في بلدٍ يتغنّى بالتسامح ويُقيم مهرجاناتٍ للإنسانية، يقبع في الظلام الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، أحد أبناء بيت الحكم في رأس الخيمة، وعالم الإصلاح الذي صار “عدوّ الدولة” لمجرّد أنه نطق بالحق. الأكاديمي والمفكّر الذي ترأّس جامعة الاتحاد وكرّس حياته لبناء العقول، أصبح اليوم سجين رأي في وطنٍ يُجرّم الإصلاح ويخاف من الكلمة.
بدأت مأساة القاسمي عام 2012 مع حملة الاعتقالات الشهيرة في ما عُرف بـ”قضية الإمارات 94″، حين اعتُقل أكثر من تسعين من خيرة أبناء البلاد بتهمة “التنظيم السري”، لأنهم طالبوا ببرلمانٍ منتخب وعدالةٍ وكرامة. نُقل الشيخ إلى سجن الرزين، وتعرّض للتعذيب النفسي والحرمان، ليقضي عشر سنوات خلف القضبان بلا تهمة حقيقية.
وعندما انتهت محكوميته في عام 2022، لم يُفرج عنه، بل فُبركت له تهمٌ جديدة، وحُكم عليه بخمسٍ وعشرين سنة إضافية ليُدفن حيًا في زنزانته. لم يرفع سلاحًا، ولم يدعُ لانقلاب، بل دعا إلى إصلاحٍ سلمي وحياةٍ كريمة، فحوّله النظام إلى رمزٍ للصبر والمعاناة.
اليوم، يذبل سلطان بن كايد القاسمي خلف الأسوار، بينما تصمت شيوخ القواسم الذين كانوا يومًا رموز كرامةٍ وبحرٍ وحرية. وفي الحقيقة، لم يُسجن الشيخ وحده، بل سُجنت هيبة القواسم وكرامة الإمارات في زنزانةٍ لا تعرف النور.
