بعد مرور سبعة أشهر على تشكيل السلطات السورية الجديدة، تزداد الأسئلة حول أدائها السياسي داخلياً وخارجياً، ومدى قدرتها على قيادة مرحلة انتقالية شديدة التعقيد، وسط ملفات ساخنة من الجنوب إلى الساحل، ومن الداخل السوري المتعب إلى محيط إقليمي ودولي متداخل. في هذا السياق، يقدّم الدكتور برهان غليون، المفكر والسياسي السوري، في حوار مع وكالة ستيب نيوز، رؤية نقدية وتحليلية لمجمل المشهد السوري الحالي، مشخّصاً مواطن الخلل والفرص الممكنة، وراصداً التحديات البنيوية أمام السلطة والمجتمع على السواء.

 

تقييم أداء السلطة: إنجازات خارجية… ولكن

 

يرى الدكتور غليون أن الإنجازات التي حققتها السلطة الجديدة على الصعيد الإقليمي والدولي تُعد مهمة، خصوصاً في ظل موقع سوريا التاريخي كميدان لتنافس القوى العالمية، غير أنه يلفت إلى أن تقييم أدائها بشكل شامل لا يزال مبكراً، بالنظر إلى الفترة الزمنية القصيرة التي لم تتجاوز الثمانية أشهر.

 

ويشير إلى أن النظام السابق خلّف تركة ثقيلة من الإفلاس السياسي والاجتماعي والنفسي، إلى جانب انعدام الثقة على مستوى الدولة والمجتمع والنخب، وهو ما يجعل التحديات أكبر من قدرة أي سلطة على معالجتها دون دعم خارجي واسع ودون طبقة سياسية تمتلك النضج والخبرة الضروريين.

 

ويضيف أن السلطة الحالية تشكلت في ظروف استثنائية وانتقلت إليها المسؤولية دون أن تمتلك خبرات كافية في إدارة الدولة أو التفاعل المدني، حيث اقتصر رصيدها على خوض صراعات فصائلية ومحاولة تحييد الدول المتربصة، مما أضعف قدرتها على الانفتاح والاستفادة من الطاقات الوطنية الموجودة داخل المجتمع.

 

الساحل والسويداء: ثلاثية الأزمات وتدخلات الخارج

 

تعليقاً على أحداث الساحل والسويداء الأخيرة، يرى غليون أن ما حدث لم يكن فقط نتيجة ضعف في الإدارة أو ارتباك أمني، بل جاء بفعل تصادم ثلاث مشاريع متضاربة:

 

  • محاولة فرض سلطة مركزية جديدة دون نقاش أو توافق، ما أثار المخاوف، خصوصاً لدى الأقليات الدينية والاجتماعية.

 

  • وتمسك السلطات المحلية بنفوذها المكتسب خلال السنوات الماضية، وخاصة في الجنوب والشرق، مع غياب ضمانات حقيقية من السلطة المركزية الجديدة.

 

  • ودور إسرائيلي مباشر في تغذية الانقسام الداخلي، عبر تحويل الصراع السياسي إلى نزاع طائفي، لقطع الطريق على بناء دولة موحدة مستقرة.

 

ويؤكد غليون أن الحل لا يحتاج لمعجزة بل لإرادة سياسية واضحة وشراكة حقيقية مع مكونات المجتمع، عبر إشراكها في التفكير وفي إدارة المرحلة، مشيراً إلى أن إسرائيل وحدها من لا يستفيد من أي تسوية داخلية، وتعمل على تأجيج الصراعات الطائفية لتبرير تدخلها وضمان استمرار التفتيت.

 

الفدرالية واللامركزية: بين وهم التقسيم والحل

 

وحول الحديث عن الفدرالية كحل للأزمة السورية، يرى غليون أن المطالبة بها في ظل غياب التوافق والدستور تعني السير نحو التقسيم. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن غالبية السوريين يطالبون بتقليص صلاحيات المركز وتطبيق لامركزية إدارية موسعة، من خلال مجالس محافظات منتخبة ومحافظين من أبناء المحافظات.

 

ويعتبر هذا النموذج حلاً توافقياً يضمن وحدة الدولة ويحفظ مصالح جميع الأطراف، مشدداً على أهمية إقراره دستورياً بعد تنظيم انتخابات عامة واختيار مجلس نيابي تأسيسي.

 

السياسة لا الحرب: التفاوض هو الخيار الوحيد المجدي

 

في تعليقه على الخيارات المتاحة أمام الحكومة الجديدة في التعامل مع الأطراف المعارضة أو الفصائل المسلحة، يرفض غليون بشكل قاطع اللجوء إلى الحسم العسكري، ويؤكد أن السياسة الحقيقية تكمن في التفاوض والتسويات، لا في فرض الأمر الواقع بالقوة.

 

ويضيف أن تقديم التنازلات المتبادلة وتفادي الحرب هو ما يمنح الشرعية لأي سلطة انتقالية، ويعزز الثقة في مسار التغيير.

 

التدخل الدولي: أوهام لم تتحقق

 

وحول احتمال تدخل دولي في حال استمرار الانقسام، يقول غليون بوضوح إن الرهان على تدخل عسكري دولي لم يكن واقعياً في أي مرحلة. فالدول لا تتدخل إلا إذا كان لها مصلحة قومية مباشرة، ولا تخاطر بأرواح جنودها لأجل حلفاء مهما كانت درجة ولائهم.

 

ويرى أن الحلول السياسية الداخلية متاحة، لا سيما في السويداء والجزيرة السورية، إذ لا توجد دعوات انفصالية حقيقية، ويمكن معالجة المطالب الحقوقية والسياسية عبر آليات ديمقراطية مثل الانتخابات المحلية وتوسيع صلاحيات السلطات المنتخبة.

 

الانتخابات الحرة: طريق الخلاص الوحيد

 

في جوابه على سؤال حول إمكانية الوصول لحكومة مدنية من خلال انتخابات نزيهة، يعرب غليون عن ثقته بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح لإعادة بناء سوريا الحديثة.

ويعتبر أن كل محاولات الإصلاح أو المصالحة ستظل ناقصة ما لم تستند إلى انتخابات شفافة تُعيد الشرعية إلى مؤسسات الدولة وتكفل المشاركة السياسية للجميع، بعيداً عن منطق الاحتكار أو الغلبة.

 

المدنيّة أو التوحش؟

 

ينهي الدكتور برهان غليون مداخلته بنداء أخلاقي واضح، يدعو فيه السوريين فرداً فرداً، والحكومة الانتقالية، إلى تحديد وجهة الطريق:

هل نريد مجتمعاً مدنياً قائماً على القانون والتكافؤ والعدالة والكرامة، أم مجتمعا همجياً تحكمه شريعة الغاب؟

ويؤكد أن كل سوري مدعو اليوم لمساءلة ضميره والإجابة على هذا السؤال، لأنه سيحدد شكل المستقبل، إما بالخلاص أو بالسقوط مجدداً في فوضى التوحش والانقسام.

فيما يلي نص الحوار كاملاً:

 

1 مضى 7 أشهر على تشكيل السلطات السورية الجديدة، كيف تقيّم أداءها السياسي داخلياً وخارجياً؟

ج:

بالرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها السلطة الجديدة على صعيد العلاقات الإقليمية والخارجية، وهذا مهم جداً لما تمثّله سورية منذ عقود من ساحة للتنافس والصراع بين القوى الدولية على السيطرة والنفوذ، إلا أنه من المبكر في اعتقادي إصدار حكم موضوعي عليها في سبعة أو ثمانية أشهر.

فمن جهة، لا أحد يستطيع أن يستهين بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطائفية والنفسية التي تركها النظام السابق، والتي لا تملك أي سلطة مقدرة على مواجهتها بأشهر معدودة ومن دون دعم خارجي قوي. فنحن في حالة من الإفلاس الشامل، المالي والسياسي والنفسي والمعنوي والأخلاقي، وانعدام الثقة الكامل على مستوى الدولة ومستوى المجتمع ومستوى النخب الاجتماعية المختلفة التي لم تعرف العمل السياسي والجماعي منذ عقود.

وهذا ما يحتاج لمواجهته إلى طبقة سياسية ودوائر مثقفة وإعلامية وحقوقية لديها درجة عالية من النضوج والخبرة والمقدرة على الحوار وزرع الثقة وتقريب المصالح والجماعات.

ومن جهة ثانية، آلت السلطة، لأسباب عديدة داخلية وخارجية، إلى مجموعة ليس لديها أي تجربة سياسية حديثة بالمعنى الحقيقي للكلمة. تتلخص خبرتها الرئيسية بما استخلصته من دروس في خوضها الصراع ضد الفصائل الأخرى التي تنافسها على البقاء، ومن سعيها إلى تحييد الدول التي تترصد أخطاءها وعدم الصدام معها. فهي تفتقر للخبرة في السياسة المدنية وإدارة الدولة والتفاعل مع المجتمعات على اختلاف طبقاتها وثقافاتها، ولا تعرف التعامل معها من خارج العقيدة المختصرة في مجموعة من الدروس الشرعية المتمحورة حول السيطرة والمواجهة والرد على الاعتداءات الداخلية أو الخارجية.

هذا ما أدى، مع انعدام ثقة راسخة في الآخرين المختلفين حتى من داخل الدين الواحد، إلى عدم الاستفادة من الخبرات والأطر الإدارية والكفاءات أو ما تبقى من قوى سياسية.

من هنا، لم ننجح في إحراز تقدم يُذكر في حل مسائل المرحلة الانتقالية الرئيسية من توحيد الدولة وترميم مؤسساتها، والتقدم في إجراءات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وإعادة بناء الثقة بين القوى السياسية والاجتماعية والنخب الدينية والثقافية.

ولأنه لا يوجد لدى المجتمع المفتت والممزق مشروع بديل، ولأن السلطة الجديدة بالرغم من ذلك نالت تأييد دول عربية وعالمية أساسية ومركزية، لا يبدو أن هناك خياراً آخر غير أن يتعلم الحاكمون الجدد، أو الذين وقع عليهم عبء إدارة مرحلة الانتقال، بعد نصف قرن من القحط والخراب السياسي والاجتماعي، من تجربتهم القصيرة، وأن يدفع السوريون ثمن أخطائهم من كيسهم.

والآن، إذا لم تكن الأشهر القليلة الماضية كافية لتزويد الفريق الحاكم الجديد بالخبرة اللازمة لمواجهة المشاكل المعقدة التي يطرحها واقع الانتقال السياسي الصعب في بلد تحيطه الوحوش المفترسة من كل الأنحاء، فينبغي أن تكون كافية لإقناعه بأن هناك حاجة ماسّة للمراجعة وإعادة النظر في أسلوب إدارة المرحلة الانتقالية، والانفتاح على السوريين بمختلف طبقاتهم وأديانهم وعقائدهم السياسية، والاستفادة من الخبرات الكبيرة التي يملكونها في جميع الميادين، وهم الذين وقفوا مع السلطة الجديدة منذ البداية وتفاءلوا بها، وقدروا شجاعة شبابها، وأعطوهم ثقتهم.

 

2 بعد أحداث الساحل والسويداء، برأيك كيف يمكن معالجة آثار ما ترتب على هذه الأحداث، وكيف تتمكن الحكومة السورية من طمأنة كل الأقليات الدينية في البلاد؟

ج:

هذه الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها مئات الضحايا من كل الأطراف لم تكن نتيجة ضعف الخبرة السياسية والعسكرية فحسب، وإنما نجمت عن التقاء ثلاثة مشاريع متضاربة.

الأول، مشروع فرض مؤسسات سلطة جديدة بصورة سريعة، وعملياً من دون نقاش على مجتمع كان في البداية مسلماً بأمره تماماً، مؤيداً ومتعاطفاً مع القادمين الجدد بالرغم من معرفته بتاريخهم الفصائلي.

ومع حصول بعض التجاوزات من قبل رجال الأمن أو رجال السلطة تمس الحريات الشخصية، بدأ التوجس يتفاقم، ودخل الخوف في قلوب قطاعات عديدة من المجتمع، وما أصبح يُطلق عليه الأقليات، بما فيها “الأقلية المسلمة” الأبرز التي تتبنى رؤية منفتحة للممارسة الدينية.

الثاني، حرص أصحاب السلطات المحلية التي تشكلت خلال السنوات الطويلة الماضية في بعض المناطق، ومنها الجنوب والشرق، على الاحتفاظ بمناطق نفوذهم المكتسبة، وترددهم في التسليم بها للسلطة المركزية من دون بديل أو ضمانات أو مشاركة واضحة في السلطة المركزية الجديدة.

الثالث، دخول إسرائيل على خط هذه المداولات الداخلية من أجل قطع الطريق على إعادة بناء دولة موحدة ومستقرة في سورية يمكن أن تشكل في المستقبل عقبة أمام مشاريع توسعها. وهي التي أعادت صياغة هذه النزاعات الداخلية على السلطة وشكل الدولة ومكانة الجماعات والنخب المختلفة فيها، وهي صراعات سياسية بشكل واضح، إلى لغة الصراع بين أقليات وأكثريات. وهي اللغة التي عادة ما استخدمتها القوى الأجنبية من أجل قطع الطريق على أي حوار داخلي، ودفع البلاد إلى الانقسام، وتنصيب نفسها ضمانة لسلامة الأقليات ومنع الحرب الأهلية التي تعمل كل شيء لإشعالها.

في المقابل، لا يحتاج الأمر إلى معجزة لمعالجة هذا الانقسام وتطمين الخائفين على ألا تسير السلطة في طريق يهدد مصالحهم أو نمط حياتهم وقيمهم واعتقاداتهم الأساسية.

إنه ببساطة إشراكهم في هذه السلطة ذاتها: في التفكير في تنظيمها، وإذا أمكن في ممارستها.

إسرائيل وحدها من لا يستفيد من هذا الأسلوب في معالجة الانقسام، وتفضل صب الزيت على النار، وإشعال الفتن والنزاعات الأهلية لإقناع السوريين باستحالة العيش المشترك، وتعرض تقديم الحماية للأقليات في الوقت الذي تمارس فيه حرب إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة والضفة معاً، مستمرة منذ سنتين تقريباً.

 

3 هل تعتقد أن سوريا قد تتجه إلى الفيدرالية إذا فشل التوافق بين جميع المكونات المجتمعية والدينية؟

ج:

إذا اتجهت سورية إلى الفيدرالية الآن، وهي ممزقة، ولا يوجد إجماع على شيء، ولا قانون، ولا دستور، فهذا يعني السير في اتجاه الانقسام والتقسيم.

في اعتقادي، جميع السوريين مؤمنون ومقتنعون، بسبب تجربتهم الأليمة الماضية، أن تقليص سلطات المركز وتطبيق لا مركزية إدارية موسعة للمحافظات، هو أمر مطلوب بل ضروري.

وهذا ما أكدت عليه المعارضة السورية منذ تشكيل المجلس الوطني أواخر 2011. وقد اقترحت من قبل أن يكون ذلك من خلال إعطاء صلاحيات إدارية موسعة لمجلس المحافظة، وأن تكون مجالس المحافظات منتخبة، وكذلك المحافظ من سكان المحافظة، في انتخابات دورية تسمح بمساءلتهم ومحاسبتهم وتصحيح سياساتهم المحلية من قبل مواطنيهم.

ولا أعتقد أن أحداً يطالب في سورية بأكثر من ذلك اليوم. وهو يرد على كل من مطلبي الفيدرالية، إذا لم يكن الهدف التقسيم، واللامركزية، مع تأكيد وحدة الدولة في المسائل السيادية: الجيش، والمالية، والخارجية، والعدالة.

قد يكون هذا هو الحل التوافقي، وكل ذلك يمكن الاتفاق عليه قبل إقراره من قبل المجلس النيابي بعد تنظيم انتخابات عامة وانعقاده في جلسة تأسيسية لصياغة وإقرار الدستور الجديد.

 

4 هل برأيك استخدام الحل العسكري هو خيار ممكن في هذه الظروف ضد من ضد فصائل مسلحة خارج سلطة الدولة؟ أم التفاوض والضغط هو الحل الأفضل؟

ج:

بالتأكيد، التفاوض هو دائماً الحل الأفضل والأنجع. وتقديم التنازلات والتوصل إلى تسويات وحلول وسط، وتجنب ما أمكن النزاع المسلح والحرب، هو ما يعطي للسياسة قيمتها.

 

5 ماذا لو استمر الانقسام بين المجتمع السوري، هل تتوقع تدخلاً دولياً ربما بضغط أو بشكل مباشر على الأطراف السورية؟

ج:

كل من راهن في العقدين الماضيين على تدخل عسكري دولي باء بالفشل. لم يعد هناك من يخاطر بأبنائه لصالح طرف آخر حتى لو كان حليفه. التدخل الدولي لا يحصل إلا عندما تسعى الدول إلى الدفاع عن مصالح قومية مباشرة تخص الدولة أو انتزاع مثل هذه المصالح.

ثم إنني لا أرى سبباً كي لا ينجح السوريون في التوصل إلى حل سياسي في السويداء، وهي لا تدعو لأي انفصال، وفي الجزيرة السورية، التي لا توجد هناك أي مشكلة لا لدى الشعب ولا لدى السلطة الراهنة أو أي سلطة قادمة لتمكين الكرد السوريين من التمتع بجميع حقوقهم الفردية والقومية، ولم ترفض السلطة القائمة ذلك.

وهذا ما تضمنه انتخابات حرة لمجالس المحافظات والبلديات والمحافظين، أي تعزيز السلطات المحلية التي تسمح للسكان أن يعبروا عن إرادتهم ويحققوا مطالبهم لكن بطريقة ديمقراطية، ومن دون تسلط فئة أو حزب ضد فئات أو أحزاب أخرى.

الاحتكام للانتخابات الحرة على جميع المستويات هو من يحل في نظري جميع الخلافات المرتبطة بالصراع على السلطة والنفوذ، في العاصمة كما في المحافظات. فهي تتيح لجميع المتنافسين على مناصب المسؤولية الفرصة لكي يتقدموا ببرامجهم إلى الرأي العام، وللجمهور أن يختار ويقرر مرشحيه لاحتلالها.

 

6 من المعروف أن الحكومة الانتقالية مهمتها الرئيسية تهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة للوصول لحكومة مدنية، هل ستصل سويا لهذا اليوم قريباً؟

ج:

هذا ما ينبغي أن نركز عليه ولا نمل من ترداده. وهو ما سوف يحصل. لن تستقيم أحوال سورية وتستقر، وتبدأ مسيرة تحررها وخروجها من ركام الماضي واستعادة ثقة شعبها بنفسه، وإرساء أسس وحدته من دون انتخابات شرعية شفافة ونزيهة تعطي للجميع، وكل فرد، الحق في التعبير عن إرادته ضمن القانون، أو ترشيح نفسه لمناصب السلطة التي تتحول إلى مناصب مسؤولية، لا ملكية، ولا احتكار للنفوذ والقرار.

ومن دون ذلك، لم يعد من الممكن في عصرنا قيام دولة بالمعنى الصحيح للكلمة، ولا سياسة، ولا قانون، بل حروب دائمة ومتنقلة بين فصائل وأمراء حرب.

 

7 نصيحة مستمدة من خبرتك للسوريين والحكومة في هذه المرحلة.

ج:

لا يستقيم عمل من دون هدف محدد، ولا يتحدد هدف بمعزل عن خيارات وحوافز أخلاقية سلبية أو إيجابية.

أعتقد أننا اليوم، بعد انهيار مجتمعنا وسقوطه في الفوضى السياسية والفكرية والأخلاقية، أفراداً وجماعات، أمام تحدٍّ كبير هو الإجابة على سؤال: أيّ مجتمع نريد؟

مجتمع الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحكم القانون؟ أم مجتمع العنف وحكم الأقوى الذي يأكل فيه القوي الضعيف، والكبير الصغير، والسليم العاجز، وكل يعتقد أن خلاصه يتوقف على موت الآخر أو دَماره أو تغييبه بسبب الاختلاف في الدين أو المذهب أو النسب أو العرق أو الجنس؟

هل نريد مجتمع الهمجية وإدارة التوحش، الذي يقوم على قاعدة استعراض القوة واستباحة الأنفس والقوانين والمبادئ الإنسانية ويبرر العنف والنهب والسلب والإثراء على حساب الآخر والمتاجرة بأعضائه؟

أم مجتمع المدنية وإحياء رابطة الأخوة الإنسانية وروح التضامن والتكافل والعدالة للجميع؟

الهمجية أم المدنية؟

هذا هو السؤال الذي يواجهنا اليوم نحن السوريين، وأنصح كل واحد منا أن يفكر به، ويحكم ضميره، ويجيب عليه.

سبعة أشهر على السلطة الجديدة في سوريا.. برهان غليون يُشخّص التحديات ويضع خارطة طريق
سبعة أشهر على السلطة الجديدة في سوريا.. برهان غليون يُشخّص التحديات ويضع خارطة طريق

إعداد: جهاد عبد الله 

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.