علي عيد

يريد بعض الوزراء والمسؤولين في سوريا تقليد أقرانهم في الغرب، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي العامة مثل “إكس” أو المتخصصة، للإعلان عن قرارات مهمة، مثلما فعل وزير المالية بنشره معلومات حول إعادة هيكلة هيئة الإشراف على التمويل العقاري، وذلك عبر منصة “لينكد إن” (LinkedIn).

بعدها بيوم أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، وعبر صفحته على “فيسبوك”، عن إحداث هيئة التمويل العقاري كجهة ناظمة لتطوير وتمكين القطاع، وإنشاء صندوق ضمان، إلى جانب إطلاق مؤسسة وطنية للتمويل العقاري، وتنظيم مهنة التقييم العقاري، والسماح بعمل شركات تمويل خاصة ضمن ضوابط محددة.

ثم نقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) الخبر عن “فيسبوك”، ما يوحي بأن هناك فجوة كبيرة بين الإعلام والمؤسسات، أو كأن كل ما يحكي عن لقاءات الوزراء للتنسيق هو مجرد عملية التقاط صور، ولا أزعم أنها لا تناقش المصلحة العامة.

لا بأس أن تكون وسائل التواصل الطريقة العصرية لنشر أخبار على شكل “فلاشات” سريعة وقصيرة، تخدم في إيصال المعلومة لقاعدة الهرم التي لا تلتفت للصحافة التقليدية، لكن ما يحصل هو نشر نصوص بتفاصيل لا تحاكي ثقافة جمهور وسائل التواصل، وفي حالات أخرى تفترض أن السوري الذي لا يرى الكهرباء سوى أربع ساعات باليوم في واحد من أرقى أحياء دمشق (المزة)، مهتم بمنصة الأعمال “لينكد إن”، أو قادر على مواكبة ما فيها، فماذا عن الأحياء التي تعيش فيها الطبقات الفقيرة، وهذا حال أغلبية من يعيشون في سوريا.

أبسط الاستنتاجات تقول إن عدم وصول المعلومة الرسمية إلى الناس، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية منها:

  • انتشار الشائعات والمعلومات غير الدقيقة بسرعة، وإثارة القلق بين الناس، وكذلك الخلط بين ما هو صحيح وما هو كاذب أو غير صحيح أو مبالغ فيه.
  • فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية من قبل الجمهور، وبدء الاعتماد على مصادر أخرى، وهو ما لا يخدم خطة الإقناع وإدماج الجمهور، وتعزيز اهتمامه بالشأن العام.
  • اتخاذ الناس قرارات خاطئة بناء على فهم خاطئ أو متعجل، كما يحصل بموضوع السيارات في سوريا اليوم، إذ لا يتضح ما إذا كانت أسعارها ستنخفض أو ترتفع، نظرًا إلى عدم وجود شفافية، أو جهة إعلامية رسمية تخبر الناس ما إذا كانت وزارة النقل ستفرض رسومًا جديدة، بخلاف الرسوم الجمركية، أو ما إذا كانت السيارات القديمة ستتلف وفق جدول زمني متدرج أو دفعة واحدة.
  • تفاقم الأزمات وحصول خسائر في مختلف القطاعات، لأن التعامل الارتجالي مع التطورات والقرارات الخاطئة ينعكس اقتصاديًا، وربما تكون له آثار أمنية تزعزع الاستقرار.
  • انتشار الفساد جراء عدم الشفافية، وعجز الجهات الرقابية غير الرسمية عن مساندة المؤسسات الحكومية بشأن رصد الفساد والمحسوبية.

وفي حال فشل الخطة الإعلامية الرسمية، أو الاضطرار إلى إعلام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك معايير لا بد من اتباعها، منها:

  • التأكد من الوصول بدقة وموثوقية.
  • ضمان أن تكون وسائل التواصل منضبطة، ومواكبة وسريعة، بما يضمن تجنب انتشار الشائعات والمعلومات المضللة.
  • وضوح المحتوى وقدرته على محاكاة المستوى الثقافي والمعرفي للجمهور، والابتعاد عن المصطلحات المعقدة والغامضة واللغة النخبوية.
  • أن تكون خطة النشر على مواقع التواصل منسقة ومنظمة على مختلف المنصات التي ينشط الجمهور في متابعتها.
  • ضمان أن تكون وسائل التواصل ذاتها ذات تأثير، واختيار الأكثر وصولًا وشعبية بينها.
  • التفاعل مع الجمهور والاستجابة لأسئلته وتعليقاته بطريقة فعالة وسلسة وغير فوقية.
  • الابتعاد عن الاستفزاز ووضع معايير قانونية لما يجب أن ينشر، لأن المسؤولية لها حدود حتى في المؤسسات الرسمية.
  • عدم السماح بالخلط بين شخصية المؤسسة وشخصية المسؤول عنها، فالمسؤول موظف، ويقدم خدماته كشخصية عامة وبمقابل، ويقبل بالمسؤولية بكل التزاماتها، دون تجيير لمصلحة شؤونه الخاصة.

أعود لأهمية استخدام وسائل التواصل العامة والمتخصصة، على أن يكون استخدامًا مدروسًا، وألا يلغي أهمية بناء الثقة بين الجمهور والمؤسسة الرسمية عبر الإعلام الوطني، ومن ضمنه الرسمي، أما أن تستقي وكالة “سانا” معلوماتها حول قرارات حكومية مهمة من صفحة الوزير على “فيسبوك”، أو يكتفي وزير آخر بنشر قرارات على منصة نخبوية مثل “لينكد إن”، وتنتظر الصحافة حتى تتزود بجديد إنجازاته أو خططه من هناك، فهذا يحصل في سويسرا أو الدنمارك، وليس في سوريا التي تحتاج إلى خطة وطنية للإعلام أولًا، لتفسير مبررات العجز الاقتصادي، قبل أن يُغرق المسؤولون البلاد بالوعود على وسائل التواصل ويركض الصحفيون خلف سراب تلك الوعود.. وللحديث بقية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.