تشهد المدينة القديمة بحلب منذ أسابيع تزايدًا في حوادث السرقة، بالتزامن مع بدء الموسم السياحي وعودة الحركة التجارية والزوار المحليين والمغتربين.

ورغم ظهور دوريات لعناصر “الشرطة السياحية” قرب بعض النقاط التراثية، يرى كثير من السكان أن هذا الحضور لم يسهم فعليًا في تقليص تلك الحوادث، بل بقي شكليًا دون نتائج ملموسة.

ورصدت وقوع عدة حالات سرقة سيارات خاصة في التقاطع الواصل بين شارع السجن وخان الوزير، وهي منطقة مظلمة تحيط بها أبنية مهجورة، ولا تغطيها كاميرات المراقبة، ما يصعب تحديد هوية الفاعلين أو توثيق الحوادث.

كما صارت تلك المنطقة تشهد ازدحامًا مروريًا متزايدًا، ودخولًا مخالفًا للسيارات والدراجات النارية، ما يزيد من حالة الفوضى وإعاقة حركة المارة وتسهيل عمل السارقين في تنفيذ عملياتهم دون ملاحقة.

وغالبًا ما يتوجه أصحاب السيارات المتضررة إلى المقاهي المجاورة لمراجعة تسجيلات الكاميرات، لكن دون جدوى، إذ لا تظهر السرقة بوضوح بسبب سوء الإضاءة أو زوايا التصوير.

مجموعة منظمة

عصام، مدير أحد المقاهي المطلة على الشارع المذكور، قال ل إن أربع حالات سرقة سيارات وقعت خلال الأسبوع الماضي فقط، مرجحًا أن تكون “مجموعة منظمة” تقف خلفها، لا مجرد حوادث فردية.

ويعتقد أن السارق يستخدم مادة شبيهة ببودرة السيراميك لرشها على زجاج السيارات وتكسيره دون إصدار صوت، مطالبًا الجهات المعنية، بضرورة إنارة المنطقة، وتكثيف وجود الدوريات أو نشر عناصر أمنية من قسم شرطة باب النصر لضبط الموقع وردع المتورطين.

كما وثقت حالة أحمد، وهو مغترب سوري، جاء من تركيا لزيارة عائلته في حلب، فتعرضت سيارته للسرقة في المنطقة، وسرقت منها حقيبته التي تحتوي على أوراق ثبوتية تركية، منها بطاقة “الكملك” (بطاقة الحماية المؤقتة) ووثائق الدخول إلى سوريا.

وأوضح أحمد أنه جاء إلى حلب كي يزور مدينته بعد سنوات طويلة من الغياب، ولم يكن يتوقع أن تبدأ زيارته بحادثة سرقة، قبل أن يضطر إلى التوجه لقسم الشرطة لإجراء الضبط، وهو “أمر مرهق نفسيًا وإداريًا”، بحسب تعبيره.

وأشار إلى أن مثل هذه الحوادث تترك أثرًا سلبيًا كبيرًا على الزوار، وتدفع البعض للتراجع عن فكرة القدوم.

ويعتقد عدد من المتضررين الذين التقتهم أن يؤدي استمرار هذا الواقع، دون تدخل فعلي، إلى الإضرار بصورة المدينة وتهديد الموسم السياحي المرتقب.

في المقابل، تتزايد المطالبات بضرورة تحسين الإنارة، وتوسيع نطاق كاميرات المراقبة، وتعزيز التعاون بين الجهات الأمنية المختلفة، لتأمين بيئة أكثر أمانًا للزوار والسكان.

طبيعة عمل الشرطة السياحية

رغم وجود عناصر الشرطة السياحية أمام قلعة حلب، فإن وجودهم لا يشمل المناطق التي تشهد الحوادث بشكل متكرر، كما أن الكاميرات المثبتة عند مدخل قلعة حلب وبعض النقاط السياحية، لا تمتد لتغطي الأزقة الداخلية أو التقاطعات التي تسجل فيها حوادث السرقة المتكررة.

وفي رده على استفسارات، أوضح مدير السياحة حسان سويد أن دور عمل الشرطة السياحية هو اتخاذ إجراءات تنفيذية مباشرة على الأرض، للحد من جميع أشكال المخالفات، سواء المتعلقة بالرحلات السياحية أو الجولات العشوائية داخل المدينة.

ويضاف لذلك متابعة وضبط المخالفات في المنشآت السياحية، وتشمل مراقبة إعلان الأسعار، وجودة الخدمة، ونظافة المنشآت، ومواقع تحضير الطعام.

وبخصوص الأوضاع الخدمية في المدينة القديمة، بيّنت المديرية أن ملف الإنارة في الأحياء القديمة والحديثة من اختصاص مديرية الإنارة التابعة لمجلس مدينة حلب.

“لا ظاهرة خارجة عن المألوف”

تواصلت مع مدير المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية بمدينة حلب، محمد السعيد، وطرحت مجموعة من الأسئلة حول تكرار حوادث سرقة السيارات قرب قلعة حلب، لاسيما في التقاطع المذكور.

كما شمل الاستفسار تساؤلات عن دور الشرطة السياحية في هذا الملف، وما إذا كانت الجهة المسؤولة عن ضبط هذه الحالات، أم أن الأمر يعود إلى أقسام الشرطة النظامية، مثل قسم شرطة باب النصر.

وردًا على ذلك، أوضح السعيد أن الإجراءات المتبعة تبدأ بتقدم صاحب السيارة بدعوى رسمية، مرفقة بالأدلة المتوفرة حول سيارته، وفي حال وجود اشتباه بشخص معين أو توفر معلومات محددة، يمكن متابعتها أصولًا.

وأشار الرد إلى أنه “حتى الآن، لم تسجل أي حالة أثارت انتباه الإعلام بشكل سلبي، أو شكلت ظاهرة خارجة عن المألوف”، بحسب تعبير المسؤول، دون تقديم توضيحات إضافية حول آلية التنسيق بين الشرطة السياحية والأقسام الأخرى، أو الإجراءات الوقائية المعتمدة في هذه المواقع.

في ظل هذه الظروف، تبقى الوجهة السياحية، حلب القديمة، معلقة بين محاولات متفرقة لإعادة الحياة السياحية إليها، وواقع أمني وخدمي غير مستقر يهدد بتقويض أي جهد قبل أن يكتمل.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.