اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالعمدة المنتخب لنيويورك زهران ممداني في المكتب البيضاوي الجمعة، في لقاء اتسم على غير المتوقع بالود والتعاون، بعيداً عن حدة خطاباتهما خلال الحملة الانتخابية، حيث وصف كل منهما الآخر بأنه “خصم سياسي متطرف”.

وفي خطاب فوزه بالانتخابات، وصف العمدة الديمقراطي الاشتراكي ترمب بأنه “ديكتاتور”. وقبل اجتماع الجمعة، وصفت متحدثة باسم الرئيس كارولين ليفيت، زيارة ممداني بأنها لـ”شيوعي يأتي إلى البيت الأبيض”.

لكن أثناء وقوفهما جنباً إلى جنب في المكتب البيضاوي، بدا الرجلان بموقف مفاجئ للتسوية والتعاون. وأكد كلاهما مراراً على اهتمامهما المشترك بمعالجة أزمة القدرة على تحمل تكاليف المعيشة في مدينة نيويورك. وابتسم كل منهما كثيراً، وبدا ترمب مستمتعاً حتى عندما سألته الصحافة عن الهجمات السياسية التي شنها ممداني ضده، بل ساعده في الإجابة عن أسئلة الصحافيين المحرجة، بما فيها سؤال عما إذا كان لا يزال يعتقد أن ترمب “فاشي”.

كما ساعده في الإجابة عن سؤال آخر حين سأله صحافي لماذا قدم إلى واشنطن بالطائرة بدلاً من القيادة رغم أنه مؤيد للبيئة، ليبدأ ترمب بالرد نيابة عنه مبتسماً، ويقول “سأدافع عنك، رحلة الطائرة تستغرق 30 دقيقة أما القيادة فتستغرق وقتاً طويلاً”.

وتحدث الطرفان عن حب نيويورك، واستعداد ترمب للعيش فيها تحت إدارة ممداني، كما دافع عن العمدة المنتخب أمام الانتقادات المحافظة، واتفقا على التركيز على قضايا تخفيض كلفة المعيشة، في بداية فصل جديد من التعاون بين خصمين سياسيين سابقين.

وكان كثيرون يتوقعون مواجهة محتدمة بين الرئيس ترمب والسياسي الشاب، الديمقراطي الاشتراكي الصاعد، الذي يسعى الجمهوريون منذ فترة لتحويله إلى “فزاعة” انتخابية في 2026.

مجاملات غير متوقّعة

وكان التوافق بين ترمب وممداني، واضحاً منذ اللحظة التي بدآ فيها التحدث للصحافة. فبعد اجتماع خاص، وقف ممداني على يمين ترمب ويداه متشابكتان، بينما جلس الرئيس خلف مكتب ريزولوت الرئاسي، الأكثر شهرة في تاريخ المكتب البيضاوي، حيث تم تصنيعه من حطام السفينة البريطانية “HMS Resolute”، التي تم العثور عليها في القطب الشمالي، في مايو 1854.

ولم يهاجم ترمب ممداني، بل أشاد به عدة مرات، معبراً عن أمله بأن يكون ممداني “عمدة رائعاً”، وأضاف لاحقاً أنه “واثق من أنه سيؤدي عمله جيداً جداً”.

ورغم أن الصحافيين حاولوا مراراً دفع الطرفين إلى استحضار خلافاتهما الحادّة والتصريحات القاسية التي تبادلاها سابقاً، فقد استمر الرجلان في تفادي الصدام وتأكيد نقاط الاتفاق.

وجاءت تعليقات ترمب لافتة في نبرتها الودية، إذ قال إنه يعتقد أن ممداني سيفاجئ بعض المحافظين، مؤكداً أن بعض أفكاره تشبه أفكاره هو نفسه، وأنهما يتفقان على أمور أكثر مما كان يتوقع، قبل أن يضيف أنه يرى في العمدة الجديد قدرة على تحقيق إنجازات كبيرة.

وعندما ذكّره أحد الصحافيين بأنه هدّد بقطع التمويل عن نيويورك إذا فاز ممداني، لمح ترمب إلى أنه قد يستخدم هذا السلاح إذا لزم الأمر، لكنه قلّل من احتمالية ذلك قائلاً: “أتوقع أن أساعده، لا أن أؤذيه”.

المجاملات كانت بمعظمها من ترمب، لكن ممداني بدوره تجنب الدخول في أي صدام معه، وكان يعود باستمرار إلى قضيته الأساسية وهي أزمة القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة.

تجاهل الصدامات السياسية السابقة

وخلال حملة الانتخابات، تبادل ممداني وترمب انتقادات سياسية حادة، حيث وصف الرئيس الأميركي ممداني بأنه “شيوعي”، ووصَف ممداني الرئيس بأنه “ديكتاتور”. لكن الاثنين تجنبا عدة أسئلة عن تصريحاتهما السابقة، وعادا للثناء المتبادل.

حتى أن ترمب سمح لممداني بالإجابة على سؤال حول ما إذا كان يعتقد أن الرئيس “فاشي”، وقال له: “لا بأس، يمكنك أن تقول نعم”، ولمس ذراعه بلطف مبتسماً، مضيفاً: “هذا أسهل من الشرح”.

وعندما أشار صحافي آخر إلى أن ممداني وصفه بـ”المستبد”، أجاب ترمب ضاحكاً: “لقد نعتوني بما هو أسوأ من مستبد”.

بل وأكثر من ذلك، رفض ترمب سؤالاً يستند إلى هجوم من أحد حلفائه السياسيين، النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك، التي قالت إن ممداني “جهادي”. فأجاب ترمب سريعاً: “لا أعتقد ذلك”، وأضاف: “أحياناً تقول الأشياء أثناء الحملات، لكنها شخص كفء جداً”.

وحين طرح أحد الصحافيين انتقاد ممداني لعمليات ترحيل المهاجرين التي يعدّها ترمب جزءاً أساسياً من أجندته، قلّل الرئيس الأميركي من شأن الأمر قائلاً إنهما لم يتطرقا له كثيراً، مضيفاً: “هو لا يريد رؤية الجريمة، وأنا كذلك. ولا أشك أننا سنتفق في هذا الملف”.

رابط نيويوركي

لدى ممداني وترمب شيء مشترك؛ فكلاهما من نيويورك، وكلاهما عاش في كوينز. منزل ترمب الطفولي في حي جامايكا إستييتس، بينما يعيش ممداني حالياً في أستوريا.

وقال ممداني إنهما يشتركان في “حب مشترك” للمدينة. وبالرغم من أن ترمب لا يقضي وقتاً كثيراً في برجه الشهير في مانهاتن هذه الأيام، تحدث بحرارة عن مسقط رأسه، قائلاً: “هذه المدينة يمكن أن تكون مذهلة، إذا نجح، سأكون سعيداً جداً”.

وأشار ترمب في لحظة ما إلى أنه لو عاش في حياة سياسية مختلفة، لكان يحب أن يكون عمدة نيويورك بنفسه.

وأبدى ترمب إعجابه بأداء ممداني الانتخابي، مشيراً إلى أنه “ظهر من العدم”. كما بدا مندهشاً عندما علم أن بعض مؤيديه دعموا الديمقراطي البالغ من العمر 34 عاماًً.

وتعهد ترمب بالتعاون مع العمدة الجديد، قائلاً: “كلما نجح، سأكون سعيداً”.

تعقيد استراتيجيات الجمهوريين

العلاقات الودية التي ظهرت الجمعة، قد تعقد جهود الجمهوريين في تصوير ممداني، الديمقراطي الاشتراكي، كتهديد في انتخابات التجديد النصفي 2026، عندما ستتنافس الأحزاب على السيطرة على الكونجرس.

وكان الجمهوريون يخططون لجعل ممداني وجه الحزب الديمقراطي، متهمين إياه بـ”معاداة الشرطة والرأسمالية وإسرائيل”، لكن ودية لقاء البيت الأبيض قد تقوض هذه الاستراتيجية.

وأشاد ترمب بممداني، وقال إنه يعتقد أن العمدة الجديد “سيفاجئ بعض المحافظين”.

لكن لهذا المشهد الودي ثمن سياسي محتمل. فالمشهد كان بعيداً كل البعد عما روّج له الجمهوريون. فقد قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض (كارولين ليفيت) قبل يوم من اللقاء: “من المهم أن نلاحظ أن غداً سيزورنا شيوعي، لأنه الشخص الذي اختارته الديمقراطية لرئاسة أكبر مدينة في البلاد”، وفق CNN.

 كما قال نائب الرئيس جي دي فانس ساخراً إنه ربما “يصاب بوعكة معدية” ليتجنب لقائه. 

ووصف السيناتور الجمهوري ريك سكوت ممداني بأنه “شيوعي حرفياً” متوقعاً أن “يلقّنه ترمب درساً” في المكتب البيضاوي.  لكن شيئاً من هذا لم يحدث.

وكان من المفترض أن يستغل الجمهوريون هذا اللقاء لإبراز التناقض بين ترمب و”الشيوعية” التي تسيطر، حسب خطابهم، على الحزب الديمقراطي. 
إلا أن ترمب نسف هذا الخط تماماً.

وخلصت CNN إلى أن الرسالة كانت واضحة وهي أن ترمب لا يريد من الجميع أخذ هذه الهجمات على محمل الجد. لافتة إلى أن السؤال الأكثر إثارة الآن هو: هل سيجرؤ أي من المحافظين على انتقاد ترمب لأنه منح هذا “الشيوعي الجهادي المزعوم” مروراً مجانياً بالكامل. 

شاركها.