روسيا في سوريا.. تراقب جنوبًا وتهاجم شمالًا
– موفق الخوجة
مع تصاعد الضربات الإسرائيلية على سوريا لقطع طرق الإمداد بين إيران و”حزب الله”، واستهدافها العمق السوري، تتخذ موسكو حليفة النظام السوري موقف المتفرّج من الضربات، ويقتصر دورها على التنديد وتسجيل المواقف.
ومنذ معركة “طوفان الأقصى” في 7 من تشرين الأول 2023، التي أطلقتها “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، صعّدت إسرائيل من ضرباتها في سوريا تركز معظمها في جنوبي ووسط سوريا.
روسيا لم تحرك ساكنًا تجاه هذه الضربات، لكنها تندد دائمًا بها، وتسجل مواقف ضدها.
أبرز تلك الضربات كانت على مركز البحوث العلمية في مصياف غربي حماة، التي تبعد عن قاعدة حميميم الروسية جنوبي اللاذقية نحو 70 كيلومترًا.
وتحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” عن إنزال جوي تزامن مع القصف، واستيلاء على وثائق من مركز البحوث.
كما برزت منطقة المزة بدمشق كمسرح لسلسلة اغتيالات واستهدافات لقيادات وعناصر من “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني”.
وتستهدف مؤخرًا إسرائيل الحدود السورية- اللبنانية، وتقول إنها تقطع طرق إمداد النظام وإيران لـ”حزب الله”.
وتعرّض معبر “المصنع” الحدودي للقصف مرتين أحدثهما في 25 من تشرين الأول الحالي، وتزامن القصف مع آخر لمعبر “جوسيه”.
روسيا تتحكم بالنظام
يشبّه الباحث في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، علاقة روسيا بالنظام بعلاقة “الفارس بالفرس، أحدهما فوق السرج والآخر تحت السرج”، مشيرًا إلى تحكم موسكو بالحكم في سوريا.
وتدخلت روسيا عسكريًا في سوريا نهاية أيلول 2015، وكان دخولها فارقًا على خارطة توزع السيطرة بين المعارضة والنظام السوري، إذ تعتبر موسكو أن تدخلها أنقذ النظام السوري من السقوط، فبعد أن فقد السيطرة على معظم سوريا، صار بعد 2015 يستحوذ على أكثر من ثلثي خارطة السيطرة.
ويرى اليوسف أن “روسيا تتحكم بسوريا كما تشاء”، خاصة ما يسمى بـ”سوريا المفيدة” وتحديدًا المناطق الساحلية.
وتكتسب منطقة وسط سوريا وغربها أهمية لروسيا، خاصة في ظل التوتر بين روسيا والغرب.
وتبرز أهمية المواقع العسكرية الروسية على الشواطئ السورية، إذا انتقل هذا التوتر من حرب باردة إلى حرب أكثر سخونة، وفق اليوسف.
وتمتلك روسيا موقعين في الغرب السوري، هما قاعدة “حميميم” الجوية، وميناء “طرطوس”.
روسيا تراقب في الجنوب
طرأت العديد من التغيرات على التمركز الروسي في سوريا بعد حربها ضد أوكرانيا، وخاصة جنوبي سوريا، وتحديدًا بالقرب من خط المواجهة العسكرية بين النظام السوري وإسرائيل.
وأنشأت روسيا 14 نقطة على طول الحدود السورية مع الجولان المحتل جنوبي سوريا، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار.
وتسيّر روسيا بين الحين والآخر دوريات على خط فض الاشتباك.
وعلى عكس الجبهة الشمالية لإسرائيل مع لبنان، كانت الجبهة السورية باردة إلى حد ما، إلا أنها تلقت بعض الضربات التي لم يعلن عنها النظام، ولكن رصدها مراسلو في الجنوب، وشبكات أخبار محلية.
ويرى الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، أن التغيرات التي طرأت على الجبهة الجنوبية كانت تحت الرقابة الروسية، ومنها تخفيض عدد القوات الدولية العاملة في الجنوب السوري، وزيادة نقاط المراقبة الإسرائيلية، إضافة إلى التدخلات البرية الإسرائيلية واستكمال مشروع “سوفا 53”.
ويعتقد الباحث أن هذه التغييرات التي حصلت على الجبهة السورية الجنوبية بعد “طوفان الأقصى” تصبّ في مصلحة النظام، إذ تستثني إسرائيل في المقابل النظام من التصعيد العسكري على “حزب الله” وإيران.
وأضاف حوراني أن التحركات الإسرائيلية جنوبي سوريا وإضافة نقاط المراقبة، تستهدف الميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا، وتضبط تحركاتها.
وتتوغل آليات الجيش الإسرائيلي المتمركزة على خط المواجهة داخل الأراضي السورية، وتعمل على إنشاء وتعبيد طرق داخلية منذ منتصف 2022، وأنشأت ما سمته إسرائيل “سوفا 53”.
ووصل التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية بعد منتصف 2022 إلى كيلومترين في بعض النقاط، بحسب مراسلي في القنيطرة ودرعا ووسائل إعلام إسرائيلية.
وفي منتصف تشرين الأول الحالي، حرّكت إسرائيل السياج الفاصل في المنطقة منزوعة السلاح، وأنشأت تحصينات جديدة، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن مسؤول تابع لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
ونقلت “رويترز” عن مصادر عسكرية سورية ومصادر لبنانية أمنية، أن عمليات إزالة ألغام على الحدود السورية- الإسرائيلية، تسارعت في الأسابيع الماضية.
على الطرف الآخر، نفى النظام هذا التوغل على لسان الأمين السابق لفرع حزب “البعث” بمحافظة القنيطرة، خالد أباظة، ومحافظ القنيطرة سابقًا، معتز أبو النصر جمران، دون أن يصدر أي تعليق من وزارة دفاع النظام.
وأكد المختص بالشأن الروسي نصر اليوسف، أن المستهدف بضربات إسرائيل ليس النظام، وإذا توغل الجيش الإسرائيلي في سوريا، فليس لمعاقبة النظام، فهو لم يحرك ساكنًا ونأى بنفسه عن “محور المقاومة”.
لكن هذه التوغلات والضربات العسكرية الإسرائيلية، أثارت التساؤلات حول إمكانية توغل إسرائيل في العمق السوري، وعن دور الروس إن حدث ذلك.
واستبعد اليوسف تدخل روسيا في حال توغلت إسرائيل، فهناك أطر معيّنة للعلاقة بين روسيا وإسرائيل فيما يخص الشأن السوري.
الأطر التي تحدث عنها اليوسف هي ضمن اتفاقية “الخط الساخن”، التي جرت بين إسرائيل وروسيا، واتضحت ملامحها في 2018.
وأنشأت تل أبيب قناة اتصال مع قاعدة “حميميم” في 2015، للتنسيق العسكري، ولمنع تضارب حركة الطيران الروسي والإسرائيلي في سماء سوريا.
ويعتبر الباحث رشيد حوراني أن دور روسيا في الجنوب مكمل لدور أمريكا والدول الأوروبية في حماية إسرائيل، خاصة على الجبهة الجنوبية لسوريا التي تكتسب أهمية دولية ومحلية.
وتابع حوراني أن النظام حاول استثمار هذه الجبهة منذ بداية الحراك السوري عام 2011، ليوصل رسالة لأوروبا وأمريكا والدول الرئيسة الداعمة لإسرائيل، أن هناك تفلتًا في ضبط الحدود إذا دُعم الحراك.
لكن روسيا تمسك اليوم بزمام الأمور العسكرية في سوريا من الناحية التنظيمية والتدريبية، ومن ناحية اتخاذ النظام قرارًا بشنّ عملية عسكرية، وفق ما قاله حوراني ل.
وبحسب الدكتور نصر اليوسف، تلقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تعليمات من موسكو بعدم الانخراط في المواجهة الحاصلة بين إسرائيل وإيران و”حزب الله”.
وازداد عدد النقاط الروسية في سوريا عام 2024 إلى 114 موقعًا، بعد أن كانت 105 مواقع عام 2023 حسب دراسة نشرها مركز “جسور” في تموز الماضي.
وتتوزع المواقع الروسية في سوريا على 21 قاعدة و93 نقطة عسكرية، منها 13 موقعًا ونقطة في القنيطرة، المحاذية للحدود مع الجولان المحتل من قبل إسرائيل.
وبحسب “جسور”، فإن الزيادة في المواقع الروسية في سوريا التي حصلت منذ منتصف 2023، جاءت بسبب انتشار روسيا ضمن المواقع التي انسحبت منها الميليشيات الإيرانية من محافظة القنيطرة جنوبي سوريا.
وفي 2018، اتفقت إسرائيل مع روسيا على إبعاد الإيرانيين عن الحدود الإسرائيلية نحو 80 كيلومترًا، مقابل أن تسمح الأخيرة للنظام السوري بالعودة إلى خط فض الاشتباك برعاية روسية.
ويبلغ عدد المواقع الإيرانية في سوريا 529 موقعًا، منها 20 في القنيطرة، وتعتبر صاحبة الانتشار الأكبر بين القوات الأجنبية في سوريا، وفق ما ذكره مركز “جسور”.
سلوك مختلف في الشمال
في الوقت الذي تتجاهل فيه روسيا ضربات إسرائيل على النظام جنوبي ووسط سوريا، يختلف تعاملها بالشمال.
وتساند روسيا النظام في عملياته العسكرية شمال غربي سوريا، حيث تسيطر فصائل المعارضة، وتنفذ ضربات جوية باستمرار.
الباحث في مركز “جسور” رشيد حوراني، قال ل، إن تعاطي روسيا مع النظام السوري مختلف عن تعاطيها في الجنوب.
وأوضح أن موسكو في الشمال تتعامل مع النظام كدولة حقيقية، وليس كدولة مصطنعة كما في الجنوب مع إسرائيل.
وبالرغم من اتفاقية “خفض التصعيد”، ما زال الطيران الروسي يساند مدفعية النظام بقصف مناطق في إدلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية.
النظام وروسيا يقولان إنهما يستهدفان مواقع لـ”الإرهابيين”، لكن مراسلي ومنظمات إنسانية تؤكد سقوط مدنيين بهذه الضربات العسكرية.
وشهد تشرين الأول الحالي تصعيدًا عسكريًا روسيًا، حيث شنت المقاتلات الحربية الروسية في يوم واحد (14 من تشرين الأول) أكثر من 25 غارة جوية على مناطق متفرقة من أرياف حلب وإدلب واللاذقية.
وأصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا، في 23 من تشرين الأول، وثقت فيه مسؤولية الجيش الروسي عن مقتل 11 مدنيًا بعد قصفه أطراف مدينة إدلب، إضافة إلى تدميره محطة كهرباء “الكيلاني” في منطقة عين الزرقا بريف إدلب الغربي، ما حرم آلاف المدنيين من المياه.
وفقًا للتقرير الذي جاء من 16 صفحة، شهد شمال غربي سوريا تصعيدًا “عنيفًا” بين 14 و16 من تشرين الأول الحالي، تجلى بغارات جوية روسية يومية باستخدام طائرات وصواريخ شديدة الانفجار.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي