قدم بحث جديد دليلاً يوثق ذكاء الحيتان الاستثنائي، التي أظهرت أنماطاً اجتماعية معقدة وتواصلاً متطوراً، وذلك باستخدام هذه الثدييات البحرية سيقان الأعشاب البحرية لتنظيف أجسادها.
وباستخدام مسيرات لمراقبة مجموعة من الحيتان القاتلة في بحر سيلش، وهو جزء من المحيط الهادئ يقع بين ولاية واشنطن الأميركية وإقليم كولومبيا البريطانية في كندا، لاحظ الباحثون أن هذه الحيوانات المفترسة تمارس سلوكاً أطلقوا عليه اسم “تصنيع الأدوات من عشب البحر”، وهو أحد الأمثلة القليلة المعروفة لاستخدام الثدييات البحرية للأدوات.
وتعثر الحيتان القاتلة على سيقان كبيرة من نوع من الأعشاب البحرية تسمى الطحالب البنية، وتكون إما ملتصقة بقاع البحر وإما طافية على السطح، ثم تقضم نهاية الساق وتضعها بينها وبين حوت قاتل آخر وتلف عشب البحر بين أجسادها. ويعتقد الباحثون أن هذا السلوك يعزز صحة الجلد ويقوي الروابط الاجتماعية.
ولوحظت مجموعات أخرى من الحيتان القاتلة وهي تفرك أجسادها على الشواطئ الحجرية الملساء، ويُحتمل أن يكون ذلك لإزالة الجلد الميت، ويُعرف هذا السلوك فقط بين هذه المجموعة من الحيتان القاتلة، حيث وثق الباحثون هذا السلوك بين الذكور والإناث من الحيتان القاتلة من جميع الأعمار.
دوافع اجتماعية
في الإطار، قال عالم الأحياء البحرية دارين كروفت من جامعة إكستر في إنجلترا: “تتضمن معظم أمثلة استخدام الأدوات لدى الحيوانات حل المشكلات البيئية، مثل الوصول إلى الطعام. على سبيل المثال، يستخدم الشمبانزي العصي لصيد النمل الأبيض، واللافت للنظر في هذا الاكتشاف هو أن الأداة، عشب البحر، لا تُستخدم في الحصول على الطعام بل لتسهيل التفاعل الاجتماعي”.
وأضاف كروفت، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز أبحاث الحيتان: “هذا النوع من استخدام الأدوات بدوافع اجتماعية نادر للغاية لدى الحيوانات… ولم يُلاحظ في السابق إلا في عدد قليل من الرئيسيات، وعادة ما يحدث ذلك خلال الأسر”، موضحاً أن هذا السلوك يقوم على الأرجح بدور مهم في حياتها الاجتماعية.
ومركز أبحاث الحيتان منظمة علمية مقرها في ولاية واشنطن تدرس هذه المجموعة من الحيتان القاتلة منذ سبعينيات القرن الماضي.
من جانبها، قالت ريتشل جون، طالبة الدراسات العليا بجامعة إكستر، التي تدرس سلوك الحيتان القاتلة: “على الرغم من أن هذه ليست أول حالة موثقة لاستخدام الحيتان أو الثدييات البحرية للأدوات، فإنها، على حد علمنا، أول حالة لتصنيع فصيلة الحيتان أدوات”.
وأضافت جون، وهي من المشاركين في إعداد الدراسة أيضاً “لا تكتفي الحيتان بالعثور على أطوال مثالية من عشب البحر في بيئتها، بل تعدّل سيقان عشب البحر الكبيرة السليمة لتكوين القطع التي تستخدمها في تصنيع الأدوات”.
وتابعت: “من الأجزاء المهمة الأخرى التي تجعل هذا السلوك فريداً من نوعه هي حقيقة أن الحوت يتلاعب بعشب البحر بالتعاون مع شريكه دون استخدام اليدين أو أي زوائد تشبه اليدين، فالحيتان تستخدم أفواهها في تهيئة وضع عشب البحر في البداية، لكنها بعد ذلك تستخدم فقط قوة الدفع والضغط في مركز أجسامها للحفاظ على الاتصال مع بعضها مع وجود عشب البحر بينها”.