في خطوة تعكس حجم التحديات التي تواجهها، أعلنت شركة Intel الأميركية لصناعة الرقائق وأشباه الموصلات، الخميس، أنها ستُسرّح 15% من قوتها العاملة، وستلغي خططاً كانت تقضي بإنفاق عشرات المليارات من الدولارات على منشآت جديدة لتصنيع الرقائق في أوروبا، وذلك ضمن مساعٍ لإعادة إنعاش وضعها المالي المتراجع، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”. 

وقالت الشركة، إنها ستُعيد تركيز استراتيجيتها على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي شديد التنافسية، واستعادة حصتها السوقية في معالجات الحواسيب الشخصية، إلى جانب تطوير تقنيتها المتقدمة 14A لتسويقها لعملاء كبار. 

ولطالما هيمنت Intel على صناعة رقائق أجهزة الحواسيب المحمولة والمكتبية، لكنها تراجعت بشكل ملحوظ خلف منافسين مثل Nvidia وAMD وTSMC، بعد أن فشلت في توقع الطفرة في الطلب على الرقائق القوية التي تُستخدَم في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. 

وكتب الرئيس التنفيذي لشركة Intel، ليب-بو تان، في مذكرة داخلية للموظفين: “لم تعد هناك شيكات على بياض…يجب أن يكون لكل استثمار جدوى اقتصادية”. 

بيانات ضعيفة

وسجّل سهم Intel انخفاضاً في التداولات بعد إغلاق السوق، وأشارت الشركة إلى أن إيرادات الربع الثاني من العام استقرت عند نحو 12.9 مليار دولار، وهو ما فاق توقعات المحللين الماليين في “وول ستريت”. 

وأوضحت الشركة، أن معظم عمليات التسريح، التي بدأت في الأسابيع الأولى من الربع الجاري من العام، استهدفت فئة المدراء في المستوى الإداري المتوسط، وتهدف Intel إلى تقليص إجمالي عدد موظفيها إلى 75 ألفاً بحلول نهاية العام الجاري. 

أما على صعيد الخسائر، فقد ارتفعت في الربع الثاني من العام الجاري لتبلغ 2.9 مليار دولار، مقارنةً بخسارة قدرها 1.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وتمثل هذه النتائج سادس خسارة فصلية متتالية، ما يجعلها أطول سلسلة خسائر تشهدها الشركة منذ 35 عاماً. 

ومن جانبه، أشار المدير المالي للشركة، ديفيد زينزنر، إلى أن Intel شهدت زيادة في الطلب على رقائق الحواسيب الشخصية من قِبل بعض العملاء الذين سارعوا إلى الشراء قبل دخول التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيّز التنفيذ. 

وتوقعت الشركة أن تتراوح إيرادات الربع الحالي من العام، بين 12.6 مليار دولار و13.6 مليار دولار، وهو ما يفوق تقديرات المحللين الذين استطلعت آراؤهم منصة FactSet. 

خطة لإعادة هيكلة الشركة

ووفق “وول ستريت جورنال”، فإن تان، الذي تولّى قيادة Intel في مارس الماضي، يواجه مهمة شاقة لإعادة هيكلة الشركة، وسط ضغوط متزايدة من المستثمرين لتقديم خارطة طريق سريعة للتعامل مع التحديات المعقّدة التي تمر بها. 

وكانت Intel قد رسّخت مكانتها كاسم مألوف بفضل تطويرها لسلسلة من المعالجات القوية والفعّالة للحواسيب المحمولة والمكتبية، تزامناً مع تزايد إقبال الأسر الأميركية على شراء وتحديث أجهزة الحاسوب المنزلية، إلا أن الشركة تأخرت عن ركب المنافسة أمام لاعبين جدد مثل Nvidia وAMD وTSMC، نتيجة فشلها في استباق الطفرة الكبيرة في الطلب على الرقائق القوية اللازمة لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي. 

وكان تان، وهو مستثمر مخضرم في قطاع أشباه الموصلات، قد تولّى قيادة Intel خلفاً لبات جيلسنجر، بعد خلافات سابقة بينهما خلال فترة عضويته في مجلس إدارة الشركة. 

وقد أشرف جيلسنجر على توسّع هائل في البنية التحتية لمصانع Intel، مستنداً إلى رهان استراتيجي على أن مستقبل الشركة يكمن في التصنيع التعاقدي للرقائق لصالح عملاء خارجيين. وحظي هذا التوجه بدعم من “قانون الرقائق”، الذي أقرّه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عام 2022، حيث خصص تمويلًا حكومياً بمليارات الدولارات لهذا التوسع، شريطة التزام Intel بتحقيق معايير محددة في البناء والتشغيل لضمان الحصول على الدعم. 

وفي هذا السياق، أعلنت الشركة تأجيلاً جديداً في الموعد المُستهدَف لإكمال بناء مصنع رقائق ضخم بتكلفة 28 مليار دولار بالقرب من مدينة كولومبوس بولاية أوهايو، موضحة أن القرار “يهدف إلى ضمان توافق الإنفاق مع مستوى الطلب” على رقائقها. وكان من المقرر إنجاز المشروع بحلول نهاية عام 2025، إلا أن استكماله بات مرجّحاً بعد عام 2030. 

خطط مستقبلية

وقال المدير المالي، زينزنر، إن تقنية Intel المعروفة باسم 18A، والتي تُستخدَم بشكل رئيسي في تصنيع رقائق الحواسيب الشخصية من تصميم الشركة، تُعد “أهم ما نقوم به في الوقت الراهن”.  

وتخطط Intel لإطلاق معالجات Panther Lake المحمولة، والتي ستكون أول منتج يتم تصنيعه باستخدام تقنية 18A، في وقت لاحق من هذا العام. 

أما على المدى الطويل، فتعوّل الشركة على تقنيتها المتقدمة 14A، وهي عملية تصنيع تسمح بإنتاج رقائق أكثر كفاءة من خلال زيادة عدد الترانزستورات المُدمجة في كل شريحة. وتأمل الشركة أن تساهم هذه التقنية في دفع عجلة النمو وجذب كبار مصممي الرقائق كعملاء مستقبليين، وتستهدف تطويرها بالكامل بحلول نهاية العقد الحالي. 

وفيما يتعلق باستراتيجية الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي، قال تان إن Intel تعتزم تركيز جهودها على تطوير منتجات مخصصة لنماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على اتخاذ القرارات وأداء مهام معقدة أخرى. 

ورغم أن تان “لديه رؤية واضحة” بشأن استراتيجية الشركة للمنافسة في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي، فإن “خارطة الطريق لتحقيق هذه الرؤية لا تزال قيد التشكيل”، وفق ما صرَّح به زينزنر لـ”وول ستريت جورنال”. 

شاركها.