ستارمر أمام اختبار حاسم في محاولات كسب ود ترمب

تكتسب زيارة رئيس وزراء بريطانيا إلى واشنطن، الأسبوع المقبل، أهمية استثنائية، كونها الأولى له منذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما يجعلها محطة مفصلية في مسيرته كرئيس للوزراء.
وفيما ينظر حلفاء كير ستارمر، إلى الزيارة كفرصة لإعادة تعزيز مكانة بريطانيا في أوروبا، بعد 5 سنوات من خروجها من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، يواجه ستارمر، المعروف بحذره، تحدياً لاتخاذ خطوات جريئة لحماية مستقبل القارة، بحسب “بلومبرغ”.
وعلى عكس زيارته السابقة إلى الولايات المتحدة، حين سعى لتجنب أي صدام شخصي مع ترمب، تفرض المرحلة الراهنة، رهانات أعلى بكثير، تتطلب منه مقاربة أكثر جرأة لضمان تحقيق أهدافه.
وقال المستشار السابق للأمن القومي البريطاني، بيتر ريكتس: “هذه لحظة على ستارمر أن يثبت نفسه فيها، الفرصة متاحة، لكنها تتطلب جرأة ليست بالضرورة من سماته المعتادة”.
تأتي زيارة ستارمر بعد زيارة الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون، والبولندي أندجي دودا، في إطار سلسلة زيارات تهدف إلى إقناع ترمب بعدم التراجع عن دعم أوكرانيا، بعد 3 سنوات من الغزو الروسي.
وازدادت أهمية الزيارة بشكل ملحوظ بعد أن انتقد مسؤولون في إدارة ترمب، قادة أوروبيين بسبب عدم تحملهم مسؤولية أكبر عن أمنهم، بينما قدموا تنازلات لعدة مطالب رئيسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن منع اندماج أوكرانيا رسمياً مع الغرب.
العلاقات مع ترمب وأوروبا
وانتقد ترمب لاحقاً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ووصفه بـ”الديكتاتور”، وهو ما أثار استياء المسؤولين البريطانيين، وأقر هؤلاء المسؤولون بأن هذا النوع من التصريحات “تجاوز حتى أكثر توقعاتهم تشاؤماً” قبل تولي ترمب منصبه، ومع ذلك، يرون أن “الاعتراض على كل تصريح مسيء لن يحقق نتائج تُذكر لأوروبا”.
وأشار مسؤول بريطاني رفيع المستوى، إلى أن المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا لا تزال في مراحلها الأولى، ما يعني أن هناك فرصاً متاحة للتأثير على مسارها.
وعلى الرغم من أن ترمب أشاد بستارمر، ووصفه بأنه “شخص لطيف جداً” ويؤدي “عملاً جيداً للغاية”، فإن الزيارة ربما تكشف ما إذا كان ستارمر كسب احترام ترمب فعلياً أم لا.
وكان رئيس الوزراء البريطاني التقى ترمب، عندما كان مرشحاً في الانتخابات الأميركية، خلال عشاء استمر ساعتين في برج ترمب، في سبتمبر الماضي، كما أجرى الجانبان عدة مكالمات هاتفية بدت ودية في الأشهر التالية، لكن ستارمر تجنب الخوض في القضايا الحساسة خلال تلك المحادثات.
ولطالما استفاد رؤساء وزراء بريطانيا سياسياً من قدرتهم على تعزيز العلاقات عبر الأطلسي كما فعل وينستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية عندما أسس ما يُعرف بـ”العلاقة الخاصة” مع الولايات المتحدة، لكن في المقابل دفع بعضهم ثمناً سياسياً باهظاً كما حدث مع توني بلير عندما أثّر دعمه لغزو العراق على إرثه السياسي.
واليوم يجد ستارمر نفسه بحاجة إلى تحقيق اختراق دبلوماسي يعزز مكانته الدولية، خاصة بعد بداية مضطربة في الداخل، ووفقاً لاستطلاع أجرته YouGov، هذا الأسبوع، فإن شعبيته متدنية مقارنة بجميع رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين باستثناء ليز ترس التي استقالت بعد 49 يوماً فقط من توليها المنصب.
3 أهداف رئيسية
ويحمل ستارمر، 3 أهداف رئيسية خلال زيارته إلى واشنطن، وفق ما نقلته “بلومبرغ” عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة، وهي “الحصول على دعم أميركي لتعزيز الضمانات الأمنية لأوكرانيا”، و”إبطاء وتيرة المفاوضات بين واشنطن وموسكو”، و”التأكيد على التزام أوروبا بزيادة الإنفاق الدفاعي”.
ويعتزم ستارمر التأكيد على أن تحقيق سلام دائم في أوكرانيا، سيكون مستحيلاً دون ردع أميركي، إذ ناقش مسؤولون بريطانيون وأوروبيون، إمكانية طلب دعم استخباراتي أميركي وقوة جوية لحماية قوات حفظ السلام على الأرض.
وأوضح أحد المسؤولين البريطانيين، أن الرهانات كبيرة، محذراً من أن رفض ترمب الانخراط، ربما يجعله مسؤولاً عن اندلاع حرب عالمية جديدة.
حجة أخرى يطرحها مسؤولون بريطانيون تتمثل في ضرورة الحصول على موافقة أوكرانيا لتجنب سيناريو مذل ترفض فيه كييف شروط التسوية وتواصل القتال. ووفقاً لمسؤول غربي، فإن أوكرانيا تمتلك إمدادات عسكرية كافية لمواصلة القتال حتى الصيف.
ويسعى ستارمر إلى إثبات أن أوروبا استجابت لدعوات نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، خلال مؤتمر ميونخ للأمن في وقت سابق من فبراير الجاري، والذي طالب فيه بزيادة الاستثمارات في مجال الدفاع، وإقرار المقترح “البريطاني – الفرنسي” لتأسيس قوة أوروبية قوامها 30 ألف جندي لضمان أمن أوكرانيا.
اقتراح بريطاني فرنسي
وبحسب مسؤول أوروبي، تلقى ستارمر التهاني من حلفائه الأوروبيين على قراره بإرسال قوات حفظ سلام بريطانية، مشيراً إلى أن هذه الأزمة ساهمت في تعزيز علاقته العملية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما يدرك ستارمر أنه بحاجة إلى تقديم التزام كبير بزيادة الإنفاق الدفاعي لإثبات جديته في دعم الأمن الأوروبي.
ويؤكد حلفاء ستارمر، أن بريطانيا قادرة على تأكيد دورها التقليدي كقوة عسكرية أوروبية رائدة، على الرغم من القيود التي تفرضها أوضاعها المالية المتوترة.
وأوصى قادة الجيش رئيس الوزراء، بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع خطة لزيادته إلى 3% في السنوات اللاحقة.
واعتبر مسؤول في حزب العمال الحاكم، أن “التعامل مع عالم تقوده إدارة ترمب يتطلب تقديم حجج سياسية جديدة على الساحة الداخلية”، إذ يتعين على ستارمر إقناع الناخبين ونواب حزبه التقليديين، الذين يفضلون الاستثمار في الخدمات العامة على حساب الدفاع، بأن زيادة الإنفاق العسكري، ضروري لتحقيق النمو والأمن في بريطانيا حتى لو تطلب الأمر تخفيضات في مجالات أخرى.
ويرى مسؤول آخر، أن ستارمر يستطيع إثبات نفسه للناخبين كرئيس وزراء تبنى دوراً قيادياً عالمياً، دافع عن القيم الديمقراطية، وساهم في تعزيز قوة بريطانيا داخلياً، كما سيحاول استغلال هذه الزيارة لمقارنة نفسه بمعارضيه من حزب المحافظين، الذين “أضعفوا الجيش والاقتصاد”، وكذلك حزب الإصلاح البريطاني اليميني بقيادة نايجل فاراج، الذي ارتفعت شعبيته في الأشهر الماضية، “لكنه فشل في تقديم موقف واضح من سياسات ترمب بشأن أوكرانيا”، وفق المسؤول.