ستة يهود في سوريا.. هواجس بين سلطتين

– بيسان خلف
“كنا تسعة قبل شهر، ودّعنا ثلاثة أفراد خلال شباط ومطلع آذار، ولم يبقَ إلا ستة يهود الآن في سوريا”.
بهذه الجملة استهل رئيس الطائفة الموسوية لليهود في سوريا، بيخور شامنتوب، حديثه ل، معبرًا عن مخاوفه من اندثار الديانة اليهودية في سوريا.
ومع سنوات الصراع العربي- الإسرائيلي، وخاصة السوري- الإسرائيلي عام 1973، تناقص عدد يهود سوريا من خمسة آلاف، يقطن غالبيتهم جنوبي العاصمة دمشق في حي الأمين، إلى أقل من عشرة أشخاص، أغلبيتهم من المسنين.
ويرجع شامنتوب سبب تناقص عدد اليهود في سوريا، إلى هجرة الشباب بحثًا عن حقوقهم المدنية في العيش، وإلى قلة التزاوج بين اليهود.
لماذا هاجر يهود سوريا؟
“تعمد حافظ الأسد فصلنا عن المجتمع السوري، غالبية أصدقائي تعرضوا للاعتقال والمساءلة بسبب علاقتهم مع يهودي”، قال شامنتوب.
وأضاف “كنت أكره الهوية التي تحمل كلمة (موسوي) بخط أحمر فاقع اللون، إذ كانت علامة فارقة على أني يهودي يمنع التعامل معي، أليس اليهودي سوريًا أيضًا، ألا نتشارك الوطن ذاته؟”.
تعرض يهود سوريا للاضطهاد من قبل نظام حافظ الأسد، فكان اليهودي ممنوعًا من السفر خارج سوريا حتى عام 1992، كما كان يمنع من السفر بين المحافظات السورية، ويمنع من امتلاك العقارات والمشاركة في العمل السياسي والخدمي.
“كان الشباب اليهودي يضطر للهجرة إلى إسرائيل، مع تصاعد موجات الاضطهاد، إذ يتفقون مع تجار البشر لتهريبهم إلى لبنان ثم إلى إسرائيل”، وفقًا لشامنتوب.
عندما تكتشف الحكومة أن أحدًا من اليهود هاجر كانت تعتقل عائلته ويتعرض أفرادها للتعذيب داخل السجون، أما من لم يهاجر إلى إسرائيل، فاضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بحثًا عن التعليم وممارسة الحقوق بحرية.
ويروي رئيس الطائفة الموسوية معاناة تنقل اليهود السوريين داخل سوريا قبل عام 1992، فـ”إذا أردنا الذهاب إلى منطقة بلودان على سبيل المثال، كنا نحتاج إلى موافقة مسبقة من فرع فلسطين عبر ورقة تصريح، وعندما نصل نسلم التصريح إلى مخفر الشرطة، ليخبر المخفر فرع فلسطين أننا وصلنا وماذا سنفعل هناك، ومع عودتنا من الرحلة نذهب لفرع فلسطين لنخبرهم أننا عدنا”.
كان لدى نظام حافظ الأسد هواجس من سفر اليهودي، سببها غير واضح، ولكن كانت الفروع الأمنية تستغل منع السفر المفروض على اليهود لتتقاضى رشوة بمبالغ ضخمة من أجل منحهم تصاريح.
“فوبيا” اليهود من سوريا
وبحسب شامنتوب، كان اليهود يمارسون طقوسهم الدينية تحت حماية أمنية، من قبل نظام الأسد، ولم يكن هناك قيود على ممارسة الشعائر الدينية اليهودية كصلاة صباح السبت، واحتفالات الهانوكا والغفران، ولكن في أثناء الصلاة كان عنصر من أجهزة الأمن السوري السابق يقف للحماية، بينما تشدد أجهزة النظام السابق الرقابة على اليهود المهاجرين الذين يعودون لزيارة الكنيس.
قبل 72 عامًا، في 5 من آب 1949، ألقى ثلاثة أشخاص قنابل يدوية على كنيس “المنشارة” اليهودي بدمشق القديمة، عشية صلاة السبت، ما أدى إلى مقتل 12 شخصًا وجرح عشرات آخرين، كواحد من الاعتداءات التي استهدفت يهود سوريا بالتزامن مع إقامة دولة إسرائيل.
عُرف الاعتداء فيما بعد بـ”تفجير كنيس المنشارة”، وحصل كرد فعل على مؤتمر “لوزان” الذي خلُص إلى توقيع اتفاقية “هدنة 1949” في 20 من تموز، بين الحكومة السورية آنذاك وإسرائيل، ضمن سلسلة اتفاقيات وقعتها إسرائيل مع الدول المجاورة لفلسطين.
ويرى شامنتوب أن نظام السابق زرع الخوف داخل يهود سوريا من العودة لزيارة مقدساتهم الدينية ومنازلهم، نظرًا إلى ما عانوه من اضطهاد خلال فترة حكم الأسد الأب.
وأوضح أن مخاوف اليهود السوريين من العودة ليست بسبب نظرة المجتمع، إنما بسبب “فوبيا” الفصائل غير المنضبطة، حسب وصفه، خاصة بعد أحداث الساحل السوري.
ويأمل أن يعود اليهود السوريون للحفاظ على التراث الموسوي في سوريا من الاندثار، بعد تراجع أعدادهم في سوريا.
قال شامنتوب، إن بيوت اليهود في حي الأمين “استبيحت” من قبل الفصائل، إذ جرى الاستيلاء على ما يقارب 30 منزلًا، أصحابها من اليهود المغتربين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا.
حاول رئيس الطائفة الموسوية التواصل مع مسؤول تسليم البيوت، يوسف حمدان، إذ أخبره أن قرار الاستيلاء على البيوت لا يمكن الرجعة عنه، ويحاول الآن التواصل مع الحكومة للنظر في الاستيلاء عليها.
مخاوف من الاندثار
“كانت فرحة لا توصف بمقابلة الحاخام السوري يوسف حمرا وابنه هنري، إذا كانت المرة الأولى التي نصلي جماعة في كنيس الإفرنج منذ سنوات بسبب تناقص العدد إلى أقل من عشرة رجال”، هكذا عبر رئيس الطائفة الموسوية في دمشق، بيخور شامنتوب.
وعاد الحاخام السوري يوسف حمرا وابنه هنري من الولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا، لزيارة حي اليهود في دمشق، وإقامة الصلاة الجماعية في كنيس الإفرنج، بعدما بات سفرهم إلى سوريا متاحًا مع سقوط النظام، في 8 من كانون الأول 2024.
وتحتاج الصلاة الجماعية في الكنيس إلى 10 رجال، وبعدما تناقص عدد الرجال اليهود إلى ثلاثة، أغلق كنيس الإفرنج، وهو الكنيس الوحيد الذي كان يفتح أبوابه أمام اليهود السوريين والأجانب الذين اعتادوا زيارة سوريا قبل أن تندلع الثورة السورية عام 2011.
“إرث الطائفة الموسوية في سوريا عمره قرون قبل الميلاد، آمل أن يعود بقية اليهود حول العالم لإحياء هذا الإرث القديم، وفتح مشاريع في سوريا، لإثبات وجودهم كمكون من مكونات سوريا”، قال شامنتوب.
ويعمل رئيس الطائفة على التنسيق مع أبنائها في الخارج، من أجل افتتاح متحف للتراث اليهودي في سوريا، وترميم الكنائس الموجودة في حارة اليهود، وكنيس جوبر الأثري الذي تعرض للنهب والتخريب.
ويقع كنيس جوبر، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 720 قبل الميلاد ورمم أكثر من مرة عبر العصور، في شارع المدرسة وسط حي جوبر وكان فيه أقدم نسختين من التوراة والتلمود في العالم، إضافة إلى احتوائه على مقامي النبي إلياس (المعروف بيهوديا إيلياهو أو إيليا) والسيد الخضر عليهما السلام.
ولا يعتبر موقع الكنيس مقدسًا عند اليهود فحسب بل أيضًا عند بعض المسلمين لاعتقادهم بوجود مقام (مكان عبادة) الخضر عليه السلام بالمكان نفسه، كما أنه مقدس عند المسيحيين لوجود مقام أو المكان الذي اختبأ فيه النبي إلياس حسب اعتقادهم.
وكان الكنيس في حي جوبر يرتاده زوار دبلوماسيون واليهود السوريون قبل أن يهاجروا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي