لجنة التحقيقات التي يتولاها الأب.
ولا يقتصر التعقيد على ذلك، إذ أن مولين كانت لديه علاقة غير شرعية مع مساعدته السابقة (كوني بريتون)، والتي تعود لمساعدته بناء على طلب من زوجة مولين (جوان ألين).
أما الابنة ألكسندرا، فعلى علاقة حب بمساعد مولين الأول روجر (جيس بليمونز)، وهو شاب مخلص لألكسندرا وأبيها، ولكن تربطه علاقات مشبوهة مع رجال أعمال، يتبين أن لهم علاقة بالمخربين!
الخطوط الدرامية أكثر من إمكانية حصرها، وهي تثقل كاهل العمل أحياناً، الذي، بحكم قالبه البوليسي، كان يحتاج إلى مزيد من التكثيف وسرعة الإيقاع، ولكن بعيداً عن هذا العيب، فإن Zero day واحد من أفضل المسلسلات التي أنتجتها “نتفليكس” في الفترة الأخيرة، وواحد من أكثرها ارتباطاً بالأوضاع والأحداث الجسيمة التي تشهدها كواليس السياسة الأميركية حالياً.
من وراء الكواليس
بذكاء وحرفية يصيغ مؤلفو السيناريو، إريك نيومان والصحافيان الشهيران نوا أوبنهايم رئيسا شبكة NBC News السابق، ومايكل شميدت، صحافي التحقيقات بجريدة New York Times الحاصل على جائزة “بوليتزر” مرتين، دراما مبنية على دراية بكواليس الصراعات السياسية القبيحة وغوايات السلطة والمال، خاصة حين تتزوج السلطة بالمال، والسياسيين برجال الأعمال، ويحتوي العمل على شخصية تذكر برئيس الكونجرس الحالي، كما يحتوي على شخصية تذكر بإيلون ماسك.
ولكن في الوقت نفسه هناك خيال، ومخرجة العمل ليزلي لينكا جلاتر، صاحبة الخبرة الطويلة في السينما والتلفزيون، تدير مشاهدها ببراعة، وتحافظ دوماً على خط وهمي بين الواقع والخيال، وكأننا إزاء فيلم ديستوبيا يدور في المستقبل (رغم أن تاريخ حياة مولين، الذي حارب في فيتنام 1975، يشير إلى أن الأحداث تدور في الحاضر)، أو كأننا أمام واحد من أفلام نظريات المؤامرة والأكشن التي يشطح فيها العقل إلى ما يتجاوز المنطق وحدود الواقع، خاصة في ما يتعلق بأهداف وقدرات الأشرار.
وعقب نهاية العمل يثار تساؤل، هل يمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟ أو هل يمكن أن يرتكب هؤلاء السياسيون أفعالا مشابهة؟ ولكن بالنظر إلى الواقع يمكن القول إنهم بالفعل يرتكبون وسوف يرتكبون ما هو أسوأ من ذلك.. بل يمكن أن يخطر ببال المشاهد (نظراً لأسماء وثقافة كتاب العمل) أن سيناريو ما يحدث في المسلسل ربما كان معداً للتنفيذ في حالة فوز كامالا هاريس بالحكم!؟
بين الحرية والتحرر
في أحد مشاهد Zero Day المهمة يدور حوار بين جورج مولين، ومليارديرة اسمها مونيكا كيدر تملك واحدة من أكبر شركات الـ “سوفت وير” تستشهد خلاله كيدر (جابي هوفمان) بمقولة لأحد مؤسسي الولايات المتحدة عن الحرية، مستخدمة كلمة Freedom (حرية).
يصحح لها مولين المقولة مبيناً لها أن الكلمة المستخدمة هي Liberty (تحرر)، فتسأله مستنكرة: وما الفرق؟ يجيبها مولين: الكلمة الأولى هي ما تفعلونه أنتم، أما الثانية فما نفعله نحن لكي نقاوم ما تفعلونه.
المعنى أن الحرية ليست أن يفعل رجال الأعمال والسلطة ما يعن لهم على حساب حرية الآخرين وبالمخالفة للقوانين، وأن التحرر الذي تقصده الدساتير والقوانين هو قدرة المرء على اتخاذ قراراته واختيار حياته والتعبير عن رأيه، دون أن يلغي أو يضر بحرية الآخرين.
هذا هو الدرس النهائي الذي يسعى Zero Day لتوصيله، بعد ساعات من المطاردات والمواجهات والأحداث الغامضة، الدرس الذي يكتمل بمواجهة أخرى بين مولين والمتحدث باسم مجلس العموم ريتشارد دراير (ماثيو مودين). يشكو دراير: “البلد انقسمت نصفين، نصف غارق في حلم ساخن من الأكاذيب والمؤامرات، والنصف الآخر يلقون الاتهامات، ويعددون مظالمهم”.
يصف دراير ما يحدث بالسرطان الذي يحتاج إلى علاج كيميائي، القوميون العنصريون، والفوضويون الذين يطالبون بحل الشرطة، المضللون الذين يعتقدون أن الانتخابات مفتوحة للتأويلات، والمذيعون ومؤثرو مواقع التواصل الذين يتربحون من نشر الأكاذيب.
يجيبه مولين: “لا يمكنك أن تنقذ بلداً بالقضاء على الديمقراطية.. كل ديكتاتور استولى على الحكم قال إن حكمه مؤقت”.
بانوراما الشقاق والتطرف
بعيداً عن، أو قريباً من، القصة البوليسية السياسية، يستعرض Zero Day بانوراما مصغرة للحياة في الولايات المتحدة، وكثير من بلاد العالم، اليوم.
اتساع الشقاقات الفكرية وتطرف الجمهور، وسائل الإعلام ومقدمو وسائل التواصل الذين يزيدون الانشقاقات والتطرف، يمثلهم مذيع مغرور وجاهل اسمه إيفان جرين (دان ستيفنس)، التلاعب بالعقول وغسيل الأمخاخ الذي تمارسه وسائل التواصل والمتحكمون فيها، الفساد المالي والسياسي والرباط غير المقدس بين السلطة والثروة.
موضوعات كثيرة يتوه المشاهد بينها أحياناً، وإن كان عذر صناع العمل أن عالمنا يموج بهذا كله، ويدفع المرء إلى التوهان والحيرة بالفعل، حيث تتلاشى الحدود بين الخيال والواقع.
*ناقد فني