زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 34 عاماً، يفوز في انتخابات عمدة مدينة نيويورك، ليسجل اسمه في التاريخ السياسي الأميركي بصفته أول مسلم يتولى هذا المنصب.

وسيؤدّي ممداني اليمين الدستورية في الأول من يناير 2026، وسيرث مدينة شديدة التعقيد يبلغ عدد سكانها 8.5 مليون نسمة، وقوة عاملة في البلدية تقارب 300 ألف موظف، وميزانية تبلغ 115 مليار دولار.

وقبل انتخابه عمدة نيويورك، شغل ممداني عضو مجلس ولاية نيويورك لثلاث دورات، ودخل سباق العمدة باعتباره أحد المرشحين غير البارزين.

وُلد ممداني في كمبالا عاصمة أوغندا في عام 1991، وهو الابن الوحيد للأكاديمي محمود ممداني، الأستاذ في جامعة كولومبيا وأحد أبرز الباحثين في دراسات ما بعد الاستعمار، وللمخرجة السينمائية ميرا ناير، التي رُشّحت أعمالها لجائزة “الأوسكار”.

وتتوزع حياة العائلة بين الولايات المتحدة والهند وجنوب إفريقيا وأوغندا، حيث تمتلك منزلاً كمبالا. وفي يوليو الماضي، اجتمعت العائلة هناك للاحتفال بزفاف زهران مع راما دواجي (28 عاماً)، وهي فنانة من أصول سورية وُلدت في ولاية تكساس، وانتقلت إلى مدينة نيويورك لإكمال درجة الماجستير في الرسم.

غادر زهران ممداني أوغندا في طفولته، لكنه واصل زيارتها بانتظام، وقد حصل على الجنسية الأميركية عام 2018.

وعاش ممداني فترة في كيب تاون بجنوب إفريقيا، قبل الانتقال إلى مدينة نيويورك وهو في السابعة من عمره. التحق بمدرسة برونكس للعلوم المرموقة، ثم تخرّج بشهادة بكالوريوس من كلية بودوين.

بين الصحافة والموسيقى

عمل ممداني متدرباً بصحيفة “ديلي مونيتور” الأوغندية بدعم من والده، إذ كان ممداني يحلم بأن يصبح “صحافياً بارزاً”، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

وقبل أن يصبح عضواً في مجلس الولاية، عمل ممداني أيضاً مستشاراً في مجال الإسكان بنيويورك.

وكانت لممداني مسيرة مسيقية قصيرة مستخدماً اسماً فنياً هو Mr. Cardamom، وفق شبكة CNN.

ويظهر في فيديو أغنية الراب “Nani”، التي يكرّم فيها جدته وثقافة جنوب آسيا في نيويورك، وهو بلا قميص يرقص أمام الكاميرا.

وتم استخدام تلك الصورة على نطاق واسع في إعلانات مناوئة له للسخرية من مسيرته الموسيقية السابقة، ومن قلة خبرته الحكومية.

قال أندرو إبستين، أحد مساعدي حملته، إن تجربة الراب ساعدته بطريقة غير مباشرة في حملته، وأضاف: “ميزة هائلة لأي شخص يترشح لمنصب عام هي الشجاعة في مواجهة الإحراج، والقدرة على تجاوز ذلك الشعور الطبيعي الذي يمنع كثيرين منا من تقديم أنفسهم للغرباء أو فعل أمور تبدو سخيفة أمامهم”.

صعود ممداني السياسي

ممداني صعد بثبات في سباق العمدة من خلال سلسلة مستمرة من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقابلات مع ناخبين كانوا صوّتوا لصالح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 2024.

خاض ممداني حملة رقمية رائدة تحدّث فيها بلغات متعددة، وركّز رسالته على القدرة على تحمّل التكاليف.

وخلال الحملة، نشر مقاطع باللغة العربية والبنغالية والإسبانية، وظهر مع سائقي سيارات الأجرة ومع العمال في الطرقات، وساهمت هذه الفيديوهات في انتشاره الواسع، خصوصاً وسط الشباب.

أحد مقاطع الفيديو الأكثر انتشاراً على الإنترنت كان عن ما أسماه المرشح “تضخم الأكل الحلال”، حيث خرج لإجراء مقابلات مع بائعي الطعام الحلال، عن ارتفاع تكاليف إدارة عربات الطعام في نيويورك. 

وشرح ممداني كيف أن نظام التصاريح الغامض في المدينة يساهم جزئياً في رفع أسعار طعام الشارع المفترض أن يكون رخيصاً.

وبحلول موعد الانتخابات التمهيدية في يونيو الماضي، تمكن ممداني من تقليص الفارق أمام كومو في استطلاعات الرأي.

وتكاتفت القوى التقليدية في المدينة، بما في ذلك قطاعات العقارات والأعمال، من أجل دعم كومو، وتبرعت بملايين الدولارات للجان مناهضة لممداني. كما أطلق رجال أعمال تصريحات زعمت أن مداني سيدفع أثرياء وول ستريت لمغادرة المدينة.

لكن هذا الهجوم ساعد ممداني في تصوير حملته كصراع بين الطبقة العاملة وأصحاب المليارات، وتمكن في الأخير من الفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

ممداني في مواجهة الانتقادات

بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية، والتي اعتبرت صدمة لغالبية المراقبين السياسيين، واجه ممداني اتهامات بمحاولة الاقتطاع من ميزانية الشرطة.

وبعد أن قضى إجازة في أوغندا للاحتفال بزفافه، في يوليو الماضي، عاد ممداني إلى مدينة تترنح تحت وطأة الحزن على جريمة اغتيال ضابط شرطة نيويورك ديدارول إسلام وثلاثة آخرين، في حادث إطلاق نار في مانهاتن.

وتعرّض  ممداني لمساءلة حول سلسلة من التغريدات القديمة التي انتقد فيها الشرطة، بما في ذلك وصفه أجهزة إنفاذ القانون بـ”العنصرية”، ودعوته إلى سحب التمويل منها.

وقال ممداني للصحافيين بعد لقائه عائلة إسلام: “أنا لا أسعى لخفض تمويل الشرطة”.

كما سعى ممداني إلى التواصل مع الجالية اليهودية في نيويورك، التي كانت منزعجة من انتقاداته لحكومة إسرائيل في حربها على غزة.

ويعتبر ممداني من أبرز المدافعين عن حقوق الفلسطينيين، وداعم لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل، ومنتقد شديد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي توعد باعتقاله إذا زار نيويورك عندما يصبح عمدة المدينة.

كما هاجمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب باعتباره معادياً لليهود، ولكن في الأخير نال ممداني دعماً من بعض الشخصيات في المجتمع اليهودي.

ممداني في كل مكان

ومع توجه أكثر من نصف مليون من سكان نيويورك للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المبكرة، كان ممداني في كل مكان تقريباً، وفق CNN.

ظهر ممداني في الكنيسة صباح الأحد، وفي المحطات الإذاعية مساءً، زار متاجر الأقليات العرقية في الأحياء في نفس اليوم، وظهر في بث مباشر مع مؤثرين، وأنهى اليوم بجولة على نوادي المدينة الليلية.

وفي تجسيد لشعار “المدينة التي لا تنام”، بدا ممداني هو الآخر لا ينام، حيث زار ستة نوادٍ ليلية في بروكلين، السبت، ليعاود الأمر نفسه في الأحد الأخير من التصويت المبكر.

والتقى ممداني متطوعين في حملته، ووقف على جانب الطريق لتشجيع العدّائين في ماراثون نيويورك، ثم توجه إلى كوينز للقاء الحاكمة كاثي هوشول، وتشجيع فريق بوفالو بيلز، ليظهر بعدها في مدرجات “ماديسون سكوير جاردن” في مباراة لفريق نيويورك نيكس.

وحاول كومو بشكل ملحوظ اختراق قاعدة دعم ممداني من الناخبين المسلمين والجنوب آسيويين بالإشارة إلى معارضة ممداني لفرض عقوبات جنائية على الدعارة.

كما ضحك عندما اقترح مذيع إذاعي أن ممداني سيحتفل بحدوث هجوم جديد شبيه بـ11 سبتمبر، ما أثار اتهامات من ممداني وآخرين بأنه يلعب على وتر الإسلاموفوبيا.

ولكن ممداني تمكن من التغلب على كومو  في الأخير، والذي تبدو هذه الخسارة خاتمة لمسيرة سياسية طويلة ومليئة بالأحداث.

كان كومو حاكماً لنيويورك لمدة تقارب 11 عاماً قبل استقالته عام 2021 بعد اتهامات بالتحرش الجنسي، بالإضافة إلى الانتقادات التي تعرّض لها بشأن إدارة حكومته لحالات كورونا في دور رعاية المسنين.

وسيسجّل التاريخ ممداني كأول عمدة مسلم لمدينة نيويورك، وأول شخص من أصول جنوب آسيوية يتولى المنصب، وأحد أصغر من يتم انتخابهم لهذا المنصب في العصر الحديث.

شاركها.