نشرت وسائل إعلام روسية أول لقطات مؤكدة لروبوت “كورير” (Courier) القاذف للهب، الذي يطلق صواريخ شديدة الاحتراق، وهو يعمل على محور سومي بشمال شرق أوكرانيا.
ويشير هذا التحرك إلى توسّع روسيا في الاعتماد على المركبات البرية غير المأهولة ضمن تجارب موسّعة تجريها موسكو لإسناد الأدوار القتالية لمنصات روبوتية، وفق موقع Army Recognition.
وظهر في اللقطات التي نشرتها وسائل إعلام روسية روبوت قاذف للهب مصغر في المعارك العسكرية في سومي بأوكرانيا، حيث نفّذت مركبة مجنزرة صغيرة من دون سائق ضربة على مواقع أوكرانية بين الأشجار.
وتوصف هذه المنظومة بأنها “قاذف لهب روبوتي” يعتمد على منصة NRTK Courier، في خطوة جديدة ضمن مسار روسيا نحو إدخال الروبوتات القتالية البرية.
ويعكس ظهور هذا القاذف غير المأهول كيف تحوّلت الجبهة الأوكرانية إلى مختبر للحرب الروبوتية وتسريع تسليح المنصات الحالية.
روبوت small Solntsepek
يُعتبر الروبوت الروسي المدمج في NRTK Courier مركبة أرضية مسيرة مجنزرة صُممت في الأصل كحاملة متعددة الأغراض للخدمات اللوجستية وإجلاء المصابين والمهام الهندسية.
وتتمثّل المنظومة المعدّلة في مركبة مجنزرة صغيرة مزوّدة بوحدة قاذف حراري RPO-M Shmel-M تركّب على السقف وتطلق ذخائر حارقة أو شديدة الانفجار قصيرة المدى عبر منصة إطلاق موجّهة عن بُعد مزوّدة بحساسات.
وتشير تقارير روسية إلى تزويد النسخة الجديدة بحزمة من عشرة قواذف قاذفات صواريخ Shmel، بينما تتحدث مصادر أخرى عن وحدة بثمانية أنابيب تخضع للتجارب القتالية، ما يرجّح اختبار أكثر من نموذج.
وتُظهر اللقطات المركبة بتشكيلة من عشرة أنابيب: صفان من أنابيب الإطلاق الأسطوانية على حامل دوار ومرتفع، إلى جانب صاري استشعار للمراقبة ليلاً ونهاراً والتصويب عن بُعد.
وتُظهر الأسلاك المكشوفة أن المنصة جرى دمجها بسرعة أكبر من كونها منتجاً صناعياً كاملاً، إلا أن الفكرة الأساسية واضحة: مجنزرة صغيرة موجّهة عن بُعد لإطلاق ذخائر حرارية.
ومن الناحية التشغيلية، تمثّل نسخة Courier القاذفة للهب امتداداً لمنظومة ظهرت في الحرب الروسية الأوكرانية منذ 2024 على الأقل، حين شاركت الروبوتات الأولى في مهمات إمداد وإخلاء وزرع ألغام.
ووصف مشغّلوها المنصة بأنها سهلة التشغيل في غضون أيام، لأنها صُممت لتناسب الجنود أكثر من المهندسين.
وتطورت العائلة لاحقاً لتضم نسخ اقتحام مزوّدة برشاشات وقاذفات قنابل آلية، وروبوتات مخصّصة لزرع الألغام، وناقلات حمولة، جميعها تعتمد الهيكل المجنزَر نفسه.
وتأتي النسخة القاذفة للهب ضمن هذا المسار التصاعدي: بدلاً من تطوير روبوت جديد، تم تثبيت بطارية قاذف حراري مدمجة على منصة أثبتت فعاليتها.
وبالتوازي، تُنهي روسيا اختبار نسخة محدّثة من منظومة القاذف الحراري الثقيل المعتمدة على هيكل دبابة T-80، المشهورة غربياً بمنظومات TOS-1 وTOS-1A، وتقول التقارير الرسمية إن التحديث يمنحها دقة أكبر ومدى أطول ومستوى أعلى من الأتمتة.
ومعاً، يعكس الجمع بين المنظومة الثقيلة على هيكل T-80 والنسخة الصغيرة Courier-Shmel نهجاً متعدد الطبقات لإطلاق الصواريخ شديدة الاحتراق، بدءاً من ضربات بعيدة المدى إلى اشتباكات دقيقة في التضاريس المعقّدة.
وبالمقارنة مع جندي يحمل قاذفاً واحداً، يوفر الروبوت حجماً أكبر من النيران بشكل فوري، ويحمي المشغّل من نيران العدو، ومن تأثير الانفجار الحراري.
أما مقارنة بمنظومات TOS الثقيلة، فيبقى مدى Courier وقدرته التدميرية محدودة، فهو نظام تكتيكي، وليس سلاحاً ميدانياً مُشبعاً.
مزايا تشغيلية
ورغم ميزاته التشغيلية، يعاني الروبوت من نقاط ضعف، فحجمه الصغير وهيكله المنخفض يعزّزان الحركة في الغابات والمناطق الموحلة والمواقع المدمّرة، إلا أن غياب التدريع يجعله مكشوفاً لشظايا المدفعية ونيران الأسلحة الخفيفة والأسلحة المضادة للدروع، إضافة إلى طائرات FPV المسيّرة المنتشرة بكثافة لدى الطرفين.
وبحكم أنه موجّه عن بُعد، يتأثر استخدامه بمدى الاتصال اللاسلكي وهجمات الحرب الإلكترونية وحجب الإشارة، ويصبح هدفاً ثابتاً عند فقدان التحكم.
كما أن ذخيرته محدودة بثمانية إلى عشرة صواريخ تُطلق عادة في رشقة واحدة، ما يجعله مناسباً للمهام السريعة عالية التأثير، مثل اختراق نقطة محصّنة أو قمع خندق محدد، وليس للمعارك الطويلة. وبعد إطلاق الرشقة، يتعيّن انسحابه لإعادة التذخير، ما يزيد احتمالات كشفه.
وعلى الرغم من هذه العيوب، فإن القدرة على إسقاط تأثيرات حرارية في مخبأ أو تقاطع محدد، بينما يظل الطاقم تحت الغطاء؛ توفر ميزة تكتيكية ملموسة لوحدات الهجوم.
وتؤكد عملية نشر نسخة قاذف اللهب Courier في سومي بأوكرانيا استمرار استثمار روسيا في الروبوتات البرية كاستجابة مباشرة لخسائر الميدان وظروف الحرب الحديثة المميتة بشكل متزايد.
وسبق لوسائل الإعلام الحكومية الروسية أن أفادت باستخدام منصات Courier متعددة مزودة بقاذفات قنابل في عمليات هجومية، بما في ذلك ما وصفته بأنه من أوائل “الاشتباكات بين الروبوتات” ضد أنظمة أوكرانية مسيّرة قرب برديتشي عام 2024.
ويؤدي نشر طراز قاذف اللهب إلى تعزيز دور الأنظمة الروبوتية كونها ليست مجرد أصول استطلاع أو أدوات دعم لوجستي، بل كعناصر أساسية في العمليات القتالية وقمع الدفاعات.
تحدي لأوكرانيا
وبالنسبة لأوكرانيا وحلفائها، يُبرز هذا التطور الحاجة إلى تعزيز قدرات مكافحة الروبوتات، من ألغام مضادة للمركبات غير المأهولة إلى أسلحة طاقة موجهة، وصولاً إلى تحسين الاستطلاع المسيّر وأنظمة الحرب الإلكترونية المخصّصة لتعطيل روابط التحكم.
وعلى المستوى الجيوسياسي، يُحقق نشر اللقطات ذات الصلة عبر منافذ إعلامية روسية “غرضاً مزدوجاً”، إذ يظهر قدرة روسيا على التكيّف العسكري رغم العقوبات، وإبراز رؤيتها للأنظمة غير المأهولة كعنصر تفوق حاسم في مواجهة قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتشير مصادر روسية إلى أن أنظمة NRTK مرشحة للتوسع، مع خطط لإضافة وحدات قتالية جديدة غير معلنة إلى منصة Courier، قد تشمل صواريخ مضادة للدروع أو ذخائر جوّالة أو حمولات متقدمة من الحساسات والحرب الإلكترونية.
وما يعتبر حالياً عدداً قليلاً من النماذج الأولية التي تخضع لاختبارات قتالية يمكن أن يتطور إلى عائلة من الروبوتات المتخصصة المُنتجة بكميات كبيرة، ما يلغي الخط الفاصل بين الوحدات المأهولة وغير المأهولة في العمليات الهجومية.
