حثّت وزارة الخارجية الروسية، أذربيجان، الأربعاء، على إعادة علاقتها مع موسكو إلى مستوى يليق “بالتعاون الاستراتيجي”، لافتة إلى أن قوى بعينها تحاول إفساد علاقات البلدين.
واندلع خلاف دبلوماسي بين البلدين الأسبوع الماضي، بعدما أودت مداهمات للشرطة في روسيا بحياة شخصين من أصل أذربيجاني، قبل أن يتصاعد الخلاف عقب اعتقال باكو صحافيين روسيين يعملان في وسيلة إعلام حكومية ونحو 15 روسياً آخرين للاشتباه في تورطهم في الاتجار بالمخدرات وجرائم إلكترونية.
وتقول أذربيجان إن تشريح جثتي الرجلين اللذين لقيا حتفهما في روسيا “أظهر تعرضهما للضرب حتى الموت”، رغم أن موسكو ذكرت أن أحدهما توفي بسبب مشاكل في القلب، وأن السلطات في باكو فتحت تحقيقاً مستقلاً.
علاقات متوترة
وتشهد العلاقات بين البلدين توتراً منذ أواخر العام الماضي عندما لقي 38 شخصاً مصرعهم إثر تحطم طائرة ركاب أذربيجانية كانت متجهة من باكو إلى جنوب روسيا. وتقول باكو إن الحادث نجم عن أضرار مفاجئة ناجمة عن نيران أطلقتها وحدات الدفاع الجوي الروسية.
وقال رئيس لجنة التحقيق في باكو بشأن الحادث نعمت آفازوف، للصحافيين إن فريقه سيصدر نتائجه خلال الأيام المقبلة.
وفي وقت سابق الخميس، صرحت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية بأن موسكو دأبت على بناء علاقاتها مع باكو لسنوات طويلة على أساس الاحترام المتبادل، وألمحت إلى أن قوى خفية تحاول الآن استغلال الوضع “لتحسين أوضاعها” وهي عبارة روسية تعني إثراء نفسها.
وأضافت في مقابلة مع إذاعة سبوتنيك: “لا تدعوها (العلاقات) تحترق فحسب.. لأن علاقات الصداقة بالغة الأهمية لنا وللشعبين. وعلى من يريد إفسادها أن يفكر ملياً فيما يفعله”.
واعتبرت زاخاروفا خلال مؤتمر صحافي لاحقاً، أنه ينبغي على باكو استعادة علاقاتها مع روسيا، واشتكت من عدم السماح لموسكو بأي تواصل قنصلي مع مواطنيها المعتقلين.
وقالت “ندعو بالطبع الجانب الأذربيجاني إلى اتخاذ إجراءات لإعادة علاقاتنا إلى مستوى العلاقات بين الدول كما هو مُبين في الوثائق الرسمية. دعوني أذكركم بأن هذا هو مستوى التعاون الاستراتيجي”.
وأكد الكرملين أن روسيا تسعى للتفاوض على إطلاق سراح صحافييها اللذين وُجهت إليهما تهم الاحتيال وجرائم أخرى ووضعا رهن الحبس الاحتياطي في باكو.
الصراع الدبلوماسي بين موسكو وباكو
في 28 يونيو الماضي، أفادت لجنة التحقيقات الروسية في مقاطعة سفيردلوفسك، بأن الأجهزة الأمنية أحبطت أنشطة مجموعة متورطة في سلسلة من محاولات وجرائم القتل التي وقعت في يكاترينبورخ خلال الأعوام 2001 و2010 و2011، مشيرةً إلى أن البيانات الأولية أظهرت وفاة أحد المتهمين نتيجة قصور في القلب، بينما يجري تحديد سبب وفاة الشخص الثاني، ثم تم نقل جثتيهما إلى باكو، حيث قالت أذربيجان حينها إن الفحص الجنائي أظهر آثار عنف، معربةً عن احتجاجها للجانب الروسي.
وفي 30 يونيو، أعلنت وزارة الداخلية الأذربيجانية أن الأجهزة الأمنية نفذت عملية أمنية في مكتب وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية في أذربيجان، واحتجزت العديد من الأشخاص، من بينهم رئيس المكتب إيجور كارتافيخ، ورئيس التحرير يفجيني بيلاوسوف.
واستدعت وزارة الخارجية الأذربيجانية في 2 يوليو السفير الروسي في باكو ميخائيل يفدوكيموف، لتسليمه احتجاجاً على “الخطوات غير الودية” التي اتخذتها موسكو، بحسب المكتب الصحافي لوزارة الخارجية الأذربيجانية.
وقالت النيابة العامة في روسيا إنها تحافظ على اتصالات منتظمة مع نظيرتها في أذربيجان، مؤكدة أن الأولوية هي حماية حقوق مواطني البلدين، وأشار مكتب المدعي العام إلى أنه ” لتفادي أي تأويلات محتملة، وجّه رؤساء الإدارات الإشرافية مرؤوسيهم لاتخاذ تدابير وقائية شاملة”.
العلاقات الروسية الأذربيجانية
منذ استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، ظلت باكو تحاول الموازنة بين الحفاظ على قدر من الاستقلالية السياسية وتعزيز علاقاتها مع الغرب وتركيا، وبين إبقاء جسور التعاون قائمة مع موسكو، التي ترى في جنوب القوقاز مجالاً حيوياً لأمنها ونفوذها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تُمثل روسيا ثاني أكبر شريك تجاري لأذربيجان بعد إيطاليا، إذ يرتبط البلدان بتبادل تجاري واسع، يشمل الطاقة والمنتجات الزراعية والصناعية. كما أن ملايين الأذربيجانيين يعيشون ويعملون في روسيا، مما يجعل التحويلات المالية عاملاً مهماً في اقتصاد بلدهم.
ومع ذلك، فإن باكو تعتمد بشكل أكبر على صادرات النفط والغاز إلى أوروبا وتركيا، وهو ما يحدّ من قدرة موسكو على ممارسة ضغوط اقتصادية مباشرة.
أما عسكرياً وسياسياً، تُعتبر قضية إقليم ناجورنو قره باغ إحدى أبرز نقطة الخلاف غير المباشرة بين الطرفين، فرغم أن روسيا تحتفظ بتحالف وثيق مع أرمينيا، خصم أذربيجان التقليدي، إلا أنها حرصت تاريخياً على لعب دور الوسيط بين باكو ويريفان، خاصة بعد حرب 2020 التي استعادت فيها أذربيجان أجزاء واسعة من الإقليم بدعم تركي وتحت مراقبة قوات حفظ سلام روسية.
من ناحية أخرى، يثير تنامي التعاون العسكري بين أذربيجان وتركيا قلق موسكو، التي تخشى تمدد النفوذ التركي في القوقاز على حسابها. كما تتوجس موسكو من علاقات باكو المتنامية مع الغرب، سواء عبر مشاريع الطاقة العملاقة التي تقلص الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، أو من خلال التعاون الأمني المحدود مع الناتو.